دعوة قيادة حلف شمال الأطلنطي لي، مع نخبة من الصحفيين المصريين، لزيارة مقره، في بروكسل، على مدى الأيام الثلاثة الماضية، لم تمنعني من نقد إدارته، وتوجيه العتاب الشديد لها، لتحملها ، في رأيي، جانبا من المسئولية، الأخلاقية، (على الأقل)، في الحرب المفروضة على مصر ضد الإرهاب، منذ ثورة 30 يونيو. السؤال: كيف؟! الإجابة: مسئولية حلف الناتو عن تهديد أمن مصر القومي تتلخص في: إطالة أمد حرب مصر ضد الإرهاب، وزيادة تكلفتها البشرية من الأرواح البريئة، التي تزهق كل يوم، فضلا عن مسئولية إدارة الحلف عن الفاتورة المادية الباهظة، ووقف الحال، على جميع الأصعدة: الإقتصادية والتجارية والسياحية والإستثمارية. السؤال: ماهي علاقة حلف الناتو بهذا الاتهام الخطير؟ العلاقة، في رأيي، تكمن فيما تسببت فيه قيادة حلف الناتو في إشاعة حالة الفوضى والخراب والإحتراب الأهلي في ليبيا، وذلك بعد أن ساعدت بشكل مباشر في إسقاط حاكم ليبيا، المعتوه، معمر القذافي، منذ نحو عامين، بدعوى تحريرها من الدكتاتورية، ومساعدة الأشقاء هناك في إقامة الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، ضمن ما سمي بثورات الربيع العربي. المشكلة كما تبدو الآن للجميع، تتلخص في أنه بعد سقوط الطاغية، القذافي، بدت مهمة الناتو في ليبيا، وكأنها قد انتهت، عند هذا الحد، ومن ثم تركت ساحة ليبيا الجغرافية والسكانية الواسعة مرتعا: للمرتزقة وللميليشيات المسلحة، ولمعسكرات التدريب الإرهابية والتكفيرية، ولمخازن الأسحة، التي يجري تهريب كل صنوفها القتالية، عبر الحدود المصرية - الليبية، ويستخدمها الإرهابيون، ليس فقط في قتل المواطنين المسيحيين المصريين، المغتربين في ليبيا، بل أيضا يجري إستخدام الأسلحة، نفسها، في قتل المواطنين المصريين، داخل الحدود المصرية، على أيدي الجماعات الإرهابية، المتشددة دينيا. الرسالة، التي أبلغتها إلى كل من التقيتهم في إدارة الناتو، تحذر من أن سلاح الإرهاب، الموجه إلى مصر، في الوقت الحالي، سوف يرتد مفعوله المدمر، بصورة أو أخرى، وبشكل مباشر أو غير مباشر، إلى شركائنا، عبر المتوسط، إما في الإتحاد الأوروبي، أو الأعضاء في حلف شمال الأطلنطي. أبلغتهم تصميمنا على المواجهة الشجاعة لتحديات الإرهاب، وإنهاء فوضى الشارع من الجماعات الإرهابية، المتشددة دينيا، فضلا عن التصميم على السير قدما نحو التحول الديمقراطي، وإستقرار الأمن والبناء الإقتصادي. أكدت، كذلك، إصرار المصريين على إنهاء خارطة المستقبل، بالكامل، بعد إقرار الدستور الديمقراطي، والإعداد لإجراء إنتخاب رئيس الجمهورية، ومن ثم إنتخاب البرلمان ديمقراطيا، تحت الإشراف الدولي، في كلتا الحالتين. وأتيحت الفرصة لنا للتعرف على أبعاد علاقة مصر بالحلف، في ضوء نظرة مصر إلى الحوار معه بإعتباره عملية سياسية تهدف إلى بناء الثقة بين الطرفين. وحسب ما فهمنا فإن الحوار السياسي مع الحلف ينقسم إلى صيغة ثنائية، وتعقد على مستوى الخبراء وكبار المسئولين، وصيغة جماعية، وتعقد على مستوى الخبراء والسفراء وكذلك الوزراء، وتضم إلى جانب أعضاء الحلف ال28، دول الحوار المتوسطي السبع، وهي: مصر والأردن وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا وإسرائيل، فضلا عن الإجتماعات الدورية لرؤساء الأركان (تعقد مرة كل عامين) وإجتماعات خبراء الإستخبارات. فهمنا - أيضا - أن مصر تسعى لتوسيع نطاق التعاون الثنائي مع الحلف دون المساس بمحددات موقفها، من خلال التركيز على الإستفادة من برامج الحلف، خاصة، برنامج العلم من أجل السلام، كما تولي مصر أهمية خاصة للتعاون في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، والكشف عن الألغام في الصحراء الغربية. يعد برنامج التعاون الثنائي للعامين 2014/2015، الذي سيتم إقراره خلال الأيام المقبلة، هو أحدث برنامج للتعاون بين الطرفين، وقام الجانب المصري تضمينه أهم المجالات التي تسعى مصر للتعاون بشأنها لتلبية إحتياجاتنا الراهنة ومنها على سبيل المثال: الحوار السياسي، مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، الهجمات الإلكترونية، منع الإنتشار ونزع السلاح وضبط التسلح، إدارة الأزمات والاستجابة للطوارئ المدنية، عمليات حفظ السلام، التعليم والتدريب، والتعاون في المجال العلمي. يسعى الحلف لحث مصر على إبداء المزيد من الإنفتاح من خلال تعزيز التعاون في شقه العلمي، وكذلك تنشيط المسار الجماعي، إلا أن موقف مصر إزاء الحلف يحكمه عددا من الثوابت، وهي: إتباع سياسة الإنفتاح المتدرج والمحسوب في علاقتنا الثنائية مع الحلف، وبحيث تكون لكل خطوة مردودها على مصالحنا القومية. عدم المشاركة في التدريبات العسكرية للحلف أو المشاركة للحلف أو المشاركة في عمليته العسكرية لحين تحسن الأوضاع الأمنية في الشرق الأوسط إرتباطا بالصراع العربي - الإسرائيلي. ربط تفعيل الحوار المتوسطي في شقه الجماعي بالتقدم في عملية السلام، مع رفض عقد إجتماع لوزراء الخارجية يشارك فيه وزير الخارجية الإسرائيلي الحالي لمواقفه المتشددة. نقلا عن جريدة الأهرام