صور جديدة أضيفت إلى البوم فلسطين النازف. نساء مفجوعات يتراكضن في كل اتجاه بحثاً عن ابن ذهب يلعب ولم يعد. كل واحدة تنتحب وتحاول أن تبعد الموت عنها شبراً. تقول: «عساه يكون ابن غيري، عساه يكون ابن الجيران... هؤلاء البعيدين الذين لا أراهم». لكنها تبكي وتعرف يقيناً أن ابنها رحل مع أولاد الجيران. والشاشات تنقل صور رجال يضربون رؤوسهم ويكبرون، وسيارات إسعاف وفرق إنقاذ وأزقة مدمرة وأشلاء... والشاشات تبث. غزة دامية مجدداً. ما عاد الخبر عاجلاً، ولا سريعاً بسرعة القصف أو مفجعاً ببشاعة الموت الذي يحصد الأطفال. حتى الصور كأنها تأخرت قليلاً على الشاشات. هل هي العادة أم إنه مجرد شعور بأن تلك الدقائق الفاصلة بدت طويلة جداً؟ لعل كل ما يأتي من غزة صار متشابهاً على شاشاتنا وفي نشراتنا الإخبارية، لكن الأكيد أن صورة واحدة سترسخ في أذهاننا وذاكرتنا الجماعية. صورة الطفل محمد البرعي وهو يودع في قبر صغير حفر على قياسه الذي لن يكبر مع الوقت. احتضنه والده وطبع قبلة أخيرة على جبينه الملطخ بالدماء وأودعه سريره الجديد. تلك الصورة مفصل جديد في الألبوم الفلسطيني. تضاف إلى 3 صور رئيسية في رسم المشهد الإنساني منذ انطلاقة الانتفاضة الثانية. وبعكس كل ألبومات الصور العائلية التي تؤرشف سنوات الطفولة وتكبر معها، صور غزة تصغر مرة بعد أخرى حتى بلغت أخيراً الأشهر الستة هي عمر محمد. أول الصور تلك التي التقطت لوجه أم متألمة باكية وعلى رأسها وشاح مسترسل يكشف جزءاً من عنقها وبعض خصلات من شعرها فيما يدها تعتصر قلبها. أعادت الصورة إلى الأذهان وجه مريم العذراء تبكي ابنها حتى لقبتها الصحافة الأجنبية آنذاك بمريم الجديدة. اختصر ذلك «البورتريه» المأساة الفلسطينية كلها، بعيداً من السياسة والفصائل المسلحة. الصورة الثانية هي للطفل محمد الدرة الذي مات بين أحضان والده وهو يحاول حمايته من الرصاص. مشهد آخر لخص حالاً عامة. أما الصورة الثالثة، وهي غير بعيدة في الزمن، فل «فتاة الشاطئ» كما أطلقت عليها الصحافة والتي قضت عائلتها كلها في قصف لشاطئ غزة. تلك الصورة قطعت الطريق على أي تبرير عسكري اسرائيلي، وكسابقاتها حشدت الرأي العام الدولي ونالت تعاطفاً عالمياً. لكن ذلك وحده لا يكفي. فأعمار أصحاب الصور متناقصة فيما عددها متزايد. أضيفت إليها أخيراً صورة الطفل محمد، وليس من مؤشر أنه سيكون الأخير... لكن الألبوم ما عاد يتسع!