د. وحيد عبدالمجيد: أين اختفى الدستور؟

تبدأ عملية البحث عن أي شيء اختفى أو اختُطف بمحاولة تحديد صاحب المصلحة في اختفائه أو المستفيد من غيابه. ولذلك يتطلب البحث عن الدستور، الذي اختفى فور الاستفتاء عليه ولم يظهر له أثر، تحديد المواد الأكثر تعرضاً للانتهاك باعتبارها المدخل إلى معرفة سبب اختفائه.
فعندما تكون ضمانات الحقوق والحريات في الباب الثالث هي أهم ما جاء به هذا الدستور، لابد أن تكون هناك علاقة لاختفائه بها حتى لا تكون قيدا على من يريد التصرف بمعزل عنها.
وكثيرة هي هذه المواد التي تدفع إلى الفخر بالدستور المختفي الذي لم يهنأ به المصريون يوماً واحداً. فبدءاً من المادة 51 (الأولى في هذا الباب) التي تنص على (الكرامة حق لكل إنسان، ولا يجوز المساس بها، وتلتزم الدولة باحترامها وحمايتها)، يتضمن الدستور أكثر من عشر مواد تتعرض للانتهاك الآن فالمادة 52 مثلا تنص صراحة على أن (التعذيب بجميع صوره وأشكاله جريمة لا تسقط بالتقادم). والضمانات المفترض أنها مكفولة لمن تقيد حريتهم في المادتين 54 و55 لا أثر لها. فالمادة 54 تُلزم بضمان حقوق كل من يُقبض عليه بشكل تفصيلي.. (يجب أن يُبلغ فوراً كل من تُقيد حريته بأسباب ذلك، ويُحاط بحقوقه كتابة، ويُمكَّن من الاتصال بذويه وبمحاميه فوراً، وأن يُقدم إلى سلطة التحقيق خلال 24 ساعة من وقت تقييد حريته..).
أما المادة 55 فهي تَّفصل ما ورد في المادة 52 وتتوسع فيه، (كل من يُقبض عليه أو يُحبس أو تُقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه ولا ترهيبه ولا إيذاؤه بدنياً أو معنوياً..).
وتوفر المادة 57 الضمانات الطبيعية لحرمة الحياة الخاصة التي تتعرض لانتهاكات بشعة الآن: (للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تُمس. وللمراسلات البريدية والبرقية والالكترونية والمحادثات الهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة. وسريتها مكفولة ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائي بسبب ولمدة محدودة).
وليست هذه إلا بعض المواد المنتهكة التي ينبغي أن نذكرها دائما ليس فقط لأنها تدل على هوية صاحب المصلحة في إخفاء الدستور، ولكن أيضا لأنها حصيلة نضال ديمقراطي طويل لن يذهب هدراً.
نقلا عن جريدة الأهرام