تحت عنوان "كيف تنظر واشنطن والعالم للشرق الاوسط الجديد؟" كتب الدبلوماسى الامريكى المخضرم " دينيس روس Dennis Ross" مقالا فى صحيفة "بولتيكو Politico" .. و قد استهل مقاله باعلان ان سياسات ادارة اوباما التى تنتهجها " خاطئة " بشان المنطقة الأكثر تقلبا في العالم. روس يعترف بفشل جهود الادارة الامريكية و يقول " روس " ان جهود وزير الخارجية "جون كيري" لإقرار وقف اطلاق النار في الصراع الحالي في غزة قد لا تنجح فى انهائه، لكنها ولدت الكثير من التعليقات ، حيث مزقت الصحافة الإسرائيلية " كيرى ، وحتى في صحيفة "هآرتس" اليسارية، والتي عنونت مقالا لاذعا على المساعي الدبلوماسية له قائلة 'ما الذي كان يفكر فيه؟' ولأسباب مفهومة، سعى الوزير لم يوقف عمليات القتل ، مما انعكس ليس فقط على دفع الجهود الإنسانية ولكن أيضا على تعليمات الرئيس أوباما، والتي تقتضي منه 'الضغط من أجل وقف فوري للأعمال العدائية القائمة وعلى العودة الى اتفاق وقف اطلاق النار فى نوفمبر 2012 بين اسرائيل وحماس.' منطقيا ، ربما فشلت توجيهات الرئيس لعدم اخذها في الاعتبار العديد من الحقائق الجديدة. أولا، ان اتفاق 2012 لم يفعل شيئا لمنع حماس من بناء شبكة معقدة من الأنفاق لإطلاق الصواريخ والتسلل الى اسرائيل ، و بالطبع لن تعيش اسرائيل ليست مع هذه الأنفاق التي تخترق البلاد وتشكل على حد تعبير أحد الاسرائيليين ' بندقية موجهة لرؤوسنا '. ثانيا، مصر مختلفة اليوم، في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، فأنها تعتبر حماس تهديدا بدلا من كونها حليف محتمل. . كما انه ليس لديها مصلحة في إنقاذ حماس أو السماح لها بالاستفادة من الصراع الحالي. ثالثا، السعوديون، الإماراتيون والأردنيون يرون الإخوان ، و هى الحركة الاسلامية التي خرجت منها حركة حماس، بمثابة تهديد مثل ايران. و مصر وهى من الدول العربية المعتدلة ايضا تريد أن ترى خسارة حماس وعدم تحقيقها الفوز . لماذا أطلقت حماس هذه الجولة من القتال؟ بعد ان اوضح روس اسباب فشل وزير الخارجية الامريكى فى مهمته ، انطلق فى الجزء الثانى من المقال لتوضيح اسباب اندلاع هذه الجولة من القتال ، راميا حماس بانها السبب وراء تجدد القتال .. قائلا : ان الحقائق الجديدة أيضا تساعد على تفسير - لماذا أطلقت حماس هذه الجولة من القتال و هى معزولة و في حالة يائسة ماليا؟. بعد ان قطعت مصر عليها منافذ أنفاق التهريب من سيناء إلى قطاع غزة، والتي تمثل معظم عائدات حماس. كذلك فان المصدر الرئيسي الآخر لحركة حماس من التمويل الايرانى ، وقد جف ايضا نتيجة اختلاف المواقف بالنسبة للصراع السوري وأولويات إيران الأخرى. ومن المتوقع أن اتفاق المصالحة بين حماس والسلطة الفلسطينية كان من شأنه أن يؤدي إلى تولى السلطة الفلسطينية الالتزامات المالية المنوطة على حركة حماس. لكن السلطة الفلسطينية لم تفعل ذلك، وحماس لا يمكن لها أن تدفع الرواتب. اذن لم يصبح لدي حماس ما تخسره، فاطلقت هذه الجولة من القتال، على أمل أنه من خلال كونها نقطة محورية في المقاومة، والفوز بالتعاطف بسبب سقوط الكثير ضحايا من المدنيين الفلسطينيين ، مع احداث على الأقل بعض الخسائر لإسرائيل، يمكن أن تعاود الظهور كلاعب يجب أن يتم التعامل و التراضى معه. و يصف روس الاستراتيجية التى انتهجتها حماس بانها "ساخرة" معللا ذلك بان هذه الاستراتيجية كحد أدنى، تتطلب أن تحقق حماس شيئا من الصراع، بينما ليس لديها أنصار سوى تركياوقطر فقط . ولكن الشرق الأوسط الان يختلف عما كان عليه في عام 2012، عندما كانت يحكم مصر الاخوان المسلمين ، والإسلاميين يبدو أنهم يسيرون في جميع أنحاء المنطقة. اليوم، كذلك فان إسرائيل، مصر، المملكة العربية السعودية، والإمارات والأردن يشتركون في هدف إضعاف حماس. بل ان السلطة الفلسطينية تشاركهم هذا الهدف، ولكن مع زيادة عدد الضحايا الفلسطينيين في غزة، زعيمها محمود عباس، وجد نفسه في موقف لا يحسدو عليه: فهو أيضا يائس و يرغب فى وقف القتال ولكن لا يستطيع تحمل كلفه الانتصار الرمزى لحماس . دور مصر .. هو الاهم لانهاء القتال فى غزة لا شك، لقد ادركت إدارة أوباما ما كان يحدث لموقف عباس وشهدت التوترات المتزايدة في الضفة الغربية وعدد القتلى المدنيين الرهيب في غزة، تمنت الادارة ان كل هذا قد يؤدى الى جلب الصراع إلى نهايته. لكن ومع رفض حماس الاقتراح الأول بوقف إطلاق النار من جانب مصر، كانت رد فعل مصر سلبي إلى حد كبير، ويبدو أن فريق أوباما اعتقد أن تركياوقطر قد تكونان قادرتين على استخدام نفوذ كل منهما مع حماس للتوصل لوقف لاطلاق النار. هنا ومرة أخرى، نرى ان الحقائق الجديدة مربكة مع مثل هذا النهج. فكلا من تركياوقطر يتقاسمان نفس الهدف مع حماس ، الا وهو جنى مكاسب -وهو ما يعني أنتهاء القتال - و ذلك برفع الحصار عن غزة واعتماد أية ضمانات على دخول المواد و المنتجات للقطاع و الذى من شأنه أن يمنح حماس القدرة على إعادة البنية التحتية العسكرية من الصواريخ والأنفاق . و المشكلة ليست فى مجرد أن إسرائيل لا يمكنها أن تقبل هذه النتيجة. بل ان المصريين، السعوديين أو حلفائهم الإقليميين لن يقبل بهذا .. والحق يقال، فإن موقف مصر هو الذى يهم فهى التى تسيطر على معبر رفح، على المدخل الجنوبي لقطاع غزة، و هو مغلق . اليوم، وللسخرية القدر ، فان نقاط العبور الى غزة هى نفاط العبور الاسرائيلية فقط . لذلك عندما ينتهي هذا الصراع، سيكون لمصر تأثير كبير على ما والذي يمكن دخوله وخروجه من و الى غزة. وهذا يعطي مصر النفوذ. وعلاقتها مع إسرائيل هامة، فى الوقت الذى تثق فيه اسرائيل بأن مصلحة مصر تشترك مع مصلحتها في عدم السماح لحماس بإعادة قدراتها العسكرية ، و هذا يعني أن مصر يمكن أن تؤثر على موقف إسرائيل. و لكن في نهاية المطاف، يمكن أن يؤثر أيضا على مصر لأن حماس، وكحد أدنى، تحتاج رفح أن تكون مفتوحة في نهاية الصراع، وحتى إذا كانت مصر، كما هو الأرجح، سوف تصر على أن تكون السلطة الفلسطينية هى المتمركزة في معبر رفح. و مع التأكد من ذلك، فمن الممكن انهاء الصراع وقد ترضخ مصر أيضا للسماح لقطر بدفع رواتب حماس والسماح بتمرير هذه الأموال عبر معبر رفح. ولكن نهج مصر تجاه حماس، و فيه ترى أنها تسهم في التهديدات التي تواجهها في سيناء، سيجعل من هذا هدف يجب تحقيقه من أي وقف لإطلاق النار يمكن التوصل اليه مع وجودها كوسيط. و فى ختام مقاله ، يقول " دينس روس " موجها كلامه الى الادارة الامريكية قائلا : من هذه النقطة ، يمكن ان ينتهى الصراع ، من خلال نتائج التفاوض التي علينا أن نركز فيها على دور مصر وليس تركيا أو قطر. أو أنه قد ينتهي اذا ما نجحت إسرائيل فى تدمير الأنفاق ، وترى حماس أن ترسانتها من الصواريخ اصبحت منخفضة للغاية، وأن الاسعار داخل غزة اصبحت مرتفعة للغاية. و يرى دينيس روس ان جهود "كيري"، وبحسب تصوره اعتمدت على عنصر واحد لوقف اطلاق النار ، لكن حقيقة ان إسرائيل يمكن أن تنتهي من تدمير الأنفاق ، فهو عنصر اخر لم يعمل عليه " كيرى" حتى الآن، ولكن إذا عملت عليه الولاياتالمتحدة فيجب ان يكون حصرا من خلال المصريين، و حينئذا يمكن ان يتحقق هذا . و هناك نقطة أكبر يجب على إدارة أوباما أن تنظر اليها أيضا. و هى انها فى حاجة الى قراءة المشهد الاستراتيجي الجديد في المنطقة، وتتصرف على هذا النحو. وهذا المشهد الواسع يجب أن يشكل حساب التفاضل والتكامل لدي الولاياتالمتحدة ، عندما تقترب من اجابة الأسئلة ألاكبر حول السلام الفلسطينى الاسرائيلى ، و سوريا والعراق وإيران . و تحتاج الإدارة في ما تبقى من العامين ونصف العام من الاقتراب من منطقة الشرق الأوسط مع و جود هدف أوسع و اشمل ، و ان تعى ان دعم سياسات " اليوم بيومه " يبعدها عن تحقيق من هذا الهدف و هو : كيفية ضمان أن أصدقاء الولاياتالمتحدة في المنطقة يصبحون في يناير 2017، اقوى ، وخصومهم (وخصومنا ) أضعف؟ وفي نهاية المطاف، فإن الرئيس "أوباما" والوزير "كيري" يجب ان يكونا من الحكمة بان يقتربا اكثر من النزاع الحالي، ونهايته، مع الوضع فى الاعتبار الهدف الاكبر و الاشمل . دينيس روس : مستشار و دبلوماسى امريكى مخضرم ،زميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وأستاذ في الممارسة الدبلوماسية بجامعة جورج تاون. خدم كمساعد خاص للرئيس باراك أوباما فى الفترة من 2009 الى 2011 .