السفير الامريكى السابق دينيس روس و خبير شئون الشرق الاوسط ، كتب اليوم فى مجلة فورن بوليسى الامريكية مقال تحت عنوان " لقد حان الوقت لتحرك قانون في سوريا" . و استهل مقاله بالتاكيد على ان القيم والمصالح الأمريكية اصبحت على المحك الان و على واشنطن وقف التدمير البطيء في هذه البلاد.. مشيرا الى ان الصراع في سوريا يضع امام الولاياتالمتحدة تحديات رهيبة ، على راسها الكارثة الإنسانية التى تزداد سوءا يوما بعد يوم: فقد نزح مايقرب من ربع سكان سوريا خارج ديارهم ، وعدد القتلى يقترب من الثمانين الف قتيل و الاعداد في ارتفاع مستمر بلا هوادة. ويخاطب دينيس روس الامريكيون ، قائلا " ان المسالة ليست مجرد ضميرنا الذي يتأثر بهذه الحرب البشعة ، ولكن مصالح أميركا أيضا ، فالنزاع السوري من غير المرجح أن يبقى محصورا في سوريا". فهناك المزيد من اللاجئين الذين يواصلون الفرار إلى الدول المجاورة ، كذلك سوف تكتسب المجموعات المسلحة المزيد من القوة التى قد تهدد كل جيران سوريا مع تزايد عدم الاستقرار. فحتى لو لم يكن تنظيم القاعدة قد بدا يؤسس قواعده على انقاض ما يمكن أن ينشا بعد اهيار وفشل الدولة فى سوريا، فان تدفق اللاجئين يشكل بالفعل خطرا متزايدا على الأردن و لبنان والعراق. ووفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لقد طلب أكثر من 400 الف من السوريين الحصول على وضع اللاجئ في الأردن ولبنان، وهناك 100 الف اخرين فعلوا الشيء نفسه في العراق. وأيا من هذه الدول لا يمكنها بسهولة استيعاب هذه الأعداد خاصة لبنان والعراق، وقد يؤدى تدفق اللاجئين لعودة الصراعات الأهلية. اما تركيا فهى تواجه أقل مشكلة في هذا الصدد، ويمكن أيضا أن تكون أكثر قدرة على إدارة العدد المتزايد من اللاجئين ، لكنها تواجه أيضا صعوبات متزايدة فى إدارة مخيمات اللاجئين على أراضيها. وبالفعل كانت هناك أعمال شغب في المخيمات . والخطر على جيران سوريا لا يتمثل فقط فى مجرد تدفق اللاجئين ، انما اضا التفكك الوشيك للدولة السورية الذى يعني عدم وجود سيطرة مركزية على الأسلحة الكيميائية. وإذا لم يتم فعل شيء مسبقا للسيطرة على هذه الأسلحة - أو تدميرها - لن تكون سوريا فقط في خطر محدق وانما الدول المجاورة لها ايضا . و يقول روس فى مقاله ان الصراع السوري يمثل تحديات للقيم والمصالح الأمريكية.. مشيرا الى انه في التقاليد الأميركية للسياسة الخارجية، هناك مدرستين من الفكر: المثالية والواقعية. و وراء المثاليون دائما دوافع المخاوف الأخلاقية والإنسانية، ويرون ان مصالح الولاياتالمتحدة ترتبط بتهديد القيم الأميركية، وأنها تبرر تدخل الولاياتالمتحدة، بما في ذلك استخدام القوة، عندما يكون هناك غرض أخلاقي كالإبادة الجماعية في رواندا، حيث قتل ما لا يقل عن 500 الف شخص من الأقلية التوتسي ، و حينما لم تتدخل الولاياتالمتحدة ، مثل هذا آفة لا تغتفر على ضمير أميركا. اما الواقعيون، فيجادلون بأن الولاياتالمتحدة عليها ألا تتدخل إلا حينما تكون لديها مصالح حيوية معرضة للخطر. وهم ينظرون للتدخلات الإنسانية على أنها عملية مكلفة، والانغماس العاطفي يقوض الموارد مما يجعلها أقل قدرة على التدخل عندما تتطلب مصالح الولاياتالمتحدة فعلا.وينبغي على الولاياتالمتحدة الا تتدخل إلا حين تتعرض للتهديد مباشرة - أو عندما يكون حليفا استراتيجيا، ولتدفق أوسع من النفط، أو تكون مصداقية الولاياتالمتحدة في خطر. و خير مثال على هذا حرب الخليج ، لكن حرب الرئيس جورج دبليو بوش في العراق وتدخل الرئيس باراك أوباما في ليبيا لا يعدا مثالا على هذا. و يرى دينيس روس انه من النادر أن يجد المثاليين والواقعيين أرضية مشتركة بينهم . ولكن من المفارقات، ان الصراع الجاري في سوريا هو واحد من الامثلة التى يستوجب فيها التدخل من وجهه نظر المثاليين والواقعيين . فهناك واجب أخلاقي في محاولة لوقف الهجوم ضد السكان السوريين. وهناك أيضا واجبا قوي تجاه الامن القومي الاميركي لاحتواء الصراع في سوريا، وضمان أن الأسلحة الكيميائية لن تقع في أيدي تنظيم القاعدة، ومنع زعزعة الاستقرار فى المنطقة . و يرى روس صعوبة الموقف الامريكى ، فالولاياتالمتحدة خرجت مؤخرا من أكثر من عقد من الحرب ، وسوريا في حالة من الفوضى. والمعارضة ضد الرئيس بشار الأسد ليست متماسكة، و اكتسبت الآن الإسلاميين على ما يبدو اليد العليا في صفوف المعارضة ، وهناك خوف الأقليات في سوريا ما بعد الأسد ، الذي أجج من جانبه الصراع الطائفي في محاولة للحفاظ على نظامه. ان الطبيعة الصفرية للصراع تجعل من الصعب تاسيس العملية السياسية التي تضم عناصر من المعارضة جنبا إلى جنب مع أعضاء النظام الذين لم تلطخ ايديهم بالدماء.. والحماية الروسية والإيرانية المستمرة لنظام الأسد تقلل أيضا من احتمال اختيار الأسد للتنحى عن السلطة ، وطالما مازال على راس النظام ، فإنه من المستبعد جدا أن يكون هناك عملية سياسية لإدارة المرحلة الانتقالية. وفي حين أن العملية السياسية أمر مرغوب فيه مما لا شك فيه، فهى أكثر احتمالا لان التدخل العسكرى سيكون مكلف وسيعمق الانقسام الطائفي. ويختتم دينيس روس مقاله بالتاكيد على حقيقة أن الولاياتالمتحدة لديها مصلحة كبيرة في انهاء الصراع السوري ، لا يجعل أي من هذه المشاكل أسهل فى التعامل معه. ومع ذلك، قال أوباما أن استخدام الأسلحة الكيميائية - أو فقدان النظام السيطرة على هذه الأسلحة - سيكون تغيير فى قواعد اللعبة. ونظرا لاتجاه الصراع ، فإنه ليس من الصعب أن نرى أن عاجلا أو آجلا ان واشنطن فى طريقها لمواجهة مثل هذا الوضع.