من وقت لآخر تعلو نبرة الحديث عن وجود فتور في العلاقات بين مصر والمملكة العربية السعودية ليحاول البعض أن يصطاد في المياه العكرة تحت مسمي تراجع الدور المصري أمام الدور السعودي, خاصة بعد توقيع مكة للوفاق بين حركتي فتح وحماس والدور الذي تلعبه السعودية علي المستويين العربي والإفريقي, وحقيقة الأمر أن الدور الذي تقوم به المملكة تباركه مصر وتسعي لاستكمال خطوات نجاحه نظرا لعمق العلاقة التي تربط البلدين في جميع المجالات علي مدي التاريخ. وحول تفاصيل هذه العلاقة الخاصة دار هذا الحديث مع السفير محمد عبدالحميد قاسم سفير مصر بالسعودية. * كيف تري مستقبل التعاون المصري السعودي؟ وهل أنتم راضون علي ما هو عليه الآن؟ { تعد العلاقات المصرية السعودية نموذجا لعلاقات التحالف والتعاون والأخوة العربية, والتي لا تقتصر علي المجال السياسي فقط, بل تمتد لتشمل المجالات الاقتصادية والثقافية والانتقال البشري بين الدولتين, وبرغم أهمية ما تحقق من انجازات علي مستوي علاقات الدولتين حتي الآن, فلا يزال هناك المجال لمزيد من التعاون بين الجانبين في المستقبل. * نسمع كثيرا عن تراجع الدور المصري أمام الدور السعودي في مختلف وسائل الإعلام سواء العربية أو الأجنبية فما رؤيتكم حول هذه الأقاويل؟ { أؤكد, ومن منطلق اطلاعي بحكم منصبي علي طبيعة دور الدولتين الاقليمي والدولي, وعلي العلاقة التي تربط بين هذين الدورين, أن تلك الأقاويل تفتقر تماما إلي الصحة, وتستند إلي نظرة غير متعمقة للأمور, وذلك في ضوء العوامل التالية: أ أن تلك النظرة تفترض أن اتجاه الدولتين مختلف من تلك القضايا, وتسعي كل منهما لفرض أولوياتها, في حين أن الحقيقة هي أن أهداف الدولتين وسياساتهما تتسم بتطابق كامل, مرجعه تطابق المصالح, ثم التشاور المستمر والدوري علي كل المستويات خدمة لتلك المصالح. ب أن تلك النظرة تفترض دورا مصريا يتضاءل تجاه قضايا المنطقة, ولكن المتابعة الدقيقة للأحداث تدحض هذه النظرة تماما. ج وعلي المستوي الثنائي المصري السعودي كانت زيارة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي عهد السعودية أخيرا لمصر ولقائه بالرئيس مبارك, وكذلك زيارة صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير خارجية المملكة, في إطار التعاون الأخوي المشترك والتي تم فيها توقيع مذكرة تفاهم لإنشاء آلية التشاور السياسي بين الدولتين الشقيقتين لإجراء تشاور دوري كل عام بين وزيري خارجيتهما ومعاونيهما حول أهم القضايا التي تعني الدولتين, فهل يمكن أن تكون تلك التطورات هي بين دولتين تتنافسان علي دعم دورهما علي حساب الأخري, إنني أود أن أؤكد أن كل تحرك تقوم به المملكة يحظي بدعم وتأييد مصري كاملين ويتم بالتنسيق الكامل مع القاهرة, وهو نفس الوضع بالنسبة للتحركات المصرية, ولطالما نقلت بنفسي رسائل بين مسئولي الدولتين تتضمن تبادلا لوجهات النظر قبل أي اجتماع أو حدث دولي, ضمانا لاستمرار التنسيق والتشاور بين البلدين العربيين الكبيرين. * مما لاشك فيه أن اللجان المشتركة تلعب دورا أساسيا في تعميق التعاون بين البلدين وبعضهما البعض وانطلاقا من هذا المبدأ كان الحرص المصري والسعودي علي تفعيل وتنشيط دور اللجنة المصرية السعودية المشتركة. ما الذي يمكن أن تقدمه اللجنة لخدمة البلدين؟ وماهي الخطوات المستقبلية لأعمال هذه اللجنة؟ { أتفق معك تماما فيما ذكرته بأن اللجنة المشتركة تلعب دورا رئيسيا في تعميق التعاون بين البلدين, فهذه اللجنة هي الاطار الأشمل الذي يتم بداخله مناقشة جميع اوجه التعاون بين الحكومتين المصرية والسعودية في جميع المجالات من جانب ممثلين حكوميين من كبار موظفي الوزارات المختصة, يرأسهم وزير الخارجية, وذلك ما كان عليه الحال منذ بداية انعقاد اللجنة المشتركة في عام1989 ولإحدي عشرة دورة متتالية كان آخرها في عام2005 بالقاهرة, إلا أن الجانبين المصري والسعودي قد قررا أنه بداية من الدورة الثانية عشرة سيرأس وزيرا التجارة والصناعة في البلدين اجتماعات اللجنة المشتركة, إيمانا من البلدين بأهمية التركيز علي الجانب الاقتصادي, ولكون هدف تحقيق معدلات تنمية مرتفعة في جميع المجالات تنعكس علي مستوي معيشة ورفاهية الشعبين, يأتي علي قمة أولويات الحكومتين المصرية والسعودية. ومن المنتظر أن تنعقد الدورة القادمة للجنة المشتركة في الرياض بعد شهر رمضان القادم بمشيئة الله في شكلها الجديد. ويجري من الآن الإعداد لها جيدا لتخرج بالشكل اللائق الذي يحقق طموحات الحكومة المصرية في تنمية العلاقات المصرية السعودية في جميع المجالات. * رغم قوة العلاقة بين البلدين, إلا أننا مازلنا نري أن حجم التبادل التجاري والاستثماري والاقتصادي لا يرتقي إلي مستوي ما تمثله قوة هذه العلاقة؟ { دعنا نعيد صياغة ما قلته بشكل مختلف, لنقل إن حجم التبادل التجاري لا يتفق مع طموحاتنا كون مصر والسعودية هما أكبر بلدين واقتصاديين عربيين, وأننا نأمل جميعا أن نري مصر ضمن أكبر5 شركاء تجاريين للسعودية والعكس. * ماهي الاجراءات التي تقوم بها السفارة والقنصلية المصرية لخدمة هذه الجالية والاستفادة من هذا العدد؟ وما هي أهم المشكلات التي تواجهونها لحل مشاكل أعضاء الجالية؟ { الجالية المصرية التي تعيش في المملكة العربية السعودية هي بحق مصدر فخر لأي مواطن مصري من أبنائها, ولي أنا شخصيا بحكم منصبي, وفي كل مناسبة تقريبا يعرب لي العديد من أصدقائي السعوديين عن مدي اعتزازهم وتقديرهم للدور الكبير الذي لعبه الأطباء والمهندسون والمدرسون وغيرهم من المصريين للمجتمع وللدولة السعودية, واحترامهم لقدرة الجالية المصرية علي التأقلم والانخراط في العادات الاجتماعية والتقاليد الخاصة بالمجتمع السعودي. وليس أدل علي ذلك أن العدد الرسمي للعاملين المصريين في المملكة نحو981 ألفا, عدد من قدم منهم شكاوي لمكاتب العمل السعودية نحو950, أي بنسبة1 لكل ألف عامل تقريبا, وفق الاحصاءات الرسمية لوزارة العمل السعودية, وأن الغالبية العظمي من تلك المشكلات تتعلق بحقوق مادية للعامل عند الكفيل, حيث أن الجالية المصرية هي أقل الجاليات تورطا في قضايا أخلاقية كترويج الخمر والتزوير وتمرير المكالمات الدولية وغيرها. أما بالنسبة لقضايا المصريين العاملين في المملكة العربية السعودية فهي وفق المعدلات الطبيعية, ولكنها تبدو كثيرة لضخامة حجم الجالية المصرية, كما أن حاجة البعض الشديدة للعمل تؤدي إلي قبولهم لأية وظيفة حتي وإن كانت لا تتناسب مع مؤهلهم الدراسي وبأجر متدن, بالإضافة إلي عدم دراسة بعض القادمين لعقودهم جيدا وعدم وجود صورة منها لديهم مما يؤدي في بعض الاحيان إلي ارغامهم علي العمل بشروط جديدة غير التي اتفق عليها. ولكننا لا نقف مكتوفي الأيدي أمام تلك المشكلات, حيث نعمل مع الجانب السعودي علي تهيئة بيئة أفضل للعاملين المصريين في المملكة. كما قامت السفارة باعداد دراسة حول أحوال المصريين العاملين في المملكة والتي ركزت علي المرحلة السابقة لقدوم المواطن للعمل في السعودية بحيث يتم دراسة عقده من جهات عدة أهمها المكاتب العمالية الملحقة بالقنصليتين المصريتين في الرياضوجدة, وذلك للحد من المشكلات التي تحدث للمواطن عند العمل بالمملكة أو لضمان حفظ حقوقه عند حدوثها, وبالفعل بدأ المكتب العمالي في تلقي طلبات أصحاب العمل السعوديين للاستعانة بالعمالة المصرية في مهن معينة عن طريق وزارة القوي العاملة, وذلك لضمان عدم التلاعب في عقود العمل, وعدم استغلال بعض مكاتب الاستقدام في المملكة ومكاتب الحاق العمالة في مصر الظروف الصعبة لبعض راغبي السفر في فرض شروط غير قانونية عليهم ولا تتفق مع قوانين العمل في مصر و السعودية. كما أحب أن أوضح أن الجالية المصرية تقوم بعمل تطوعي وتعاوني وتكافلي فيما بينها, فأنشأت صندوق رعاية المصريين, الذي يقدم خدمات عديدة للأعضاء فيه نظير اشتراك سنوي بسيط قدره100 ريال. * كيف يمكن فتح مجالات جديدة للتعاون الاقتصادي وإتاحة الفرصة لرجال الأعمال السعوديين لإقامة مشروعات واستثمارات حقيقية داخل مصر وكذلك إتاحة نفس الفرص لرجال الأعمال المصريين بالسعودية بما يخدم الاقتصاد المشترك؟ { تعمل السفارة علي تأسيس شراكة مصرية/ سعودية استراتيجية في المجال الاقتصادي كإحدي ثمار العلاقة المتميزة التي تربط بين قيادتي البلدين, والتي تقوم علي ركيزتين أساسيتين هما اجتذاب رؤوس الأموال السعودية للاستثمار في مصر, وذلك لتمويل المشروعات القومية الكبري, وقيام رجال الأعمال المصريين بالاستثمار في السعودية وفقا لأولويات الخطة التي وضعتها هيئة الاستثمار السعودي, والتي تنصب علي تطوير صناعة البتروكيماويات وتنمية المناطق الفقيرة والموارد البشرية. ويبدأ التنفيذ العملي للشراكة المصرية/ السعودية بإعداد دراسة جدوي مبدئية لمجموعتين محددتين من المشروعات الاستثمارية: الأولي: مصرية مطلوب تسويقها لدي المستثمر السعودي وتتضمن جميع التفاصيل الخاصة بهذه المشروعات والمستثمرين السعوديين المحتملين لها, والثانية: سعودية يرغب عدد محدد من المستثمرين المصريين في الاستثمار فيها وفقا لمواصفات وشروط محددة بدقة. وفي هذا الصدد, يجري حاليا انشاء الشركة المصرية السعودية القابضة لتطوير المشروعات, والتي اكتتب فيها50 من رجال الأعمال من المهتمين بالاستثمار في كل من الدولتين الشقيقتين, وتسعي لعمل دراسات الجدوي لمشروعات الاستثمار المشترك, وهو ما سيحقق طفرة في هذا المجال في ضوء توافر فرص نمو تلك الاستثمارات كما ذكرت من قبل. * اتخذت المملكة العديد من الاجراءات التنظيمية بالنسبة للحجاج والمعتمرين المصريين.. هل هذه الإجراءات لمصر فقط أم لجميع دول العالم الإسلامي؟ ولماذا هذا التخوف من شركات السياحة من هذه الاجراءات؟ { الإجراءات التنظيمية واحدة وتطبق علي جميع الدول دون استثناء والهدف منها توفير الراحة والتسهيلات الممكنة للمعتمرين والحجاج لحظة وصولهم حتي مغادرتهم المواني الجوية والبحرية السعودية من ناحية, وتضييق الخناق علي ظاهرتي التخلف والافتراش من ناحية أخري.