عندما ذهب الرئيس إلياس الهراوي إلى البرازيل عام 1997 وخاطب العالم بقوله «بإمكان 11 مليون لبناني في العالم أن يدافعوا عن بلدهم وقت الشدائد». كان يدرك مدى نفوذ وتأثير هذا اللوبي بتغيير السياسات العالمية في عواصم القرار لمصلحة لبنان.. لكنه لم يكمل الفكرة واكتفى بعد الأرقام وتضخيم الحجم دون أن يقترب من الفعل ويضع يده على الجرح.. والإحصاءات المنشورة تقول إن اللبنانيين في الخارج يقدر عددهم ما بين 12 إلى 15 مليونا يتركزون في بلدان أميركا الشمالية واللاتينية وإفريقيا وكندا والولاياتالمتحدة الأميركية وأوروبا.. وهي أرقام لا يستهان بها فهي في النهاية قوة بشرية واقتصادية وسياسية أيضاً. ما يعنينا في الموضوع ليس مسح الأماكن الجغرافية ومواقع الإنتشار وكيفية هجراتهم إنما ما هي قوة هذا اللوبي على المستوى السياسي مقارنة باللوبي اليهودي، وتحديداً في الولاياتالمتحدة الأميركية على سبيل المثال، وهل يملك اللوبي اللبناني الموجود في الولاياتالمتحدة الأميركية قدرات من شأنها التأثير في البيت الأبيض وأعضاء الكونغرس، وبما يخدم الوضع اللبناني كما هي الحال مع اللوبي اليهودي هناك؟ حتى لا نتوه بالأوهام ونسقط في مستنقع الكلام لا بد من توضيح عدد من النقاط.. لا أحد ينكر أو يتجاهل مدى قوة الجاليات اللبنانية في دول مثل الأرجنتين والبرازيل، على سبيل المثال، اللتين كانتا مقصداً للهجرة منذ عام 1860 وما يتمتعون به من نفوذ مالي واقتصادي وسياسي يؤهلهم لأن يحتلوا مواقع ومناصب مؤثرة في هرم السلطة أو في دورة الاقتصاد، ويبرزوا كأصحاب رأسمال حر وخاص وصلت شهرتهم إلى أنحاء المعمورة. لكن هذه الدول مازالت في عداد البلدان غير المؤثرة على صعيد تشكيل العلاقات الدولية ورسم مراكز الصراع، أو أنها لم تدخل بعد في منظومة القوى الكبرى في العالم من حيث أهمية الوجود في مجلس الأمن والمشاركة في مواقع الصراعات الدولية. وبمعنى أوضح، دول لم تخرج من محيطها الجغرافي بعد ولم يتعدَّ تأثيرها حدودها السياسية القائمة. تبقى أميركا هي الأساس والمقياس باعتبارها قلب العالم وذات النفوذ الأوسع والأقوى من ضمن الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وهذا لا يعني أن العواصم والبلدان الأخرى مهمشة لكنها ليست في ميزان واشنطن وباريس ولندن وبكين وموسكو. اليوم من يتحكم في لعبة الأمم في الصراع العربي - الإسرائيلي والصراعات القائمة في منطقة الشرق الأوسط هي الولاياتالمتحدة الأميركية، وبالتالي فإن ما يحدث داخلها وما يصدر عنها من قرارات يؤثر وبشكل مباشر في مجريات الأحداث في المنطقة، وباتت الإدارة الأميركية على مقربة وتماس مباشر مع معظم مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والنزاعات القائمة.. هي حاضرة وبقوة وهذا أمر مفروغ منه ولا يجادل به من يقرأ المعادلات السياسية وما يجري في العالم. من هنا، فإن الإطلالة على اللوبيات من البوابة الأميركية هي المقصود والعنوان من دون التقليل من أهمية الساحات الأخرى المنتشرة في قارات العالم الأربع. قوة اليهود بلغة الأرقام، اللوبي اليهودي في عموم الولاياتالمتحدة يصل إلى نحو 5 ملايين يهودي مقابل 3 ملايين لبناني يتوزعون على عدد من الولايات.. وفي ذلك دلالة على غلبة اليهود على اللبنانيين من حيث العدد. ومن حيث التأثير والنفوذ هناك من يضع اللوبي اليهودي على رأس القائمة يليه اللوبي اليوناني ثم اللوبي الأرمني على الصعيد الأميركي، فهؤلاء يتمتعون بقوى وبإمكانات تفوق الآخرين رغم أنهم يشكلون، أي اليهود، حوالي 3% من تعداد السكان لكنهم قوة سياسية قد لا تتناسب مع عددهم إنما هم أقوى من أي مجموعة عرقية أو ثقافية في أميركا.. ولا يوجد بلد غير الولاياتالمتحدة الأميركية يقوم فيه السياسيون ووسائل الإعلام بتأييد إسرائيل وسياستها بمثل هذا الحماس المفرط، لقد زودت الولاياتالمتحدة إسرائيل لسنين طويلة بالدعم الحاسم عسكرياً ودبلوماسياً، كما أفصح عن ذلك الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان. سيكون الاستطراد في هذا المجال مدعاة للاستعراض، وليس من المعقول إنكار حقيقة قوة هذا اللوبي وتأثيره في صنع القرار السياسي والتحكم فيه عبر هذه الجماعة وبما يخدم مصالح إسرائيل وتفوقها الدائم وعلى حساب مصالح العرب والفلسطينيين بشكل عام.. وليس غريباً أن تسمع من إيهود أولمرت رئيس وزراء إسرائيل «نحمد الله أن لدينا أيباك» أعظم مؤيد وصديق عندنا في العالم بأسره «وهي منظمة يهودية تعتبر القوة الضاربة للوبي اليهودي، لديها ميزانية سنوية تبلغ نحو 50 مليون دولار و100 ألف عضو منتشرين في عموم أنحاء الولاياتالمتحدة الأميركية، ومن أقوى جماعات الضغط على أعضاء الكونغرس وبما يحقق الدعم الأميركي الكامل لإسرائيل. اللوبي اللبناني المقارنة بين اللوبي اليهودي واللبناني ليست متكافئة لسبب بسيط هو أن اليهود ارتبط وجودهم بمشروع دولتهم في فلسطين، وباعتقاد ديني يمنحهم هذا الحق وباستغلال ما تعرضوا له في الحرب العالمية الأولى وغيرها من محارق و «إبادة» بهدف ابتزاز العالم وتكفيره عن معاداة السامية إلى ما هنالك من دعاوى أخرى ارتبطت وتوثقت بمصالح متبادلة بين رأس المال اليهودي والأميركي. في ميزان اللبنانيين، لم تكن لديهم قضية سياسية تستقطبهم بقدر ما كانوا يبحثون عن الاستقرار والعمل والانخراط في المجتمعات التي حلوا بها إلى أن نشبت الصراعات والنزاعات والحروب الأهلية، وما استتبعها من تداعيات خطيرة طالت الجسم اللبناني بأكمله منذ السبعينات وإلى اليوم. والصورة الحية تشير إلى أن اللوبي اللبناني قوي ومؤثر ووجوده الفاعل لم يتعد ال 40 سنة الماضية وهي فترة ليست بطويلة، إنما هناك من يبالغ بقوة هذا اللوبي وهناك من ينعته بالتشتت والتشرذم، وهناك من يعقد الآمال عليه وبالتغيير. المعلومات ذات الثقة تشير إلى ان الجالية اللبنانية تتمتع برخاء مادي يساعدها على تحويل نحو 11 مليار دولار سنوياً بحسب أرقام السفارة اللبنانية بواشنطن (الحياة 28-3-2005) ولديها نواب في مجلس الشيوخ ورجال أعمال متنفذون ومشاركات بجمع التبرعات لمرشحين للكونغرس أو البيت الأبيض إضافة إلى عملها بالضغط السياسي على الإدارة الحاكمة بتبني عدد من مشروعات القوانين ذات الصلة بالوضع اللبناني والسوري والعقوبات المؤدية إليها على النظام السوري. جيمس زغبي وهو أحد القادة المهمين في اللوبي اللبناني يشغل منصب مدير المركز العربي- الأميركي يعقد مقارنة بين اللوبي اللبناني والمعارضين الكوبيين في ولاية فلوريدا الذين دفعت تحركاتهم إلى فرض حظر أميركي اقتصادي وجوي على هافانا منذ عام 1968، ولم يتحقق هدفهم الفعلي بإسقاط نظام كاسترو ولم يساعد ملايين الكوبيين على تحسين ظروف معيشتهم في إشارة إلى ما يقوم به بعض أقطاب اللوبي اللبناني في أميركا من تحركات سياسية. واقع الأمر أن الجالية اللبنانية في أميركا لم تصل بعد إلى مرحلة اللوبي المنظم والفعال، على غرار ما هو موجود من لوبيات على الساحة الأميركية لعدة أسباب منها ما يتصل بالخلافات السياسية بين تلك المجموعات والانقسامات الدينية بينهم، ومنها ما يتصل بتشتت الانتماءات السياسية الموزعة بين الجمهوريين والديموقراطيين ومنها ما يتصل بضعف التنسيق والتعاون مع الجاليات العربية الأخرى. الأرقام المنشورة عن الناشطين اللبنانيين في الجمعيات الأهلية واللوبيات لم يتعد ال 15 ألف شخص (جريدة الأنوار اللبنانية 20-8-2001) وهو رقم متواضع قياساً للوبيات الأخرى. اللوبي اللبناني في أميركا يعكس في النهاية انقسامات المجتمع اللبناني بطوائفه وانتماءاته الدينية والسياسية وهو ما يعيق تحوله إلى لوبي متماسك وفعال، وطالما بقي الوجه اللبناني في الداخل يعاني من الصراعات المذهبية سيبقى هذا الجسم مشتتاً يدور حول نفسه ومناطقه الجغرافية التي تحول دون أن يلبس ثوباً موحداً كما هي حال سائر اللوبييات.