تسببت أزمة الإئتمان التي نالت من أعتى المؤسسات المالية في وول ستريت وامتدت الى بنوك أوروبا الى إحداث تغير في نظرة المواطن الأمريكي لفكرة دفع رواتب فلكية لمسؤولي الشركات بالدولة الرأسمالية وبات يعتبرها من قبيل "الجنون". وتتناقض تلك النظرة مع الثقافة الامريكية التي تجعل من السعي وراء الثروة قيمة كبيرة، ويتحدث الكثيرون عن الحلم الأمريكي حيث يمكن لأي شخص تحقيق الثراء والنجاح من خلال العمل الجاد كما أن الاستياء من الأغنياء نادر نسبيا في المجتمع الامريكي الذي كان يلقب من قبل المتطلعين الي الثروة في شتى انحاء العالم بارض الاحلام. ويعود التغيير في النظرة الامريكية الى منح مسؤولي الشركات تلك الاجور الهائلة، الى رفض مبرر تلك الدخول حيث كانت تمنح اليهم على سبيل المكافأة وتقديرا لأدائهم في سوق عالمية شديدة التنافس، ولكن مع وقوع الشركات تحت وطأة الازمة المالية ومطالبة دافعي الضرائب بمحاولة معالجة بعض أسوأ أخطاء هؤلاء المسؤولين يشكك كثير من الامريكيين في هذا الاعتقاد. ووفقا لإحصاءات معهد دراسات السياسة ومنظمة متحدون من أجل اقتصاد عادل وهما منظمتان تركزان على قضايا العدالة الاجتماعية، صرف مسؤولون الشركات المقيدة على مؤشر ستاندرد اند بورز 500 أجورا تقدر بنحو 10.5 مليون دولار في المتوسط خلال عام 2007، بما يعادل 344 مثل أجر العامل الأمريكي العادي. وهو ما أكدته مارشا مينيس معلمة التصميم بولاية أريزونا الأمريكي، عندما وصفت ثقافة دفع رواتب فلكية لمسؤولي الشركات بالولايات المتحدة بأنه "جنون". ويضيف بول بيسينسكي مدير الصحة العامة في ماساتشوستس أن دفع ملايين لدولارات صورة علاوات ومزايا لمسؤولي الشركات "غير عادل" و"غير مُبرر" في وقت يشهد اقتصاد امريكا أشرس أزماته المالية على الاطلاق فالامر يبدو كانه مكافأة على الفشل. وتحدث كل من مرشحي الرئاسة الديمقراطي باراك اوباما والجمهوري جون مكين علنا ضد دفع أجور مفرطة لمسؤولي الشركات مع وصول الحملة الانتخابية الى مرحلتها النهائية. وفي تعبير عن سخط المواطن الامريكي وسخريته من أداء هؤلاء المسؤولين، اعرب الآن سميث وهو مالك متجر في تكساس عن امله في ان يُدفع له مليون دولار لكي يقود شركة مالية في وول ستريت الى الانهيار، واستطرد قائلا إن المسؤول في مؤسسة كأمريكان انترناشونال جروب يحصل على 40 مليون دولار في المتوسط ، ولكنه اذا اوكلت له مهمة ايقاع المؤسسة فمقابل مليون دولار فقط يستطيع ايقاعها أسرع من ذلك. وتوافقه في الرأي مينيس التي كانت تتسوق في منطقة سكوتسديل بولاية أريزونا، حيث قالت إن الامر برمته جنون مؤكده أن الامريكي العادي ينتابه شعور بخيبة الامل إذا ما قارن تآكل دخله وتهديد مدخراته بما يقرأه عن دخول المسؤولين. ويمتد الشعور برفض الدخول الفلكية الى سكان المدن الامريكية الصغيرة والريف وهو ما دعمه أقرار المشرعون الامريكيون خطة لإنقاذ وول ستريت قيمتها 700 مليار دولار من الأموال العامة. واقر مجلس الشيوخ خطة الانقاذ المالي مع مطلع أكتوبر/ تشرين الاول 2008، وتبعه مجلس النواب الجمعة في 3 اكتوبر ذاته بعد مناقشته لها للمرة الثانية، وقد وقعها الرئيس الامريكي جورج بوش لتصبح قانونا ساريا. وقالت ساره اندرسون المحللة المتخصصة في أجور مسؤولي الشركات والتي تعمل لدى اي.بي.اس ان كثيرا من الامريكيين يقولون انهم يشعرون بأن أجور المسؤولين التنفيذيين الضخمة غير مقبولة الا أن الكثيرين منهم غير متيقنين بشأن الخطوات الاضافية التي ينبغي اتخاذها لكبح ذلك. وأضافت أن العامة يشعرون بالغضب لكنهم يعرفون أنه لا حول لهم ولا قوة ولا يعلمون ما يمكنهم فعله بشأن ذلك. وغالبا ما يحتج نشطاء المساهمين على أجور المديرين التي يرونها زائدة عن الحد خلال اجتماعات الشركات رغم أن مينيس تشكك فيما اذا كان ذلك وحده قادرا على وضع حد لجشع المسؤولين. (رويترز)