مرت ثلاث سنوات على ذكرى ميلاد "جوبا" أحدث دولة منشقة فى العالم, ورغم السعادة التى ملأت سكان الدولة الوليدة والآمال فى مستقبل أفضل مع إعلان الانفصال فى التاسع من يوليو 2011, تبددت الأحلام وأصبح الواقع أكثر ألما, فالأزمات المستمرة جعلتهم يعانون بشكل يومى وعرقلت مسيرة النمو. الملصقات التي تنتشر في شوارع العاصمة تقول "شعب واحد، امة واحدة" لم تعد تخدع احد فقد اصبحت البلاد منذ نحو سبعة اشهر اكثر تمزقا من اي وقت مضى. فالنزاع الذي اندلع في 15 كانون الاول/ديسمبر 2013 بسبب الصراع على السلطة بين الرئيس سلفا كير ونائبه السابق رياك مشار احدث انقسامات عميقة بين العديد من قبائل الجنوب وخاصة بين قبائل الدينكا التي ينتمي اليها الرئيس كير وقبائل النوير التي ينتمي اليها منافسه تجلت في سلسلة طويلة من التجاوزات والمذابح التي كان المدنيون اولى ضحاياها. ومع انتهاء مهمتها في رئاسة بعثة الاممالمتحدة شنت ممثلة الاممالمتحدة في جنوب السودان هيلدا جونسون هجوما قاسيا على زعماء الفريقين الذين يهتمون فقط ب"تحقيق مصالحهم الخاصة" وينخرهم "سرطان الفساد" ويعيدون البلد الغني بالنفط "عقودا الى الوراء" ليصبح على حافة كارثة انسانية. وقالت "لم يسبق ان شاهدنا مثل هذه المجازر والفظاعات بين ابناء جنوب السودان انفسهم".مضيفة ان البلاد قد تواجه اسوأ مجاعة في تاريخها ولن يكون سببها عدم هطول الامطار وبعد ان اوقعت عشرات الالاف من القتلى وارغمت نحو 1,5 مليون شخص (اكثر من 10% من السكان) على ترك ديارهم ومحت بلدات باكملها من على الخريطة باتت الحرب تهدد بمصيبة جديدة: المجاعة. من جانبها حذرت الاممالمتحدة من ان "الازمة الانسانية تفلت الان من اي سيطرة مع تفشي سوء التغذية والامراض واضطرار المزيد من السكان الى الفرار من ديارهم". في المناطق الاكثر تضررا وهي ولايات الوحدة (شمال) واعالي النيل (شمال شرق) وجونقلي (شرق) فقد الرعاة ماشيتهم والمزارعون محاصيلهم في حين لم يتبق وقت طويل قبل انتهاء موسم الزرع. معوقات اقتصادية رغم توفر النفط.. تعانى جنوب السودان من كارثة اقتصادية. ويعيش غالبية المواطنين الجنوبيين فى فقر مدقع. نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة ونقص المياه وارتفاع معدلات البطالة والأمية، والتى تجاوزت نسبة ال80%، خاصة بين النساء واعتماد الجنوب على الاستيراد من الخارج. الجوع يدفع الكثير من المدنيين الى اللجوء لقواعد الاممالمتحدة حيث يحتمي نحو مائة الف شخص من الرعب منذ كانون الاول/ديسمبر الماضي. في بنتيو، العاصمة المدمرة والمهجورة لولاية الوحدة النفطية، بات معسكر الاممالمتحدة ياوي 40 الف شخص "ويوشك ان يصبح سريعا من اكبر الكوارث الانسانية في هذا البلد" كما انذرت ايمي الانصاري مديرة منظمة كير غير الحكومية في جنوب السودان. وفي حين تعيش اعداد لا تحصى من أبناء جنوب السودان معاناة لا تحتمل تمخضت مفاوضات السلام التي تعقد في فنادق فخمة في اديس ابابا عن العديد من اتفاقات وقف اطلاق النار بل وعن تعهد بتشكيل حكومة وحدة وطنية. لكن كل هذه الوعود تبخرت في الهواء والادهى ان الفريقين يقاطعان منذ ايام هذه المباحثات. توتر العلاقة مع السودان منذ انفصال الجنوب والعلاقات مع دولة السودان على صفيح ساخن, خاصة مع قرار دولة الجنوب فى يناير 2012 وقف إنتاج النفط بسبب خلاف بين حكومتى جوبا والخرطوم حول تحديد رسوم عبور النفط الجنوبى عبر موانى السودان. والتى كادت أن تؤدى إلى حرب بينهما. ولكن سرعان ما تم احتواء الأزمة بضغط دولي. وتبقى مشكلة "أبيى وترسيم الحدود" وقودا للصراع بين دولتى الجوار, رغم توقيع برتوكول فى 27 سبتمبر من العام الماضى شمل تسع اتفاقيات تناولت عدة ملفات من أبرزها اتفاق أمنى بين الدولتين يمنع دعم وإيواء المتمردين، وإنشاء منطقة عازلة بين حدود البلدين بعرض 10 كيلومترات فى كل بلد، إضافة إلى اتفاق نفطى حدد رسوم عبور ومعالجة النفط الجنوبى فى المنشآت السودانية. صراع قبلي ولم تسلم الدولة الوليدة من ظاهرة القبلية وهو صراع تاريخى بين قبيلتى "الدينكا والنوير" أكبر قبيلتين فى الجنوب. ودفع النزاع الدائر بين سلفاكير ومشار السكان للنزوح من ديارهم، أى أكثر من مليون ونصف المليون جنوب سوداني، بالإضافة إلى مقتل الآلاف، فى حين زاد النزاع من تفاقم الخلافات بين مختلف قبائل البلاد. ورغم تعثر المفاوضات يحاول الاتحاد الإفريقى والمجتمع الدولي، عبر وساطة منظمة الوحدة الأفريقية (إيجاد)، وضع نهاية للأزمة الإنسانية فى البلاد الناجمة عن الحرب. وحددت المنظمة مهلة 60 يوما لطرفى النزاع فى جنوب السودان لوقف إطلاق النار والأعمال العدائية، تنتهى فى العاشر من أغسطس المقبل.