«إسرائيل هي الوطن القومي لليهود»، هي الجملة التي أججت المشاعر العاطفية في اسرائيل، لدى نطقها بلسان الرئيس الأميركي، جورج بوش، في خطابه في أنابوليس، واعتبروها التجديد الأكثر أهمية. فهي تتجاوب مع المطلب الذي ظهر فجأة لدى الاسرائيليين من الفلسطينيين، أن يعترفوا بإسرائيل كدولة يهودية. صحيح ان بوش تهرب من ذكر «دولة يهودية»، حتى لا يغضب الفلسطينيين والعرب، الذين كان قد صدمهم الطلب الاسرائيلي، انما اقترب من هذه الصيغة بما يرضي الاسرائيليين. وحكاية الدولة اليهودية طويلة، تعود الى سنين طويلة جدا قبل أنابوليس وقبل المسار السياسي المتجدد وحتى قبل قيام اسرائيل. وخلال السنوات الستين الماضية، دارت نقاشات بين اليهود أنفسهم حول السؤال: من هو اليهودي؟ ولم يحسم النقاش حتى الآن. ولذلك فقد بدا غريبا ومستهجنا أن يطرح موضوع الدولة اليهودية الآن، وبدا أغرب وأكثر استهجانا بطرحه على طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين. ولذلك فإن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس (أبو مازن)، صاح في وجه وزيرة الخارجية الاسرائيلية، تسيبي لفني، وهي تحاول أن تشرح له أهمية اعترافه بيهودية اسرائيل: «أطلقوا عليها ما شئتم من الأسماء، فهذه دولتكم. ولكن لماذا تريدون اعترافنا؟ لماذا تحرجوننا مع أهلنا الفلسطينيين سكان اسرائيل (يقصد فلسطينيي 48)». والصحيح ان موضوع الدولة اليهودية أصبح بشكل مفاجئ «موضوعا فلسطينيا»، لأن وزيرة الخارجية ورئيسة الوفد الاسرائيلي المفاوض، قامت بتصدير النقاش الداخلي في اسرائيل حول هذه المسألة، لتضعه أمام الوفد الفلسطيني كعقبة في طريق التقدم في اعداد وثيقة التفاهم التي على أساسها عقد أنابوليس. وتصرفها هذا لاقى معارضة شديدة من أوساط اسرائيلية عديدة، قال أقطابها: «يهودية الدولة هي أمر اسرائيلي يهودي داخلي، لا نحتاج فيه اعترافا من الفلسطينيين وليس من العدل أن نحشرهم في الزاوية لنطلب اعترافا كهذا منهم». وبدأت القصة قبل حوالي ست سنوات أي مع بداية المنتدى الديمقراطي في اسرائيل وهو اطار ايجابي يسعى لتحقيق المساواة الكاملة للمواطنين العرب يبحث في وضع دستور لاسرائيل واقترح أرباب هذا المنتدى وهم من قوى اليسار والليبراليين من مسألة تحديد هوية اسرائيل «كدولة يهودية ديمقراطية» في مشروع الدستور، لكي يكون ذلك أساسا لتحقيق المساواة. ولكن الشخصيات العربية من فلسطينيي 48، التي دعيت للمشاركة في هذه المناقشات وكانت ممثلة لبعض القوى السياسية والأكاديمية رفضت الفكرة وقالت ان تحديد «دولة يهودية» يفقد المواطنين العرب في اسرائيل (أي فلسطينيي 48)، حقهم في المواطنة وبالتالي يهدد وجودهم في وطنهم ولذلك فإنهم يرفضون على الاطلاق أن تسمى اسرائيل دولة يهودية حتى لما أضيفت اليها كلمة «يهودية ديمقراطية». في ذلك الوقت، توجهت صحيفة «هآرتس» العبرية الى الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، تطلب رأيه، فأجابها بأنه لا يمانع في تسمية اسرائيل دولة يهودية وقال: «عندما نقول دولتين للشعبين نقصد دولة للشعب الفلسطيني ودولة لليهود». لكن المقابلة، التي نشرت في حينه على صدر الصفحة الأولى من الصحيفة، لم تلفت النظر ولم تثر أي نقاش. لكن النقاش داخل فلسطينيي 48 استمر واتسع نطاقه واتخذت جميع الأحزاب الوطنية والجمعيات الأهلية موقفا سلبيا من الموضوع واعتبروا الأمر خطيرا على وجودهم ودعوا السلطة الفلسطينية الى الامتناع عن الموافقة على صيغة الدولة اليهودية. أما في الحكومة الاسرائيلية فقد اتخذوا موقفا تشتم منه رائحة المعاندة فكلما اعترض الفلسطينيون على هذه التسمية أكثر كانوا يتمسكون بها أكثر ووضعتها لفني كشرط للتقدم في المفاوضات فأسكتها أولمرت بالقول انه ليس بالضرورة أن يعترف الفلسطينيون في هذه المرحلة. ورأت لفني ان المواطنين العرب في اسرائيل هم فلسطينيون ولكن طموحاتهم القومية يتم التعبير عنها في الدولة الفلسطينية العتيدة، «فهذه دولة تعبر عن الطموحات القومية لكل الفلسطينيين في كل أماكن تواجدهم، بينما اسرائيل هي التعبير عن الطموح القومي لليهود في كل أماكن وجودهم». وزاد تصريح لفني الطين بلة، حيث ان القادة العرب رأوا فيه تهديدا بترحيلهم عن وطنهم. وهي بدورها لم تحاول توضيح موقفها، ولكنها عندما أعادت الكلام في الموضوع وهي في واشنطن، أسقطت كلمة العرب في اسرائيل من جملة «التعبير عن طموح الفلسطينيين» لكنها اصرت على ان اسرائيل من الناحية القومية هي التعبير عن الطموح القومي لليهود. وفسرت ذلك قائلة: «لا يوجد لليهود في العالم، بعد 2000 سنة من التشتت والضياع، إلا دولة واحدة هي اسرائيل. ورفض الاعتراف بها كدولة يهودية يعتبر أمرا مخيفا يعيد الى الذاكرة كيف حورب اليهود في التاريخ». وازاء الاصرار الاسرائيلي على هذا الاعتراف، والرفض الفلسطيني القاطع، أخذ الرئيس بوش على عاتقه اطلاق ذلك التصريح بأن اسرائيل وطن قومي لليهود، مثلما ستكون فلسطين وطنا قوميا للفلسطينيين.