أكدت دراسة علمية أشرف عليها الدكتور أحمد عكاشة أستاذ الطب النفسي بكلية طب عين شمس وأمين عام الجمعية العالمية للطب النفسي أن عدد المصريين المصابين بالاكتئاب في القاهرة وحدها تجاوز أربعة ملايين مكتئب.. مشيراً إلي أن هذا العدد في تزايد مستمر بسبب الزيادة السكانية الرهيبة والزحام والضوضاء والتلوث الذي جعل المصريين دائمي الشعور بالضغط والتوتر العصبي وهذه الأسباب تنطبق علي كل مدن مصر أما في المناطق الأخري فإن الأعباء الاقتصادية تلعب دوراً كبيراً. أما المفاجأة الأخري التي كشف عنها الطبيب النفسي الشهير فهي أن هناك عشرين مليوناً من المصريين أي ما يقرب من 30% من إجمالي عدد السكان يعانون من أعراض اكتئاب بدرجات متفاوتة. وأوضحت الدراسة التي أجرتها الجمعية النفسية أن الشباب دخلوا في الفئات التي أصبحت تصاب بهذا المرض.. فبعد أن كانت سن الإصابة تبدأ من 34 حتي 40 سنة انخفضت السن بشكل مخيف إلي الرابعة والعشرين.. وهي سن صغيرة جداً.. ليس هذا فحسب بل إن حالات الاكتئاب تكون أكثر حدة بين الشباب.. للدرجة التي تدفع الكثيرين منهم إلي الانتحار ورجحت الدراسة أن يكون سبب انتشار الأمراض النفسية بين الشباب إلي صعوبة الظروف الاقتصادية التي تواجههم.. كما أن كثيراً من طلاب المدارس يعانون الإهمال وضعف مستوي الرعاية الاجتماعية والنفسية.. مع تضاؤل فرص الحصول علي العمل.. وتراجع وتضاؤل دور الأسرة في حياة الفرد. ويري الخبراء أن الخطورة في مصر تكمن في عدم معرفة المصاب بمرضه أو عدم الإقرار به خوفاً من نظرة الناس إلي المرضي النفسيين والوصمة التي تحيط بهم وبذويهم.. مما يصعب معه تشخيص الحالة وتحديد شدتها وأسبابها وجذورها. الدكتور شحاتة محروس طه أستاذ علم النفس بجامعة حلوان يري أن للأمراض النفسية أسباباً عديدة بعضها اجتماعي حيث لا تهتم غالبية الأسر المصرية بالجانب النفسي لأبنائها وتعويدهم علي الاعتماد علي النفس ويرجع ذلك إلي جهل الآباء وسوي ردود الفعل علي المشاكل الأسرية إلي جانب فقدان الرعاية والحنان والترابط بين أفراد الأسرة الواحدة.. وهناك أسباب اقتصادية تجعل ولي الأمر ينشغل بعدة أعمال تستغرق معظم وقته ولا يجد الوقت الكافي للجلوس مع أبنائه للتعرف علي مشاكلهم ومناقشتها.. وأيضاً يتسبب عمل الأم في فقدان الأبناء لرعاية الوالدين. يضيف د.شحاتة محروس: أما الأسباب السياسية فتتمثل في الوضع العالمي الذي أصبح معقداً وغير مريح فضلاً عن الأوضاع المتردية في عالمنا العربي والتي أدت إلي الإحساس بالإحباط والاكتئاب واليأس بعد فقدان النموذج والقدوة.. والإنسان المصري يأمل في تغيير الأوضاع الراهنة ويقول إن انتشار وسائل الإعلام العالمية فرض واقعاً جديداً حيث أصبح الإنسان المصري يعقد مقارنة بين وضعه الاقتصادي ووضع الإنسان الغربي بالإضافة إلي ظهور عادات غريبة عن مجتمعاتنا العربية الشرقية.. وأيضاً انتشار الفساد والانحرافات السلوكية جعلت الصورة تبدو سواء في نظر الكثيرين. ولعلاج هذه الأمراض يقول د.شحاتة إنه لابد من التركيز علي التربية النفسية في البيوت ومضاعفة الرعاية ونشر الحب والود بين أفراد الأسرة والتقليل من مشاهدة التليفزيون والبرامج المستفزة.. مع متابعة البرامج التي تتبني أغراضاً تربوية ونفسية هادفة لإزالة الجهل بالأمور والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.. وهناك جانب تتحمله الدولة وهو العمل علي بناء كيان سياسي اقتصادي اجتماعي قوي يري المواطن من خلاله الأمل في المستقبل ليتغلب علي مشكلاته.