أخيراً ... تم الإفراج عن سمير القنطار الملقب بعميد الأسرى اللبنانيين ، ليرى نور الحرية بعد نحو 29 عاما أمضاها فى ظلام الأسر ..وهو اسم بارز فى تاريخ المقاومة اللبنانية ، دفع حريته وسنوات صباه وشبابه ثمنا للدفاع عن القضية الفلسطينية حيث صدر حكم باعتقاله مدى الحياة بالسجون الإسرائيلية بعد اتهامه بقتل عدد من الإسرائيليين بينهم عالم ذرة وطفلته فى هجوم "نهاريا" الذى قاده على شمال إسرائيل عام 1979 م . ولقب بعميد الأسرى اللبنانيين لأنه عاش خلف الأسوار أكثر من ربع قرن حتى تم إطلاق سراحه الأربعاء 16 يوليو /تموز 2008 فى إطار صفقة لتبادل الأسرى بين حزب الله وحكومة إسرائيل بعد أن ظل عدة سنوات ورقة فى يد إسرائيل للمساومة على تحرير الإسرى فى لبنان . كما يعد "القنطار" من أقدم الأسرى العرب في السجون الإسرائيلية وجرى اعتقاله في سن ال(17) بعد أن تسلل في 22 أبريل/ نيسان1979 مع أفراد تابعين لجبهة التحرير الفلسطينية إلى مستوطنة نهاريا شمال إسرائيل عن طريق البحر بقارب مطاطي. عملية ..نهاريا : واعتقل بعد تنفيذه هذه العملية التى أطلق عليها اسم " القائد جمال عبد الناصر" مع ثلاثة من رفاقه، وكان سمير قائد العملية برتبة ملازم في جبهة التحرير الفلسطينية،واخترقت المجموعة رادارات القوات الإسرائيلية وترسانة أسلحتها منطلقه من شاطئ مدينة صور بزورق مطاطي صغيرو سريع جداً، واستهدفت العملية الوصول إلى مستوطنة نهاريا واختطاف رهائن من الجيش الإسرائيلي لمبادلتهم برجال مقاومة معتقلين في السجون الإسرائيلية. و بدأت العملية في الثانية فجراً واستمرت حتى ساعات الصباح، وتجاوزت الرادار وحرس الشواطئ والحواجز البحرية حتى وصل القارب إلى شاطئ نهاريا حيث ترابض حامية عسكرية كبرى ، وعند وصولهم لنهاريا، أطلقوا النار على سيارة شرطة وقتلوا شرطيا إسرائيليا. ثم اقتحموا منزل عائلة العالم النووي دانى هاران واختطفوا هاران وطفلته بينما اختبأت الأم، سمادار هاران، مع طفلتها الأخرى وجارة للعائلة. ثم أخذت المجموعة بقيادة "القنطار"الأب وابنته إلى شاطئ البحر لركوب الزورق إلا أن المحاولة فشلت حيث واجهتهم الشرطة الإسرائيلية وجرت معركة كبيرة أصيب فيها سمير بخمس رصاصات لم تمنعه من الاختباء وراء الصخور ومواصلة القتال ، وبعد أن استقدمت القوات الإسرائيلية وحدات كبيرة من الجيش دارت اشتباكات عنيفة ، فقام القنطار بقتل المخطوفين قبل أن تقبض الشرطة الإسرائيلية عليه. وكانت الحصيلة النهائية للعملية ستة قتلى ، أما أبطال العملية ،فقد استشهد منهم اثنان هما: عبد المجيد أصلان ومهنا المؤيد ،واعتقل سمير القنطار وأحمد الأبرص ثم أطلق سراح "الأبرص" عام 1985 إثر عملية تبادل للأسرى إثر عملية تبادل للأسرى ما بين حكومة الاحتلال والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة. وأسفرت العملية عن مقتل وجرح العديد من الإسرائيليين . وأحدثت عملية نهاريا ردود فعل واسعة حيث أن سكان الجليل الأعلى والجليل الغربي ناموا في الملاجئ لأكثر من أسبوع على إثر العملية، وقد وافقت الحكومة الإسرائيلية آنذاك على مشروع قانون بإعدام القنطار إلا أن الإسرائيليين وجدوا أنفسهم أمام معضلة قانونية لأن القانون الإسرائيلي لا يسمح بالإعدام، والاستثناء الوحيد كان في تطبيق عقوبة الإعدام بحق النازيين في الحرب العالمية الثانية باعتبارهم خائنين للوطن . وفي 28 يناير/كانون الثاني 1980،حكمت المحكمة العسكرية المركزية في "تل أبيب"على "القنطار" بالسجن بما يصل 542 عاماً أى مدى الحياة، ومنذ ذلك الحين تنقل القنطار بين العديد من سجون الاحتلال وتعرض على حد وصفه فى رسائله لشتى صنوف التعذيب التي يمارسها محققو مصلحة السجون ضد الأسرى العرب . ملامح .. سمير القنطار: ولد سمير القنطار عام 1962 في بلدة عبيه الجبلية ، ذات الموقع الإستراتيجي المطل على العاصمة "بيروت"، وتلقى دراسته الأولى في مدارس البلدة وتميز منذ صغره بشهادة الكثيرين من رفاقه بشجاعة وحماس منقطع النظير،ويدلل على ذلك انه كان يعلق بغرفة نومه، منذ سنوات طفولته صورة كتب تحتها (الشهيد سمير القنطار). وفى 1977انضم الى جبهة التحرير الفلسطينية وتدرب على فنون القتال واستخدام مختلف أنواع الأسلحة . وقد شارك في مقاومة قوات الاحتلال الإسرائيلى أثناء الاجتياح الإسرائيلي الأول لجنوب لبنان عام 1978. ثم حاول القيام بعملية عسكرية ضد إسرائيل عن طريق الحدود الأردنية في منطقة "بيسان"، واعتقل هناك لمدة سنة من 31/1/1978 وحتى 25/12/1978. وفى 22 أبريل /نيسان 1979 ، نفذ عملية "القائد جمال عبد الناصر" بالهجوم القاتل على مدينة نهاريا شمال إسرائيل .وسعى رفاقه لإطلاق سراحه أكثرمن مرة منها محاولة عام 1984باحتجاز السفينة الإيطالية "أكيلو لاورو" وعلى متنها رعايا أمريكيين وإسرائيليين. وظل القنطارعلى مدى عدة سنوات رهينة للمقايضة الإسرائيلية التي ربطت إطلاق سراحه بالكشف عن مصير الطيار الإسرائيلي "رون إراد" المفقود منذ 1986 وإطلاق سراح جنود أسرى لدى حزب الله . ورغم كل عمليات التبادل التي جرت، لم يطلق سراحه ورفضت حكومة الاحتلال الإسرائيلى الإفراج عنه ضمن عملية التبادل التي جرت ما بين حزب الله وإسرائيل في يناير/كانون الثاني عام 2004، رغم أنها أفرجت عن 24 أسيراً لبنانياً كانوا معتقلين لديها، وتفيد التقارير أنه تم عزله منذ عملية حزب الله في الثاني عشر من يوليو /تموز2006 م،ولم يسمح لعائلة سمير القنطار بزيارته منذ اعتقاله عام 1979 إلا أن أفراد أسرته ظلوا يتبادلوا الرسائل معه عبر الصليب الأحمر والمحامين . الجدير بالذكر أن سمير يعاني من متاعب صحية لإصابته بمرض الربو ومعاناته من رصاصة لا تزال مستقرة في رئته اليمنى . حياته داخل المعتقل : تعرض "القنطار" لعمليات تعذيب قاسية داخل المعتقل على حد وصفه في رسائله من داخل السجن ، حتى ان الرصاصات التي اصيب بها خلال عملية نهاريا عام 1979 انتزعت من جسده أمام عينيه دون مخدر. وخلال حياته خلف القضبان ، نظم سمير عشرات الإضرابات عن الطعام من أجل تحسين ظروف المعيشة الإنسانية داخل المعتقل، وبعد إضراب عن الطعام استمر 19 يوماً ، حصل على حقه مع رفاقه الأسرى في التعلم بالمراسلة من داخل سجنه ممايشير لكونه انسانا محباً للمعرفة ،شغوفا بالعلم . وبعد جهود مضنية تمكن عام 1992 من الالتحاق بجامعة تل أبيب المفتوحة التى تسمح بإنتهاج أسلوب التعلم عن بعد وتخصص بمادة العلوم الإنسانية والاجتماعية . وفي سبتمبر/ أيلول 1998 منحت الجامعة المفتوحة للقنطار درجة بكالوريوس في الأدبيات والعلوم الاجتماعية. ثم ارتقى طموحه العلمى ، فطلب مواصلة دراسته العليا في جامعة خاصة بإسرائيل، لكن إدارة السجن رفضت طلبه معتبرة أنه لا يمكنه الدراسة إلا في جامعة عبرية كي تراقب مضمون المواد التى يدرسها ، وهو حالياً يدرس الماجستير في مادة "الديمقراطية " بعد تجاوزه العقبات التي وضعتها مديرية السجون . وتمكنت بثينة دقماق محامية مؤسسة مانديلا الفلسطينية لرعاية شؤون الإسرى والمعتقلين فى 22/8/2006 من زيارة عميد الأسرى اللبنانيين والعرب سمير القنطار المحتجز في سجن هداريم. وأكدت "دقماق" أن معنويات عميد الأسرى الأردنيين مرتفعة جدا، وقد تحدث مرارا عن أمله وتفاؤله الكبير في اقتراب الإفراج عنه في صفقة لتبادل الأسرى اللبنانيين والعرب مقابل الجنديين الإسرائيليين الأسيرين في لبنان. وعبر القنطار ومعه معظم الأسرى ذوي الأحكام الطويلة الامد في سجن هداريم، عن أملهم وفرحتهم بقرب التقائهم بعائلاتهم التي حرم معظمهم زيارتها منذ سنوات طويلة بسبب المنع الأمني. اعتقالات سابقة : اعتقل لأول مرة فى 31 يناير 1978 على يد جهاز المخابرات الأردنية عندما حاول تجاوز الحدود الأردنية الإسرائيلية مع عضوين آخرين في جبهة التحرير الفلسطينية لاختطاف حافلة إسرائيلية على الطريق بين بيسان وطبريا من أجل المطالبة بإطلاق سراح سجناء لبنانيين مقابل المسافرين. وقضى "القنطار" 11 شهرا في السجن الأردني، ثم أفرج عنه في 25 ديسمبر 1978 بشرط حرمانه من دخول الأردن ثانية. كرامة أسير يفخر سمير القنطار فى رسائله ببطولاته الوطنية ويؤكد أنه لو أدى به الأمر إلى قضاء ربع قرن آخر داخل السجن، فلن يوافق على توقيع رسائل اعتذار لأهالي قتلى عملية نهاريا الشهيرة، أو يقدم اعترافا بندمه على ما فعل، ويقول أيضًا: "أنا لست نادما إلا على شيء واحد هو أنني منحت في عام 1979 شرف الدفاع عن أمتي، ولكني حرمت من فرصة الدفاع عن بيتي وأهلي وأرضي ووطني في أثناء الاجتياح الإسرائيلي عام 1982". كما رفض في فبراير عام 2003 عرضا قدمته إدارة السجون الإسرائيلية للأسرى الذين قضوا في السجون الإسرائيلية فوق العشرين عاما بأن يتقدموا بطلب خطي للنظر في إطلاق سراحهم على أن يشرحوا فيه الأسباب الشخصية التي تدفعهم إلى التقدم بهذا الطلب. وقد برر رفضه بانه ضد تغليب الطابع الشخصي على الموضوع، وأعلن القنطار أنه لا يزال على موقفه بأن سنوات العمر التي أفناها في سجون الاحتلال كانت من أجل فلسطين، قضية وشعبا. في 8 يوليو 2005 ،نشرت صحيفة معاريف الإسرائيلية مقابلة مع سمير القنطار باللغة العبرية ،أعلن القنطار فيها أن محاميه نقل إليه اقتراحا بترشيح نفسه للبرلمان اللبناني. ولكنه قال إنه لا يستطيع الخدمة كعضو برلمان من السجن الإسرائيلي ولا يريد استغلال عنائه كي يكسب مقعدا في البرلمان اللبناني. كذلك أعلن أنه يتابع الأحداث في لبنان بواسطة الراديو والتلفزيون. شهادة .. رفيق الكفاح : رغم دخول سمير السجن في سن مبكرة إلا أنه استطاع بذكائه وصموده أن يكتسب خبرة مكنته ان يتمتع بمكانة متميزة داخل السجن حيث تم اختياره ليمثل الأسرى أمام إدارة سجن نفحة الصحراوى الذى أمضى به معظم سنوات اعتقاله ..هذا ما أكده رفيقه الاسير المحرر جبر وشاح الذي عاش معه نحو 15 عاماً واستنكر الفترة التي عاشها مع سمير في زنزانة واحدة واعتبرها من أقسى أنواع العزل والذي يطلق عليه العزل الثنائي حيث يكون في الزنزانة اثنان، فإذا لم ينسجما تصبح حياتهما جحيما لكن هذا لم يحدث مع سمير رغم عزلهما في زنزانة واحدة في سجن بئر السبع طولها مترين ونصف وعرضها مترا واحد من 1993وحتى نهاية 1996. ويقول وشاح فى شهادته : "عندما كنا في سجن نفحة، كانت والدة أحد الأسرى المقدسيين تزوره حتى بعد إطلاق سراح ابنها في صفقة تبادل الأسرى عام 1985 وحينها تعرفت والدتي على سمير وطلبت من الأم المقدسية إذناً بزيارته بدلاً منها كي ترتاح بعد سنوات زيارة ابنها المحرر، ومن يومها وحتى الآن أصبح معروفاً لدى إدارات السجون أن الوالدة تتعامل مع سمير كأبنها". وبعد الإفراج عن ابنها جبر عام 1999 ،واصلت زيارة سمير إلا أن قوات الاحتلال منعتها لفترة طويلة مما دفعها للتقدم لمنظمات حقوق الإنسان ومحاميين إسرائيليين بطلب زيارة سمير و تم تلبيته بالفعل حيث زارته فقط مرتين ثم منعت ،وتتذكر أم جبر الزيارة الأولى بعد هذا المنع الطويل وكيف استقبلها سمير الذي تفاجأ بزيارتها وكان سعيداً جداً بها. زواج .. داخل السجن وروت " أم جبر" قصة زواج القنطار بالسجن ، حيث أعجبت بشجاعته فتاة من عرب 48 سجنت 7 أعوام هى "كفاح كيال" وكانت تسمع بسمير وأخلاقه من عكا وطلبت من أم جبر أن ترتب لها زيارة لسمير كى تتعرف عليه. واستمرت الفتاة تزور سمير ونشأ بينهما حب متبادل حتى فاتحت الفتاة أم جبر عند ما زارتها في بيتها بمخيم البريج برغبتها فى الزواج منه ، فنصحتها بأن سمير إنسان ليس له مثيل، إلا أنه محكوم عليه مدى الحياه ، فردت عليها: "إنني اتفقت مع سمير على الزواج"، وبعدها تمت إجراءات كتب الكتاب في محكمة بالقدس وكان وكيل زواجها أبو جبر. و تعود أم جبر بذاكرتها عندما علم أهالي القتلى في العملية التي نفذها سمير باعتزامه الزواج، فنظموا احتجاجات ومسيرات مما أرغم إدارة السجن على رفض اتمامه بالسجن وبعد تدخل مؤسسات قانونية أصدرت محكمة العدل قراراً بأن يعطى فقط نصف ساعة لعقد القران داخل السجن وسط أجواء من الفرحة ،أغلقت خلالها قوات الاحتلال الطرق المؤدية إلى السجن خوفاً من حدوث مشاكل. لكن الزواج لم يستمر طويلاً لأن إسرائيل رفضت إدراج اسم سمير ضمن صفقة تبادل أشلاء جندي إسرائيلي مع أسرى عرب والتي تمت ما بين حزب الله وإسرائيل سابقاً، حينئذ طلب سمير من عروسه "كفاح" الطلاق حفاظاً على مستقبلها لكنها أصرت ورفضت ذلك ورغم قيامه بتطليقها ما زالت كفاح ترفض استلام الورقة على أمل الإفراج عن سمير الذى جمعتها به علاقة حب وزواج اخترقت جدران السجن . 29/6/2008