ترى الكاتبة المصرية عفاف زيدان أن للثقافة العربية تأثيرا عميقا في اللغة الفارسية وبخاصة في مرحلة المد العربي-الإسلامي في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) مستشهدة بالشاعر الأفغاني فرخي سيستاني الذي تأثر كثيرا بشعراء عرب أبرزهم أبو نواس وأبو تمام. وتقول في كتابها (فرخي سيستاني.. عصره وبيئته وشعره) الذي صدر الكتاب في القاهرة عن مكتبة مدبولي ويقع في 553 صفحة كبيرة القطع أن اللغة الفارسية منذ بداية القرن الرابع الهجري شاركت اللغة العربية في حمل لواء الثقافة الإسلامية وهكذا انتقل مضمون العربية إلى الفارسية. وتضيف أن " التعصب القومي" لم يمنع الشعراء الأفغان أن يأخذوا عن الثقافة العربية بحكم " ضرورة نشأة الأدب الفارسي الوليد بجوار أدب أخر عريق" موضحة أنهم أسهموا أيضا في الثقافة العربية. وتقول زيدان إن سيستاني -الذي ولد عام 360 هجرية (نحو عام 971 ميلادية) وعاش نحو 69 عاما وكان يتمتع بصوت جميل وموهبة العزف على العود- تمثل نظرية الشعر العربي وان قارئ قصائده ربما يصاب بالدهشة "فلو حذفنا المسميات الفارسية.. لوجدنا أنفسنا أمام شعر عربي مترجم الى الفارسية. حيث يصف ممدوحه بأنه أكرم من حاتم الطائي. كما يتخذ من عنترة بن شداد مثالا للشجاعة. كما أخذ السيستاني من أبي تمام فكرة مطلع قصيدة يمدح فيها الخليفة العباسي المعتصم بعد فتحه عمورية. واقتبس أيضا من النابغة الذبياني قوله "وانك شمس والملوك كواكب / اذا طلعت لم يبد منهن كوكب" وصاغ ذلك على النحو التالي "لقد قلت.. انهم النجوم والامير يوسف مثل القمر وأنا حينما أرى القمر لا أعرف النجوم". وتنقل الكاتبة أبياتا لسيستاني يبدو فيها شديد التأثر بأبي نواس ومنها قول الاخير " ولى الصيام وجاء الفطر بالفرح ( وأبدت الكأس ألوانا من الملح" ويقول سيستاني "لقد ولى الصيام أمس من خيمتنا وجاء عيد الفطر السعيد بكأسه وشرابه". كما يقول أيضا عن شهر رمضان "ماذا يحدث اذا ذهب.. قل له.. اذهب وتبختر بدلال فان ذهابه قد أراح الجميع من العذاب. فاذا كانت وجوه الدنيا قد اصفرت من تعبه فشكرا لله لان الخمر صافية قد جعلت وجوهنا ناضرة حمراء." وتقول المؤلفة إن هذا الكتاب أول مؤلف بالعربية عن هذا الشاعر الذي أهلته " موهبته الفذة" إلى أن يكون مقربا من السلطان محمود الغزنوي نسبة الى منطقة غزنة في أفغانستان التي كانت "من أعظم الحواضر الإسلامية" وامتد نفوذ هذا السلطان وعائلته من إيران إلى أفغانستان وباكستان حتى حدود الهند. وتتفق مع مؤرخين يرون أن "أفغانستان هي منشأ اللغة الفارسية" ففي غزنة على عهد السلطان محمود الغزنوي عاصر سيتساني عددا كبيرا من الفلاسفة والفقهاء والعلماء والشعراء منهم أبو الريحان البيروني وابن سينا (الشيخ الرئيس) والبيهقي وأبو منصور الثعالبي وأبو قاسم الفردوسي مؤلف ملحمة الشاهنامه. وفي مقدمة طويلة تستعرض المؤلفة نشأة الدولة الغزنوية في نهاية القرن العاشر الميلادي ونهايتها قائلة إن طبيعة نشأة تلك الدولة كشفت عن نهايتها "فهي دولة بنيت بالسيف وما كان يمكن أن تعيش من دونه...وكان واضحا أن مجد السيف الذي بناه محمود لم يترك فرصة لإقامة نظام سياسي متكامل يمكن أن يحمي الدولة حين يغمد سيف أمرائها" ففي ظل صراع دموي بين حضارات مختلفة لم يكن السيف وحده يضمن الاستقرار بعيدا عن مؤسسات سياسية قوية. والمؤلفة التي شغلت منصب عميدة كلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر بالقاهرة كانت أول امرأة عربية تذهب إلى أفغانستان عام 1968 خلال فترة حكم أخر ملوك أفغانستان محمد ظاهر شاه (1933 -1973) حيث درست الأدب الفارسي في جامعة كابول التي نالت منها درجة الدكتوراه. (رويترز)