تحل الذكرى ال 11 للغزو الأمريكي للعراق، فى وقت تتواصل أعمال العنف لتضيف المزيد من الأرقام إلى سجل الضحايا في مختلف المناطق، وتكرس إبتعاد العراق عن الحضور كرقم فى معادلات القوة سواء على المستوى العربى أو الدولي، خاصة مع تعميق الخنادق الطائفية التى تطيح بأى أمل فى العودة إلى عراق قوى موحد متعدد الأعراق والطوائف والقوميات. ويبدو أن الإدارة الأمريكية التى بشرت بتحويل العراق " الديكتاتوري" إلى نموذج يحتذى كونه واحة للديمقراطية، قد فشلت فشلا ذريعا بسبب محاولاتها إنتاج نظام لا يتوافق مع طبيعة الأرض التى يجب أن يعيش عليها، خاصة بعد أن أطاحت تلك الديمقراطية المزعومة بصيغة التعايش بين الطوائف " سنة وشيعة" والقوميات " عرب وكرد وتركمان" وعرقيات "صابئة وكلدان وأيزيديين وشبك، بعد أن كان العراق فسيفساء تتسع للجميع. وبعد 11 عاما من الصراع بين القوى العظمى الإقليمية والدولية، بات تتقاطع المصالح بين اللاعبين الرئيسيين أمريكا وإيران لا يقبل التوصل إلى توافقات تتيح للعملية السياسية أن تواصل التقدم حتى ولو بقدم عرجاء، فبقاء نوري المالكي رئيسا للوزراء لم يعد الصيغة الملائمة للتعاون الأمريكى - الايرانى بشأن الحفاظ على إستمرارية المعادلة الهشة لدولة لا يمكن إحتمال غيابها عن المعادلة الإقليمية كرقم يمكن الإعتماد عليه فى ترجيح كفة أو الإطاحة بالميزان بشكل كامل. وبدأ خلال المرحلة الأخيرة لحكم نورى المالكى أن الدعم الإيرانى القوى لنظامه يشجعه على مواصلة سياسته القهرية، وتجيير الحكم والثروة إلى مكون واحد من مكونات العراق، أي الشيعة، وإهمال المكونات الأخرى من سنة ومسيحيين وأكراد وتركمان، بما يتناقض تماما مع الوعود التي أطلقتها واشنطن ولا تزال تكررها عن إقامة حكم ديموقراطي صحيح في بلاد الرافدين. وفيما نجح المالكى نسبيا فى إقناع الإدارة الأمريكية بأن حملته العسكرية على المناطق السنية -خاصة على محافظة الأنبار- ما هى إلا محاولة لتقويض نفوذ التنظيمات المتشددة وعلى رأسها الدولة الإسلامية فى العراق والشام" داعش"، إلا أن إستمرار الإنتهاكات بحق المدنيين وسقوط مئات الضحايا بالإضافة إلى عمليات النزوح الجماعى بسبب المواجهات المسلحة والقصف العشوائى، أدى إلى كشف الغطاء عن أكذوبة قتال الإرهابيين ووضع الإدارة الأمريكية الداعمة للمالكى فى موقف لا تحسد عليه تجاه حلفاءها من السياسيين "السنة".