كافة سكان العاصمة بغداد وزوارها يجمعون على امر واحد وهو ان هذه المدينة في طريقها للتحول الى مدينة صحراوية بعد ان كانت نموذجا يحتذى به في كافة دول العالم والمنطقة من حيث جماليتها والمناظر الخضراء التي تتمتع بها بحكم موقعها الجغرافي في منتصف منطقة السهل الرسوبي في بلاد الرافدين. الا انه وعلى مدى السنوات الاربع الماضية فان المساحات الخضراء والحدائق العامة والمتنزهات التي كانت منتشرة في عموم بغداد تحولت الى مكبات للنفايات ومخلفات انقاض البناء، فضلا عن عمليات قطع الاشجار والنخيل غير المدروسة التي تسببت بفقدان جزء كبير جدا من الحزام الاخضر الذي كانت تتمتع به المدينة والذي كان يحميها من العواصف الترابية التي تهب على مدار السنة. وفي ظل حالة التخبط والفوضى وعدم التخطيط الصحيح تقوم امانة بغداد بتنفيذ مشاريع عمرانية وأخرى خدمية الغاية منها هو تجميل العاصمة ومناطقها المختلفة، كاعادة الحياة لمتنزهات وحدائق اهملت لسنوات عديدة وتشجير الشوارع العامة الا ان عملية تنفيذ هذه المشاريع تصطدم بعقبات جمة في مقدمتها الوضع الامني المتردي لمعظم مناطق العاصمة وخصوصا الواقعة في الاطراف والتي كانت في السابق تعتبر الحزام الاخضر الذي يحيط بغداد بانواع مختلفة من النخيل والاشجار.كما ان الميزانية القليلة المخصصة لهذه المشاريع لا تتناسب مع حجمها الكبير. وبالرغم من الاعلان المتكرر لبعض المؤسسات الحكومية في المباشرة بحملة تشجير واسعة النطاق تشمل عموم البلاد مثل تلك الحملة التي اطلقتها وزارة البيئة لزرع اكثر من مليون شتلة الا ان المخاوف التي يبديها سكان العاصمة بتحول مدينتهم الى مدينة صحراوية بات امرا يقلق الجميع حتى دوائر الدولة الخدمية التي تفتقر لوضع خطط وبرامج عمل حقيقية لتنفيذ المشاريع والحملات الزراعية. امانة العاصمة تعزو هذا التردي الى جملة من الاسباب منها استهداف كوادرها العاملة في مختلف القطاعات الخدمية من قبل الجماعات المسلحة حيث تؤكد الاحصائية التي اعلنت عنها الامانة في وقت سابق بانها فقدت اكثر من 1000 عامل خلال السنوات الاربع الماضية. اضافة الى النقص الكبير في الآليات والمعدات اللازمة في عمليات التنظيف والتشجير وتقديم الخدمات الاخرى اضافة الى العمليات التخريبية التي تلحق بالساحات والتقاطعات والمتنزهات بسبب تصرفات القوات الاميركية وعمليات التفجير والمواجهات المسلحة التي تلحق اضرارا كبيرة في تلك المنشآت وغيرها من الامور والاسباب الاخرى الخارجة عن نطاق صلاحية الامانة. يقول مصدر مسؤول في الامانة ل«الشرق الاوسط» «ان الحلول التي تضعها الامانة لمواجهة مشكلة التصحر.. لن تحقق نتائجها.. ولا تفي بالغرض بسبب الظروف الحالية التي تمر بها البلاد، اضافة الى نقص المستلزمات الضرورية لنشاط وعمل دوائر الامانة». واضاف «لن نستطيع فعل شيء جدي الا بعد استتباب الوضع الامني.. وقتها يمكن القيام بحملة وطنية كبيرة للحد من حالة التصحر المخيفة التي تعصف بمناطق شاسعة من المدينة». يقول احد المشرفين على الساحات العامة في منطقة الرصافة ببغداد «ان جمالية ونظافة هذه الساحات يبعث البهجة والسرور في نفوس ناظريها ومرتاديها، ويخفف نوعا ما من حجم المعاناة اليومية الملقاة على عاتق المواطن، لذلك تجد الكثير من المارة دائما ما يفضلون الجلوس والاستلقاء على العشب الاخضر في هذه الساحات وهم بكامل اناقتهم». مشاتل وغابات خضراء كانت منتشرة عند اطراف ووسط مدينة بغداد كانت تعتبر من اجمل المناطق الخضراء لما تتمتع به من مناظر خلابة واجواء نقية تمتع كل من ينظر اليها ويشاهدها والبعض كان يطلق عليها تسمية جنات الارض، كغابات بغداد في منطقة التاجي والمشاتل الممتدة على طول خط المرور السريع تحولت الى اراض ترابية قاحلة وبعضها اصبح مقرات لقوات الجيش العراقي ومعسكرات للقوات الاميركية.المسطحات المائية والمسابح والنافورات هي الاخرى تعرضت للتخريب والجفاف بسبب نقص المياه وانقطاع التيار الكهربائي الضروري لعملية تشغيلها، فضلا عن عمليات السرقة التي طالتها وهو ما اثر ايضا على جمالية المدينة بعد ان كانت تلك المسطحات والنافورات تقلل من شدة الحر في موسم الصيف وتعتبر ملاذا للكثيرين الذين يخصصون جزءا من اوقاتهم لقضائها وسط الماء. وشكا مسؤول في امانة بغداد طلب عدم الكشف عن هويته، من قيام بعض الجهات والأحزاب السياسية بتملك والاستيلاء على أراض حكومية كانت مخصصة للزراعة وتحويلها الى مناطق سكنية من خلال توزيع سندات تلك الاراضي الى المقربين منهم وبنائها من دون اخذ الموافقات الرسمية لذلك وهو ما شوه من جمالية العاصمة واثر على تخطيطها العمراني. واشار الى ان الكثير من المشاتل العامة والحكومية وضفاف نهر دجلة الخضراء (الكورنيش) اهملت وتحولت الى ساحات لبيع وتفكيك السيارات وبعضها تحول الى معامل وأماكن مخصصة لتناول المشروبات الكحولية. وقال ان «اشخاصا قاموا بالاستيلاء على تلك المناطق بعد سقوط النظام السابق بالقوة أو من خلال تزوير اوراق عقود التأجير الخاصة بتلك المشاتل والأماكن او استحواذها حتى من دون اي عقد رسمي وهذه الحالات منتشرة في عموم مناطق العاصمة». الجزر الوسطية والساحات والحدائق العامة في المناطق السكنية تحولت هي الاخرى الى مكاتب لبيع مواد البناء وكراجات لوقوف وصيانة السيارات ومحلات صناعية وتجارية ومواقع لنصب المولدات الكهربائية العملاقة الخاصة بالأهالي ومكبات للنفايات والازبال ومسالخ لبيع اللحوم والمواشي وهو ما اثر وبشكل كبير على جمالية تلك المناطق وبالتالي على صحة ابنائها. ويتضح للبغداديين بشكل جلي عمليات الدمار والخراب التي لحقت بتلك المنشآت العامة والترفيهية نتيجة التجاوزات من قبل بعض الجهات، والاضرار التي خلفتها العمليات العسكرية على مدى السنوات الماضية، حيث تظهر علامات واثار ذلك على بعض المباني الحكومية والساحات والشوارع والحدائق والمتنزهات العامة.