نشرت مجلة بولتيكو الامريكية مقال للكاتب والمحلل "إليوت أبرامز" وكان يشغل منصب نائب مستشار الأمن القومي في إدارة جورج دبليو بوش، يصب فيه جام غضبه على الرئيس الامريكى باراك اوباما وسياسات ادارته، ويلقى اللوم عليها فيما وصل إليه حال الشرق الاوسط ودوله فى الوقت الحالى، ويعتبره الرجل المسئول عن انفراط عقد و استقرار المنطقة . فى البداية يتحدث الكاتب عن تونس " كنموذج ايجابى " للربيع العربى ويعتبرها نقطة مضيئة وسط الانقاض والدخان الاسود الذى يغطى منطقة الشرق الأوسط، ويعتبرها قصة نجاح واحدة مشجعة، ولكن للأسف لم يفعل "اوباما " لها ما يجب القيام به بدوره لمساعدتها خلال تحولها نحو الديمقراطية. لقد ورث " اوباما" الشرق الأوسط في عام 2009 وكان إلى حد كبير تشوبه اجواء السلام، وكانت زيادة القوات في العراق قد ادت لخنق الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة، كما كانت علاقات الولاياتالمتحدة مع حلفائها التقليديين في الخليج والأردن وإسرائيل ومصر جيدة جدا، اما اليوم فقد انتشر الإرهاب في سورياوالعراق واصبح الأردن في خطر، وسط خسائر بشرية مذهلة، والنمو السريع للجماعات الإرهابية والعلاقات المتوترة بين الولاياتالمتحدة وحلفائها بالمنطقة . كيف حدث ذلك؟ البداية كانت مع الغطرسة حينما قال الرئيس الجديد للعالم، في خطابه بالقاهرة في يونيو عام 2009، أن لديه خبرة خاصة في فهم العالم الإسلامى ككل، قائلا "ان المعرفة متجذرة في تجربتي الخاصة، لأنى قد عرفت الإسلام في ثلاث قارات قبل القدوم إلى المنطقة"، ولكن يبدو ان الرئيس أوباما كان يتحدث في ذلك اليوم عن مكان وهمي يدعى " العالم الإسلامى". لقد قال أوباما لمستمعيه "لقد قضيت عدة سنوات في إندونيسيا واستمعت إلى الآذان فى ساعات الفجر وقبل الغسق" بالطبع انها لفتة جميلة، ولكن كان الحكام العرب أكثر اهتماما بمعرفة ما إذا كان الرجل قد سمع صوت إطلاق النار يقترب، وهل رأى الخطر المتزايد لتنظيم القاعدة من المغرب العربي إلى شبه الجزيرة العربية، وهل فهم طموحات آيات الله و تحركات إيران الأوثق والأقرب إلى القنبلة النووية؟ . لقد بدا أوباما وكأنه يتفق مع الرأي القائل بإنه لا توجد هناك أي مشكلة في الشرق الأوسط أكثر مركزية من الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، والآن وبعد خمس سنوات نجد ايضا انه قد فقد ثقة كلا الزعيمين الإسرائيلي والفلسطيني، وشاهد وزير خارجيته وهو يبدد جهود مضنية في السعي للسلام شامل، وصبغت العلاقات بالمرارة مع أقرب حليف لأمريكا في المنطقة، ولم يتحقق شيئ على الإطلاق في "عملية السلام". والنتيجة النهائية كانت في صيف عام 2014 مع مراقبة السلطة الفلسطينية وهى تتحول لعقد صفقة مع حماس لاجراء الانتخابات الجديدة، والتى باعتراف الجميع من غير المرجح عقدها، وان عقدت فإنها تضمن للمجموعة الإرهابية تقاسم السلطة والمشاركة فيها وفقا للاتفاق، وهذا لا يعد ابدا تقدما. وها هى مصر اكبر الدول العربية سكانا، حيث تمسك أوباما وقتا طويلا بالرئيس الأسبق حسني مبارك مع وصول الربيع العربي، وبعد ذلك مع الجيش ثم جماعة الإخوان والرئيس المعزول محمد مرسي، والآن هو مع الجيش مرة أخرى، والآن على الساحة السياسية المصرية، لا أحد يثق بالولاياتالمتحدة. ولكن هذه الأخطاء تعد طفيفة بالمقارنة مع تلك الموجودة على الساحة في العراقوسوريا، فقد قال أوباما إنه يجب على الأسد أن يرحل مع اندلاع الانتفاضة السلمية ضد الرئيس بشار الأسد التى سحقت بوحشية؛ عندما استخدم الأسد غاز السارين، وحينئذا قال أوباما " ان هذا لا يطاق وان الاسد قدعبر خطا أحمر"، ولكن وراء هذه الكلمات لم تكن هناك القوة الأمريكية، بل الخطب الرخيصة في الشرق الأوسط، وعلى الرغم من إلحاح جميع كبار مستشاريه في وكالة الاستخبارات المركزية ومن ثم الدفاع، وهيلارى كلينتون في وزارة الخارجية، وبترايوس في وكالة الاستخبارات المركزية، حتى ديمبسي في البنتاجون، واصر الرئيس على رفض تقديم مساعدة مجدية للمتمردين السوريين. لقد أعلن عن المساعدة في يونيو 2013 ثم مرة أخرى في يونيو 2014 ولكن هذا مثل جهد الحد الأدنى، و لم يتناسب مع وجود مقاتلي حزب الله وفيلق القدسالإيراني في سوريا، لقد كان العرب يرون مايحدث في سوريا على أنه حرب بالوكالة مع إيران، ولكن البيت الأبيض كانت لديه الرغبة لوضع كل تلك الحروب السيئة في الشرق الأوسط وراءه، حتى ان القوة الأميركية فى الشرق الأوسط أصبحت سرابا، فلم يعد يخش ان الاعداء وحلفاءنا اصبحوا لا يستطيعون الاعتماد علينا. والنتيجة كانت مأساوية ولا إنسانية 160 الف قتيل على الأقل في سوريا، وربما ثمانية ملايين من اللاجئين فى دول الجوار، أكثر من مليون لاجئ سوري في لبنان، وحوالي مليون من اللاجئين السوريين في الأردن وظهرالغاز السام مرة أخرى على الساحة العالمية كسلاح تستخدمه قوات الأسد التى استخدامت غاز الكلور بانتظام في "القنابل البرميل"، ولم يدفع الاسد وقواته أي ثمن على الإطلاق لهذه الهجمات التى تكررت على أهداف مدنية. إن كلا من المسؤولين الرئيسيين اللذين كانا يتعاملان مع ملف سوريا، المبعوث الرئاسى " فريد هوف " والسفير "روبرت فورد "، كلاهما قدم استقالته في اشمئزاز عندما لم يعدا قادرين على الدفاع عن سياسة "كف اليد" التى ينتهجها أوباما. والنتيجة من حيث الأمن كانت أسوأ ما يكون، وأصبح هناك أكبر تجمع من الجهاديين يمكن أن نشهده على الاطلاق فى أي وقت مضى، واعدادهم تزيد على 12 الف مقاتل ويزدادون بمرور الوقت، وهم وافدون من جميع أنحاء العالم ،فهناك الالاف من الجهاديين العرب ومابين 2 إلى 3 الاف من الاوربيين ويقدر أن هناك 70 جهاديا من الولاياتالمتحدة، ماذا سنفعل عندما يعود هؤلاء إلى ديارهم وكم الخطر الذى سيتسببون فى احداثه فى مواطنهم، عندما تولى أوباما منصبه لم تكن هناك مثل هذه الظاهرة؛ التى تم خلقها نتيجة سلبية الارادة والسياسات ازاء الوضع فى سوريا .