وسط مؤشرات مرتفعة لمعدلات البطالة بين الشباب فى المملكة العربية السعودية ، شرعت السلطات هناك فى حملة واسعة لترحيل العمالة الاجنبية تحت بند " العمالة المخالفة " في إطار عملية إعادة تنظيم سوق العمل وتوطين الوظائف . و منذ بدء الحملات الأمنية على العمالة المخالفة فى الرابع من نوفمبر الماضى - و التي تخللتها بعض الاحتجاجات في بعض الأحيان - تشير بيانات حكومية من مديرية الجوازات الى انها قامت بالفعل حتى الان بترحيل ومنح تأشيرة خروج نهائي لأكثر من 170 ألف عامل خلال الأربعين يومًا الماضية ، بينما تشير مصادر خارج المملكة بالتقديرات أن 2 مليون عامل إضافي يمكن أن يتم طردهم ايضا خلال الشهور المقبلة حيث يشغل العمال المغتربين نحو 45% من أماكن العمل الخاصة والعامة في السعودية ويبلغ عددهم 9.2 مليون، أي ما نسبته 31% من إجمالي عدد السكان. هل ترحيل العمالة المخالفة سيفيد سوق العمل السعودى ؟ يرى الكثير من الخبراء ان ما هو مشكوك في نتائجه ، هو ما إذا كانت هذه التجربة يمكن ان تخفض معدلات البطالة في المملكة السعودية أم لا ، فمن المستبعد جدا أن يقبل السعوديون بشغل وظائف وضيعة دائما ما كانت حكرا على العمالة من الأجانب سواء كانوا عرب او افارقة او اسيويين. و في حين تهيمن العمالة الأمريكية والأوروبية على الوظائف التي تتطلب مهارات عالية، فإن الغالبية الساحقة من العمال الأجانب في المملكة هم من ذوي المهارات المتدنية، ويمارسون العمل في الخدمات المنزلية، والتنظيف، والزراعة و البناء. و يتم ملء معظم الوظائف المتدنية من الدول النامية بجنوب وجنوب شرق آسيا مثل الهند وباكستان والفلبين وبنغلاديش وإندونيسيا وسري لانكا..و من الشرق الأوسط، تاتى العمالة من مصر، واليمن، والأردن، ولبنان، وهى أيضا بلدان نامية. تأثر سوق العمل السعودى بحملات ترحيل العمالة الاجنبية لقد بدأت بالفعل اثار حملة ترحيل العمالة المخالفة للظهور على قطاعات السوق المختلفة فى المملكة العربية السعودية ، حيث تضررت كثير من القطاعات خاصة التى تعتمد على الايدى العاملة الكثيفة و الرخيصة و من ابرزها قطاع البناء والتشييد الذي يتجاوز حجم العمل فيه اكثرمن 70 مليار ريال، وهو أكثر القطاعات تضررا لكونه أكبر مستخدم للأيدي العاملة الوافدة. ويرى بعض المحللين في سوق العقارات في المملكة العربية السعودية أن ترحيل العمالة سوف يؤثر بالتأكيد على المشاريع العقارية الكبرى، و هو ما حدث بالفعل حيث اضطر مقاولو البناء إلى تجميد عدد كبير من المشاريع ، فى حين توقف العمل و لو مؤقتا فى نحو 40 بالمئة من شركات البناء الصغيرة ..وأصبح القطاع يعاني الآن من ارتفاع تكلفة العمال بشكل مضاعف ، نظرا لقلة العمالة القانونية المتوفرة. وقد اعترف وزير العمل السعودي، عادل فقيه، بأن مغادرة العمالة الوافدة للمملكة ترك فراغا واسعا في سوق العمل. وأضاف أن هناك صعوبة في سد هذا الفراغ لعدم جدية وانضباط الشباب السعودي في العمل. وقال فقيه إن "الفراغ الذي خلفه ترحيل العمالة المخالفة بعد حملة التصحيح، يتطلب سده بكفاءات وطنية"، مشيرا "إلى أن ما يدور من حديث حول عدم انضباط الشاب السعودي قد يكون صحيحا، مؤكدا أن هذه المعضلة يجب حلها من خلال توظيفهم في القطاع الخاص واستيعابهم بما يخلق التنمية ويؤهل الشباب. ترحيل العمالة و تأثيره على التحويلات النقدية فى الاسواق الناشئة أما ما لا شك فيه انه سيكون هناك عواقب وخيمة ، و أثر اقتصادي سلبي نتيجة الترحيل الجماعى للعمال الأجانب خاصة بالنسبة لاقتصادات الدول الناشئة ، و التى يقوم مواطنيها ممن يعملون بالمملكة بإرسال كميات هائلة من المال الى الوطن لأعالة أسرهم ومجتمعاتهم المحلية خلال فترات تعاقدهم للعمل في الخارج. وتقدر التحويلات المالية السعودية التى وجهت للدول النامية عام 2012 بنحو 27.5 مليار دولار ، و هو مبلغ يقارب المساعدات الانمائية الرسمية المقدمة سنويا من الولاياتالمتحدة إلى البلدان الفقيرة و الذى يقدر بنحو 30.5 مليار دولار..كما تعد المملكة العربية السعودية هي ثاني أكبر جهه مرسله للتحويلات المالية بعد الولاياتالمتحدة ( 103 مليار دولار) و كندا التى تاتى في المركز الثالث (15.7 مليار دولار). و تعد التحويلات المالية شريان حياة غير معروف إلى دول العالم الأكثر حرمانا ، و تاتى التدفقات المالية إلى البلدان النامية من هذه التحويلات في المرتبة الثانية بعد استثمارات رأس المال الخاص، و تفوق بما هو اكثر من مرة و نصف مقدار المساعدات الحكومية المقدمة من جميع البلدان المتقدمة للدول النامية . لقد كانت التحويلات النقدية لوقت طويلا مجرد بند في ميزان المدفوعات لكن مع عولمة الاقتصاد وزيادة حركة العمل في جميع أنحاء العالم، اصبحت الأموال التي يرسلها العمال المهاجرين إلى الوطن تمثل منبع للتدفقات المالية الهائلة لمساعدة الأسر شراء السلع الأساسية، ودفع تكاليف التعليم والرعاية الصحية، كذلك فان تدفقات اموال الشركات للداخل تساهم فى خلق فرص العمل التي تحد من الفقر فى الدولة الام و بدء أعمال جديدة في الاقتصادات الناشئة. لذا على المستوى الكلي، فالتحويلات هي مصدر حيوي للعملة الأجنبية بالنسبة للحكومات، لأنها تساعد فى سد العجز في الحساب الجاري للبلدان النامية وتمويل وارداتها ، وبالتالي تحسين ميزان مدفوعاتها والتصنيف الائتماني للبلاد . و تشير الارقام الى ان التدفقات المالية والتحويلات أصابها ضعف بعد الكساد العالمي عام 2008. لكنها استعادت زخمها الإيجابي في العام التالي، واستمر في النمو. ومن المتوقع أن تنمو بمعدل 8.8 في المائة في عام 2014 .. و تشير أبحاث البنك الدولي للأثر الإيجابي للتحويلات المالية من البلدان المتقدمة إلى البلدان النامية فى المساعدة على الحد من الفقر. وليس من المستغرب أن يخطط صانعي السياسة فى جعل التحويلات والهجرة جزءا لا يتجزأ من جدول أعمال التنمية بعد عام 2015. لذا فمن المنطقي للمملكة العربية السعودية إلقاء نظرة فاحصة على سياسات العمل الخاصة بها. ويجب ان تعى ان ارتفاع معدل البطالة في المملكة لا يمكن خفضه بشكل كبير من خلال طرد العمال الأجانب ذوي المهارات المتدنية ، كما يجب ان تعى ان 27.5 مليار دولار من التحويلات السنوية للعمالة الى بلادهم يساهم فى تحقيق الاستقرار و دفع عجلة التنمية و نشر الامن و القضاء على الفقر .