بعض الإعلاميين من المهتمين بعالم كرة القدم بلغ مرحلة الهوس في البحث عن الأفضليات وعقد المقارنات بين اللاعبين والأندية بحسبة معينة، واستخراج الألقاب وتوزيعها على من يحب وحجبها عن الآخرين من الذين لا يستلطفهم على اعتبار أنها قسمة ونصيب! حتى أن ألقاباً وأولويات بدأت تظهر بصفة دائمة لتمجيد هذا والتقليل من شأن ذاك من دون أن يكون لها قيمة على أرض الواقع. ومع أننا لو بحثنا عن أولويات للاعبين مؤثرين في تاريخ كرة القدم من أمثال الأرجنتيني دييغو مارادونا والفرنسي ميشال بلاتيني لوجدنا أنها محدودة، بل وغير مهمة في مسيرتهم، لأنهم صنعوا إنجازات حقيقية يصعب انتزاعها من الذاكرة وتركوا الحسابات للمهووسين بالحساب وعقد المقارنات. خصوصاً أن مجرد الفوز بكأس العالم أو بطولة أوروبا يسجل علامة مضيئة في تاريخ من أسهم في الإنجاز من دون النظر إلى نتائج المقارنات المحدودة. المشكلة أننا بدأنا نصدّر هذا الهوس إلى الإعلام العربي من خلال اختلاط الأشقاء العرب بنا أو حتى متابعتهم لما نكتبه ونقوله في إعلامنا، فأصبح الفطن فيهم من يستطيع أن يستخرج في نهاية مباريات اليوم حسبة تمنح لاعباً أو نادياً أفضلية على حساب البقية، تمهيداً لتوزيع الألقاب ومباركة الإنجاز من دون أدنى اعتبار لقدرة المتلقي على تمييز الإنجازات الحقيقية وتلك «المفصلة» لتناسب شخصاً بعينه! ولا أستغرب أن يظهر علينا يوماً أحدهم ليحتفي ب «أول لاعب عربي، مسلم، سني، ابن عائلة، حفيف الشارب كثيف اللحية يحرز هدفاً في مباراة خلال نهائيات كأس العالم لكرة القدم»، ومع أن اللقب طويل ولن يصل القارئ إلى آخره حتى يكون قد نسى أوله، إلا أن هواة تفصيل الألقاب لا يجدون في الأمر حرجاً، بل إنهم لا يكلّون ولا يملّون من العوم في بحر الأرقام والأوليات لاستخراج ما يعتبرونه مهماً، بينما يرى فيه المتابع معلومة عابرة لا تستحق التوقف عندها طويلاً. ومع الأسف أن عهد النكسة الرياضية «عربياً» أفرز جيلاً إعلامياً أكثر انتكاسة وإفلاساً، على اعتبار أن تراجع إنجازاتنا بل وغيابها في مجالات رياضية مهمة قاد كثيراً من الإعلاميين إلى الاهتمام بالقشور وتلميعها بحثاً عن إرضاء بطل ورقي أو مسؤول فاشل أو مشجع ساذج، وبين هذا وذاك يضيع الدور الحقيقي للإعلام الرياضي، ويصبح النقد تطاولاً، والحقيقة افتراءً، والتظليل سياسة، والفشل إنجاز، وغيرها من المترادفات التي لا تجتمع إلا عند من تنضب إنجازاتهم ويكثر كلامهم!