خلال القرن العشرين، مر العالم بتطورات تقنية هائلة كان لها أثر كبير في تغيير نمط حياتنا اليوم. فاستخدام البث الرقمي في دولة مثل بريطانيا أثار لدى علماء التقنية شعورا بالحماس الكبير تجاه الإمكانات غير المحدودة للعصر الرقمي. ففي البداية توافرت تقنية البث الرقمي لقلة قليلة، غير أن الأمر تطور ولم يعد هناك سوى سنوات قليلة مقبلة أمام مئات الملايين من البشر قبل أن يجدوا أجهزتهم خارج إطار الخدمة، ولن تفلح معها أي جهود إصلاح، والسبب هو أن التقنية التناظرية في البث في طريقها إلى الاختفاء بلا عودة، لتفسح الطريق أمام التقنية الرقمية، ومن ثم فإن هؤلاء الذين ليست لديهم هذه التقنية لن تكون لديهم المقدرة على مشاهدة التلفاز! لقد ترك البث الرقمي أثراً عميقا في أنماط المشاهدة والثقافة الشعبية وهوية المشاهدين. فهذا النوع من البث يمتاز بألوف الخدمات الجديدة التي يمكن تقديمها للمشاهدين والمستمعين، وبدلا من تحويل الصورة والصوت إلى موجات، فإن التكنولوجيا الجديدة تحولها إلى سلسلة من الأرقام التي يمكن نقلها عبر الهواء ثم استقبالها بواسطة الهوائي الخاص بالتلفزيون أو الراديو. ويتميز البث الرقمي بأنه أكثر كفاءة من الاتصال التناظري، الأمر الذي يجعله قادرا على توفير مساحة لعدد هائل من القنوات في حين أن الأخير لا يمنحك سوى عددا محدودا للغاية. والبث الرقمي يوفر لك صورة أكثر وضوحا، وصوتا أكثر نقاءً وجودة، بالإضافة إلى المزيد من الخيارات والأسلوب السينمائي، والحقبة الجديدة تمنح المشاهد قدرا أكبر من التفاعل مع قنوات البث بالإضافة إلى فرص التسوق، وحجز الرحلات، والمعاملات المصرفية، والاشتراك في الألعاب، وكل ذلك بواسطة التحكم عن بعد. لقد أضحى التلفزيون جزءاً لا يتجزأ من حياة الإنسان، فهو يُستخدم للتسلية ونقل المعلومات. وبفضله تحول العالم إلى قرية مرئية. لقد مرَّ تطور التلفزيون بمراحل تكنولوجية مختلفة: ميكانيكية وإلكترونية وصولاً إلى التلفزيون الملوَّن. وتعددت أنظمة التلفزيون الملوَّن فكانت هناك أنظمة إن تي إس سي وغير ذلك من الأنظمة المستحدثة. وتُعد ثورة التلفزيون الرقمي آخر ما توصل إليه العلم. هذه الثورة التي يمكن أن تصل بالتلفزيون إلى نظام موحد للبث والاستقبال، ولربما أوجدت لغة مشتركة بين التلفزيون والكمبيوتر ذاته. لقد تطورت عملية بث الخدمة العامة مع الزمن، ولكن ظهور التكنولوجيات الجديدة والخدمات الأفضل هو السبب الرئيسي وراء التغيرات في أنماط المشاهدة، حيث يستطيع المشاهد الآن متابعة العديد من الأشياء المختلفة في وقت واحد؛ وفكرة أي شخص عن الترفيه اليوم تختلف على الأرجح عن تلك التي يحملها شخص آخر.. وليس التلفزيون وحده الذي استفاد من التكنولوجيا الرقمية، فالبث الإذاعي يقدم حاليا للمستمع بنبرة مختلفة تماماً عما كان معهوداً من قبل، فجودة الصوت نقية نقاء الكريستال وخالية من أي تشويش، وأجهزة الراديو الرقمية الجديدة يراها المتابع على لوحة عرض تعرض الصور والبيانات والأرقام المرتبطة بالبرامج التي تستمع إليها. ويعتمد البث الرقمي على نظام العد الثنائي (1,0)، الذي يكون بث الإشارة الكهربائية فيه على شكل نبضات متعاقبة محمَّلة بالمعلومات. ويحتاج البث التلفزيوني الرقمي إلى آلية محددة تُعطي إمكانية تحريك الصورة على امتداد الشاشة. ويمكن تلخيص إيجابيات البث الرقمي في انخفاض التكاليف أثناء عمليات التصنيع الحصول على صورة أكثر نقاء و التخلص من الخيالات المتشكلة في أماكن الاستقبال الضعيفة، والناجمة عن طبيعة المكان الجغرافية. وإمكانية تخزين الصور المستقبلية والمساعدة على تطوير نظام بث تلفزيوني موحد للعالم كله. غير أنه من الواضح أن الأمر لن يقتصر على الإنجازات والمميزات التي أتاحها البث الرقمي، حيث تدل الخطوات التقنية المتسارعة التي يشهدها العالم بشكل مستمر على أننا على وشك استقبال تطور آخر نوعي من شأنه أن يحدث تغييرا جوهريا جديدا في العالم يتمثل في ثورة الإنترنت وتحولها إلى أداة تلفزيونية مهمة قد تغير الطريقة التي نتعامل بها مع التلفزيون، هذا ما تشير إليه مجلة (نيو ساينتست) العلمية في أحد أعدادها الأخيرة. ففيما تمر بنا سنوات الألفية الجديدة، أصبح إنسان اليوم أكثر اعتمادا على الكمبيوتر، ووجود صورة تلفزيونية رقمية يعد مكونا إضافيا في أجهزة الكمبيوتر الشخصية الخاصة بنا، فهي تعرض لنا ميزة جديدة تضاف إلى أجهزتنا، ولكنها أيضا تحدِّث التلفزيون بتحويله إلى كمبيوتر، حيث تحاول تكنولوجيا القرن الواحد وعشرين أن تجعل حياتنا أسهل بقدر الإمكان عن طريق جعل المشاهد يفعل كل شيء بلمسة زر على واجهة شاشة كبيرة كان يُطلق عليها اسم (تلفزيون). فتقديم الاتصالات والبرامج التلفزيونية من خلال شبكة الانترنت هو ما يحدث الآن حيث تنمو السرعة الفائقة للشبكة العنكبوتية، بشكل لا نهاية له، بل أن هناك مؤشرات قوية على الانترنت ستقفز عبر الكهرباء، وهو سيناريو آخر سيؤثر في كل المحيط الذي نعمل فيه أو من خلاله، بل سيغير طريقة حياتنا اليومية، وعلاقتنا بالتلفزيون والانترنت وحتى الأجهزة المحمولة للاتصال. تشير مجلة (نيو ساينتست) إلى أن هناك اهتماما متناميا بخدمة البث التلفزيوني عبر الهاتف المحمول والإنترنت، وهو الاهتمام الذي من شأنه أن يحدث طفرة هائلة في مجال البث التلفزيوني ويسحب البساط من تحت التطورات الرهيبة الحاصلة في مجال البث الرقمي، وما تتيح شاشات البلازما وإل سي دي. الاهتمام الجديد ينصب على تقنية تتيح نقل البث التلفزيوني من خلال الكمبيوترات المحمولة والهواتف. حيث تحمل هذه التقنية اسم الجديدة دي في بي-إتش ، وتعتمد على البث الرقمي الأرضي، وتأخذ طابعاً أوروبياً سيتنافس بحدة مع تقنية مشابهة لها مسماة دي إم بي في حلتها الأرضية والفضائية التي تم تطويرها وترويجها من شركات التقنيات الكورية الجنوبية القيادية مثل إل جي وسامسونج وبريميس. ومن جانبها ، أبرمت الشركات الأوروبية والأميركية مثل نوكيا وآنتيل وموتورولا وتكساس إنسترومينت وموديو - تحالفاً سمته (موبايل دي تي في) لنشر تقنية دي في بي-إتش في الأسواق الأوروبية والأميركية. كما أن هذه التقنية تبناها معهد الاتصالات الأوروبي منذ عام 2004، ولقت دعماً كبيراً من شركات كبرى أخرى مثل سيمينز وفيليبس وفودافون. وثمة رغبة واضحة من جانب الشركات بأوروبا وأميركا الشمالية في تشجيع تبني معيار مفتوح للبث التليفزيوني على الأجهزة النقالة؛ وذلك لاختراق الشبكات المحمولة التقليدية وخدمة الملايين من مستعملي الهاتف المحمول في وقت فوري وعن طريق الأقمار الصناعية. وبالطبع ، ينظر مشغلو الاتصالات إلى بث الفيديو الرقمي كمشروع مربح للغاية من شأنه طرح تشكيلة من الخدمات التفاعلية للمشترك لمشاهدة التليفزيون أيضاً بحسب المطلب . وفي الوقت الحاضر، هناك عشرات المشاريع خاصة بشبكات البث دي في بي-إتش في أستراليا والولاياتالمتحدة وفنلندا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا. ففي أوروبا على سبيل المثال انطلقت تقنية دي في بي-إتش بصورة تجارية ، تزامناً مع بداية المونديال بألمانيا في يونيو 2006 . أما إطلالتها في الولاياتالمتحدة فتأخرت حتى نهاية 2007 ،وغدت التقنية معروفة في البلاد العربية مؤخرا. الأمر المؤكد الآن هو أن العالم مقبل على ثورة تقنية جديدة قد تمهد الطريق إلى الاستغناء عن جهاز التلفزيون (الرقمي) الذي، لسخرية القدر، قد ينتهي زمنه قبل أن يبدأ في بلدان عديدة من العالم.