باستطاعة الإنسان أن يرى المستقبل.. هذا ما يؤكده عالم أمريكي مشهود له بالتميز في الأبحاث، هو البروفيسور مارك شانغيزي من معهد البولوتكنيك الشهير في نيويورك. لكن هذا العالم لم يسارع للقول اننا لا نتحدث عن رؤية المستقبل على طريقة نوسترا داموس، أو التنبؤ بالغيب بل رؤية الأشياء قبل وقوعها بعُشر الثانية، أي بواحد على عشرة من الثانية. قد تبدو الفترة الزمنية هذه أقصر من أن تثير الاهتمام، لكن العلماء العاملين في هذه الأبحاث يؤكدون أهميتها بالقول انها تفسر العديد من ظواهر الخداع البصري التي حيرت الإنسان لعشرات السنين، إن لم يكن أكثر. يشير العالم الأمريكي إلى أن الأبحاث التي أجراها مع العديد من زملائه في المعهد كانت تتركز في البداية على محاولة فهم ظاهرة التباطؤ في إدراك العالم من حولنا فور استيقاظنا من النوم. فعندما يسقط أول ضوء للنهار على شبكية العين صباحاً، يحتاج الدماغ لعشر الثانية كي يترجم الإشارة البصرية إلى إدراك وإحساس بالعالم من حولنا. هذه المسألة معروفة للعلماء منذ سنوات طويلة، لكن الخلاف كان يتركز حول كيفية قيام الإنسان بتعويض عُشر الثانية دون أن يشعر بالفرق، فيرى الماضي وكأنه الحاضر. فالبعض كان يقول ان جهازنا الحركي يُعدّل حركاتنا للتغلب على هذا التأخير في الإدراك. أما البروفيسور شانغيزي فيقول في نظريته الجديدة ان جهازنا البصري هو الذي يقوم بمهمة تعويض التأخير في انتقال الإشارة البصرية من العين إلى الدماغ ومن ثم ترجمتها إلى إحساس بالإدراك. وبالتالي، فإن جهازنا البصري يرى الأشياء قبل حدوثها بذلك المقدار الضئيل من الثانية، وهو ما يفسر قدرتنا على رؤية الحاضر الحقيقي بالفعل، وليس متأخراً عُشر الثانية عن وقت حدوثه. ويشرح البروفيسور الأميركي نظريته، فيقول: على سبيل المثال أننا نسارع إلى إغلاق عيوننا بمجرد رؤيتنا لذبابة أو نحلة أو أي شيء آخر يتجه مثل الصاروخ ليصدم وجوهنا. إننا بذلك نحمي عيوننا اعتماداً على هذه الخاصية بالقدرة على رؤية المستقبل. مثال آخر، فعندما نسير في شارع مزدحم بالمارة، نستطيع، اعتماداً على عُشر الثانية هذا، السير قدر الإمكان دون الاصطدام بالآخرين. ومن شأن النظرية الجديدة أن تفسر الخدع البصرية التي حيرت الناس، حتى العلماء والمختصين منهم، لسنوات طويلة، فخداع البصر يحدث، كما يقول هذا العالم الأميركي، عندما يحاول الدماغ إدراك المستقبل، لكن محاولاته لا تطابق الواقع. ولعل أشهر الخدع البصرية في الرياضيات والأشكال الهندسية تلك المعروفة باسم «خدعة هيرينغ» وهي عبارة عن خطوط مستقيمة تنطلق مثل الشعاع من وسط دائرة مع خطوط عمودية متوازية في ما بينها (أنظر الشكل). فعندما ننظر إلى الشكل «نرى» الخطوط العمودية وقد انحنت في منطقة الوسط، كأنها لم تعد عمودية تماماً، فالخطوط العمودية الكائنة إلى يسار مركز الدائرة والمسمى «نقطة التلاشي» انحنت عند الوسط نحو اليسار وابتعدت عن المركز، بينما الخطوط الكائنة إلى يمين المركز انحنت عند الوسط نحو اليمين وابتعدت عن المركز هي الأخرى. التفسير العلمي لهذه الظاهرة حسب النظرية الجديدة هو أننا نتعرض للخداع البصري عندما يحاول الدماغ أن يتنبأ بما يمكن أن يبدو عليه المنظر في عُشر الثانية المقبل إذا كنا نتحرك نحو نقطة التلاشي في الوسط .. لكن بما أننا لم نتحرك من مكاننا، كما أن الرسم نفسه لم يتحرك هو الآخر، فعندها «نرى» الخطوط العمودية وقد أصبحت منحنية على جانبي نقطة التلاشي . ففي حياتنا العادية، عندما نتحرك نحو الأمام نمشي في الشارع مثلاً، لا يقتصر التغيّر على أشكال الأشياء من حولنا، بل هناك الكثير من المتغيرات، كزاوية رؤية تلك الأشياء.