تبخرت تريليونات الدولارات من أسواق المال الأميركية والعالمية، وكذلك من صناديق التقاعد، وكذلك مليارات الدولارات على شكل مدخرات وغيرها.. كلها تبخرت وذهبت كما يبدو إلى غير رجعة وسط أزمة النظام النقدي العالمي. لقد فقد آلاف بل عشرات آلاف الناس أموالهم، التي كانت على شكل أسهم ومدخرات واستثمارات. لكن السؤال الأهم هو: أين ذهبت؟ ومن يمتلكها الآن؟! ذلك، انه بحسب الربح والخسارة، وبحسب مفهوم التجارة البسيط، إذا خسرت أموالك فلا بد من أن هناك من ربحها. ولكن من هو في هذه الحالة، وأين صبت تلك الأموال؟ أم تبخرت بكل بساطة؟! وفي حال قررت تتبع أموالك المفقودة وتحديد من يمتلكها حاليا، وربما محاولة استرجاعها، فقد تصاب بخيبة أمل إذا علمت منذ البداية أن أموالك لم تكن أموالا حقيقية. فالأموال في أسواق المال والأسهم، ليست أموالا حقيقية. وسعر السهم لم يكن أبدا مالا نقديا، وإنما هو مجرد «قيمة» لهذا السهم أو ذاك، ليس أكثر، وفقا للمحلل المالي والخبير الاقتصادي، روبرت شيلر. يقول شيلر: «المسألة هي في عقول الناس، فقد انتهينا للتو من تسجيل معيار لما يعتقده الناس حول قيمة سوق المال، وأولئك الذين يعملون فيها، وهم قلة من الناس». ويوضح الخبير المسألة، كالتالي: «يثمّن أحدهم قيمة منزل حاليا بأنها تصل إلى 350 ألف دولار، بينما كانت قبل أسبوع واحد تصل إلى 400 ألف دولار. بمعنى آخر، الفارق في القيمتين، أي 50 ألف دولار، اختفت وتبخرت، ولكن العملية كلها عملية عقيلة فقط لا أكثر ولا أقل»! وقيمة السهم أو المنزل ليست في جيبك بالتأكيد، ولكن أن تنخفض قيمتها، فهذا يشكل خسارة أموال بالطبع، كان من الممكن أن تستخدمها لو كانت على شكل سيولة نقدية أو لو أنك قمت بعملية البيع لهذه الأسهم أو لهذا المنزل. وفي الواقع، فإن أولئك الذين كانوا يعتمدون على بيع تلك الأسهم أو ذلك المنزل في هذه الفترة، فإن عدم قيامه بالبيع والشراء قبل الأزمة يشكل خسارة حقيقية، رغم أنها في النهاية خسارة نظرية أو افتراضية. ويقول أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد، دايل غورغينسن: إن الخطأ الأكبر الذي يقع فيه الناس هو اعتقادهم أن «تلك الأموال الافتراضية» تعادل قيمتها المادية في حال السيولة النقدية، فهي ليست كذلك أبدا. ويوضح: «هناك فرق واضح بين الأمرين، إذ في حين أن الأموال الحقيقية في محفظتك لا يمكن أن تتبخر في الهواء، فإن الأموال التي كان من الممكن أن تحصل عليها إذا بعت منزلك يمكنها أن تتبخر فعلا، فهي لم تعد مطروحة أو متوافرة حاليا. ويبين غورغينسن، قائلا: «لا يمكنك الاستمتاع بمزايا وفوائد استثمار تبخر. فإذا انخفضت قيمة ملكيتك من الأسهم بنسبة 80%، فإن هذه الخسارة مستمرة. ذلك أن أولئك الذين كانوا يستثمرونها اختفوا ولن يعودوا، وسينجم هنا كساد مالي كبير». وقبل ظهور الأموال الورقية في الصين في القرن التاسع الميلادي، لم يكن هناك من يمكنه أن يقلق على ما سيحدث للأموال. فالأموال شيء معلوم له قيمة حقيقية، مثل العملات الذهبية. وفي ذلك الوقت، إذا اختفت أموالك فجأة، فلا بد من سبب وراء ذلك، وهو أنك أنفقتها، أو سرقها أحد منك، أو أضعتها. ولكن في هذه الأيام، هناك الكثير من الأمور التي لها قيمة مادية، ولكن لا يمكنك أن تحملها بيدك، مثل استثمار أموالك في سوق الأسهم، التي يمكنك تتبعها، حيث ترتفع قيمة هذه الأموال، وربما تستطيع أن تبيعها بربح إن أردت عندما ترتفع قيمة تلك الأسهم. ومع انتفاء الثقة بتلك الأسواق، وبالنظام المالي، فإن الكثير من المستثمرين سيبيعون بأي سعر للحد من الخسارة، وهنا فإن قيمة استثمارك تكون قد تبخرت، وخلال هذه العملية فإنك تفقد ثروتك. ولكن، هل هذا يعني أن هناك بالضرورة من حصل على تلك الأموال الافتراضية التي كانت بحوزتك؟ بالطبع، لا! إذ ببساطة، فإن قيمة الأموال هنا تضاءلت. ومن كان يقوم بالاستثمار والمضاربة خسروا رهانهم بعد أن خاطروا، وهم الآن يعانون جراء تلك المخاطرة. مشاكل نفسية للأميركيين قالت خبيرة أميركية في معالجة المرضى الذين يعانون من مشاكل نفسية إن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها الولاياتالمتحدة حاليا سوف تؤثر بشكل سلبي على نفسية المواطنين الأميركيين وعلى مدخرات المتقاعدين، وقد تجعلهم عاجزين عن دفع القروض التي في ذمتهم للمصارف. وقالت الخبيرة لورين كولمان في معالجة الأشخاص الذين يعانون من مشاكل نفسية ولديهم ميول انتحارية لموقع «لايف ساينس» إن أي شخص يتابع الأخبار لا يحتاج الى عناء كبير كي يكتشف الأزمة المالية والاقتصادية التي تتخبط بها بلاده «بدءا من وول ستريت وإلى ماين ستريت». وأضافت «إن الأوقات الصعبة قد لا تدفعك للانتحار ولكن الضغط النفسي قد يكون خطرا عليك». وفي السياق نفسه، قال خبراء إن الاقتصاد الأميركي سوف يتعافى إن عاجلا أو آجلا، لكن تداعيات الأزمة الاقتصادية سوف تؤثر على أجيال مقبلة من الأميركيين لفترة يصعب التكهن بها.