.بحلول شهر ايار (مايو) من كل عام يحتفل الناس في جميع اقطار الارض بعيد العمال، ويقوم العديد منهم بإستذكار ما حدث في فرنسا خلال هذا الشهر من عام 1968. ففي ايار (مايو) 1968 ادت سلسلة من الاضرابات العامة ومظاهرات قام بها طلاب فرنسيون الى إسقاط حكومة الجنرال شارل ديغول في فرنسا. الغالبية الواسعة من المتظاهرين كانت تعتنق افكارا يسارية الا ان الاحزاب اليسارية الرسمية نفت حينها اي علاقة لها بالتظاهرات. وقد وجد الكثير من الناس في تلك التحركات فرصة للثورة على التقاليد القديمة والتخلص منها بالعمل على تغيير المناهج التربوية وإنعاش القطاع الوظيفي. لهذه الاهداف اندلعت المسيرات واعمال الشغب التي اطلقها طلاب معظم الجامعات والمدارس الباريسية لتعم احياء العاصمة الفرنسية الامر الذي دفع حكومة ديغول الى نشر المزيد من قوات الامن ومكافحة الشغب لقمع التظاهرات بالقوة، ما أثار ردة فعل أكثر حنقا من المتظاهرين وادت الى معارك حقيقية بين هؤلاء والشرطة خاصة في الحي اللاتيني. وعلى اثر الاشتباكات في باريس خرجت مسيرات حاشدة وأضربت فرنسا بأكملها فزادت الضغوط على الحكومة التي قدمت استقالتها بعدما دعت لانتخابات برلمانية جديدة في 23 حزيران (يونيو) 1968. الا ان الآثار السياسية للثورة الطلابية سرعان ما تبخرت بعدما رفضت الاحزاب السياسية تبنيها الامر الذي ادى الى فوز حزب ديغول مجددا بالانتخابات. وعلى الرغم من الفشل السياسي الا ان حركة ايار 68 تركت بصمات اجتماعية لا تزال دامغة على المجتمع الفرنسي والعالم بأسره. واليوم بعد 40 عاما، في ايار (مايو) 2008 يستعيد معرض صور ونصوص في نيويورك أحداث ايار (مايو) 68 في باريس كما رأتها صحافية ومصورة اميركية كانت تعيش حينها في العاصمة الفرنسية مع زوجها. وتحت عنوان "تظاهرات مايو 68" باللغة الفرنسية تعرض الصحافية مارتا كارول نحو 60 صورة بالاسود والابيض تروي من خلالها الاحداث التاريخية، التي واكبتها خطوة بخطوة عندما كانت تسكن "قرب شارع سان جاك وكوليج (معهد) دو فرانس". وقالت مارتا كارول، التي عاشت في فرنسا من 1967 الى 1970 وكانت تنشر مقالات في اسبوعية "فيلدج فويس" الفكرية المتحررة: "ارى خصوصية فرنسية فيما جرى في ايار (مايو) 68". واضافت ان "الطلبة كانوا مسيسين ومنظمين كثيرا في حين كانت الحركة اكثر تلقائية في الولاياتالمتحدة وتشبه خاصة دعاة السلام وكان الشبان يجازفون بان يرسلوا الى فيتنام وكان ذلك شغلهم الشاغل". وعنونت أحد مقالاتها الشديدة الانتقاد للسلطات الفرنسية "طلبة ضد رجال الشرطة". ويقام المعرض في رواق المعهد الفرنسي. وتعرض الصور الاولى التي التقطت "قبل اعمال العنف" الحي اللاتيني ليلا وفيه طلاب يغنون في اجواء بيهجة. ثم تظهر الصور التالية اول اعمال التدمير والشوارع المحفورة والمتاريس المقامة بركام حطام السيارات المحروقة ورجال شرطة مكافحة الشغب الذي يحملون الهراوات في مرحلة اولى، ثم اسلحة نارية والشبان وهم يلقون الزجاجات الحارقة وبعدها عملية نقل الجرحى في سيارات الاسعاف. وتذكرت كارول قائلة: "كان علي ان اركض كثيرا ربما اكثر من الاخرين لانه لم يكن لدي اعتماد صحافي وكنت اميركية ومعرضة للطرد". وقالت الصحافية، التي نقلت من فرنسا 14 حجرا من التي تصنع بها الشوارع الباريسية: "في النهاية تحول الامر الى سياحة وكان الناس يأتون من كل مكان لمشاهدة الخسائر. امام انا فقد ادركت ان كل شيء انتهى عندما شاهدت صباح يوم من الايام سيارة تسير بدون ضجيج وفهمت انه تم وضع القطران على الشارع ليلا". اما القيادي الطلابي السابق دانيال كوهن بينديت، الذي تحول في فرنسا الى شخصية ترمز لثورة ايار (مايو) 68 الطلابية، فيرى ان جيله الذي كان يؤمن بقوة الانسان حقق حينها "مكسبا للحريات". ويعبر عن فرحه كلما تذكر ما حدث حينها قائلا: "الصورة التي احتفظت بها من 68 هي نحن جميعا يهود المان . انه شعار، ووراء الشعار كانت تلك التظاهرة التي شارك فيها مئات الالاف من الناس يرددون نحن جميعا يهود المان ، سواء كانوا سودا او يهودا او عربا او كاثوليك، بيض او سود او صفر. ارى ان ذلك كان يرمز الى روح التضامن المتعدد الاعراق والمتعدد في كل شيء في ذلك الزمن". ويقارن كوهن بالحياة قبل وبعد تحركات 68 فيضيف: "في سنة 1965 كانت المراة المتزوجة بحاجة الى اذن من زوجها لتفتح حسابا مصرفيا. اليوم بامكانها ان تفعل دون اذن. اليوم حتى اكثر الكاثوليكيين تطرفا يدافع عن اساس الديموقراطية ليؤكد انه الاستقلال والمساواة بين الرجال والنساء. اليوم لدينا موافقة على استقلال الاطفال والتعايش مع مثليي الجنس حتى وان كانت المشاكل ما زالت قائمة في الكنيسة لكن ذلك سيتغير. سيصبح هناك موافقة على الاختلاف. فمجتمع اليوم لا علاقة له بالذي كان قبل 40 او 45 سنة. انه اليوم اكثر انفتاحا رغم انه يعاني من مشاكل اخرى. مجتمع 68 لم يكن يعرف البطالة والايدز والتغيرات المناخية والجوانب السلبية من العولمة. كنا جيلا يؤمن بالانسان وقدرته على تحقيق المعجزات بالعمل. كنا نقول ان العالم ملكنا ونحن مستعدون لادارة الحياة والعالم بشكل مختلف". وردا على قول الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بأن "ايار (مايو) 68 جلب الوقاحة الى السياسة"، اعترض كوهن قائلا: "يمكن وصفنا بكل شيء سوى الوقاحة. ربما كنا مشاكسين وحتى عبثيين لكن كل شيء الا وقحين. لكنه هو (ساركوزي) وقح تماما وعندما يقول ذلك فلينظر لنفسه في المرآة".