«الحرب اللامنتهية» هي أصعب موقف ممكن أن يمر به شعب دولة معينة بغض النظر عن طبيعة الدولة السيادية. وإذا كان هناك تعريف للحرب اللامنتهية؛ والتي أقصدها هنا، فهي حالة «اللاحرب» وحالة «اللاستقرار». في مثل هذه الحالة لا يستطيع أي شعب العيش بطموحات تتعدى اليوم الواحد، كما يعيش أهل غزة الآن. وإذا كان صحيحاً أنه لا يوجد لدى الفلسطينيين وضع أسوأ مما هم فيه كما يردد قادة «حماس» تبريراً لتهورهم السياسي، وبالتالي لا فرق لديهم إن غزتهم إسرائيل أو قصفتهم بالطائرات، فإنني أعتقد أن «الحرب اللامنتهية» هي الوضع الأكثر سوءاً. تؤكد المتابعة الإعلامية لما يكتب في وسائل الإعلام العالمية والعربية بشكل خاص حول ما يحدث في غزة، أن القضية الفلسطينية لديها قدرة سياسية واجتماعية كبيرة في جمع مواقف بعض الدول والرأي العام العالمي، وهذا ما يحدث مع كل غزو إسرائيلي. كما أن هذه القضية لديها القدرة أيضاً على تقسيم تلك المواقف وتشتيتها كما يفعل بعض أصحاب الأقلام العربية المؤدلجة التي تتهم دولة الإمارات ومصر والسعودية بالوقوف ضد الفلسطينيين! النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي من أكثر القضايا السياسية المشحونة بالعاطفة السياسية التي يستغلها أصحاب الأجندات السياسية من أجل تحقيق نجاحات سياسية، وقد استثمرها نجاد وأردوغان. وهناك كتاب عرب معروفون بمواقفهم السياسية للمتاجرة بالقضية كما تفعل «حماس» من حين إلى آخر عندما تجد نفسها في مأزق. ربما يتمثل المأزق الحالي في أن إيران الآن تعيش وضعاً اقتصادياً صعباً لا يمكّنها من دفع الأموال التي ترفع أسهم «حماس»، وتجعلها تستطيع دفع رواتب موظفي قطاع غزة الذين لم يستلموا رواتبهم منذ فترة. وانطلاقاً من العاطفة السياسية فإن كثيراً من المراقبين يترددون في تحليل الواقع الصحيح للوضع السياسي؛ لذا تجد مستغلي العاطفة يشحنون الرأي العام بمزاعم ضد كل من يحاول التعامل مع الموقف بواقعية ومنطقية، والحملة ضد الإمارات لا تخرج عن هذا السياق. هناك اختلاف بين تحقيق الأمل النهائي للشعب الفلسطيني، وهو وجود دولة له من خلال العمل السياسي، وبين طموحات قادة «حماس» الذين يسعون فقط لتحقيق «أهداف مرحلية»؛ لأنهم يعملون لأجندات سياسية ذات طابع ديني، إذ إن «حماس» حركة لا تؤمن بحدود الدولة الفلسطينية؛ انطلاقاً من مبادئ جماعة «الإخوان المسلمين»، لأن شعارهم «الجماعة أولاً» حتى لو دمرت غزة وأهلها. والمشكلة أن «حماس» تصوّر مسألة وقف إطلاق النار مع إسرائيل وكأنه هدف نهائي، مع أنها تدرك أن القصف سيعود مرة ثانية وربما خلال ساعات إذا لم تتحقق أهدافها الحقيقية وأهداف من يدعمونها. بعض الكتاب تستهويهم مسألة التلاعب بمشاعر الشعب العربي مع أنهم يدركون أن القضية الفلسطينية منذ بدأت في عام 1948 كانت وسيلة لتحقيق أهداف سياسية للحركات السياسية، و«حماس» ليست استثناءً. الكل يعرف الهدف النهائي ل«حماس» وهو القضاء على إسرائيل، لكن من حيث الواقع: هل تملك «حماس» القدرة على ذلك؟ لذا على أصحاب الأقلام المؤدلجة أن يتنبهوا إلى طموحات شعب غزة وليس لأجندات «حماس» التي تخدم دولاً إقليمية. معروف أن مصر باستطاعتها التأثير على إسرائيل، و«حماس» تعلم ذلك. لكن على قادة «حماس» تحمل مسؤولية إحراج الدول لمصلحة أهداف لا تخدم الفلسطينيين. لقد وقع داعمو «حماس» في مأزق سياسي، وهم يحاولون إشعال الفوضى للخروج من ذلك المأزق. والتخوف هنا أن تنتهي الحرب الحالية بما توصلت إليه إسرائيل مع «حزب الله» اللبناني بعد حرب «صيف 2006»؛ أو أن يتكرر سيناريو عام 1982 مع القيادات الفلسطينية في لبنان. في الأولى تم وقف القصف الإسرائيلي ويومها دمر لبنان بالكامل، لكن قادة «حزب الله» رأوا ذلك انتصاراً! وفي الثانية تم تشتيت قادة حركة «فتح». أعتقد أن السيناريو الأول سيتحقق، فالتدمير واضح، وإسرائيل مصرة على استمرار القصف، وبالتالي فإن «صيف 2014» على «حماس» قادم. هناك أكثر من احتمال للتصرفات الصبيانية لقادة «حماس». أولها، سقوط جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر، حيث كان نظام مرسي النظام الأكثر دعماً لها. الاحتمال الثاني، هو أن الداعمين لحركة «حماس» مثل قطر وتركيا وجدوا أنفسهم أيضاً في المأزق السياسي نفسه، ووجدوا أنهم دول لم تعد لها مساحة سياسية حقيقية تتحرك فيها، وبالتالي قد يكون تحريك الموضوع من هذا الجانب أفضل، ولا شك في أن رفض «حماس» لمبادرة مصر في البداية كان بتوجيهات تركية- قطرية. الاحتمال الثالث؛ هو أن إيران، وهي أحد الداعمين لحركة «حماس» وأبرز مزوديها بالصواريخ، تعيش وضعاً اقتصادياً وسياسياً متأزماً؛ في الداخل وفي الإقليم، وبالتالي لا تستطيع دفع الأموال ل« حماس» لشراء الولاءات. ينبغي أن نكون منطقيين في التعامل مع من يشعل الحرب من أجل أهداف سياسية لا علاقة لها بالقضية، وذلك بهدف إحراج الدول الأخرى تحت مسمى المقاومة. موقف الرأي العام العالمي من القصف الإسرائيلي طبيعي؛ لأن الصور مؤلمة؛ لكن لا أحد في العالم مع «حماس». على قادة «حماس» أن يدركوا أن الأسلوب الذي تتبعه لا يخدم القضية الفلسطينية ولا الفلسطينيين مع عدو لا يضع للعالم أي اعتبار. هذا الكلام ليس جديداً، فهو ما عهدناه منذ الستينيات. الأسلوب لم يتغير. إنهاء «حماس» كحركة سياسية وعسكرية بالنسبة لإسرائيل أعتقد أسهل مما يتوقعه البعض؛ لأن هناك في فلسطين ومن قادة «حماس» أنفسهم من يرفض منهجها في العمل السياسي. وبالتالي فالمسألة لا تحتاج إلى حرب بهذا الحجم، وكل ما يحدث الآن هو مجرد رسالة إسرائيلية إلى من تقوم «حماس» بالحرب نيابة عنهم. نقلا عن صحيفة الاتحاد