لم يعرف صاحب الاسدي متعة كالتي يشعر بها الآن بعد ان عاد الى ورشته القديمة لصناعة الزوارق وسيلة التنقل الوحيدة في الاهوار بعد ان عادت الحياة الى مساحات شاسعة من هذه المناطق الرطبة جنوب العراق والتي ظلت الحياة فيها شبه متوقفة لأكثر من 27 عاما بسبب تجفيفها. ويبدو الاسدي (65 عاما) منهمكا في العمل في ورشته في الناصرية، على بعد نحو 375 كيلومترا جنوب بغداد، لتلبية طلبات سكان المسطحات المائية التي كانت لفترات طويلة غنية ببيئتها واسماكها وحيواناتها وكادت تختفي عندما قرر النظام العراقي السابق تجفيفها لاسباب امنية. ويقول الاسدي ان “الآلاف من سكان الأهوار بدأوا بالعودة اليها منذ ،2003 ومع الوقت عادت صناعة الزوارق الى الوجود” كونها وسيلة التنقل الوحيدة بين جزر واكواخ القصب. وتمتد منطقة الأهوار في محافظات البصرة وذي قار وميسان، وتزيد مساحتها على ثلاثة ملايين دونم. وكان الناس يعيشون على اطرافها وفي اعماقها في اكواخ متواضعة يصنعونها بطريقتهم التقليدية التي توارثوها عن اجدادهم عبر آلاف السنين، وفق تصميم هندسي بسيط. ويشرح الاسدي ان الزوارق التي تعرف بالمشاحيف تصنع من مادة الخشب “وتحديدا من نوع خشب الصاج او خشب الجام حيث تصفف الواح الخشب بطريقة مقوسة تسمح لها باتخاذ شكل الزوارق الاعتيادية لعمل هيكل الزورق، ويستغرق ذلك مدة يومين”. ويتابع “نقوم بعدها بطلاء سطح القارب وداخله بمادة القار لسد الفراغات في الالواح ومنع تسرب الماء من خلالها”، وهذا ما يعطي الزوارق لونها الاسود. كانت الاهوار التي تعد اكبر التجمعات المائية في العالم، غنية بالثروات النباتية والحيوانية حيث كان سكانها يربون الابقار والجاموس والطيور التي تعيش معهم فوق جزر صغيرة عائمة. وادت عودة سكان الاهوار الى مناطقهم القديمة التي غادروها مطلع ثمانينات القرن الماضي، الى احياء مهنهم القديمة التي يعتاشون منها مثل نقل المنتجات الحيوانية الى المناطق والمدن المحاذية او المتاخمة والتبضع من تلك المناطق ايضا. ويقول مالك رحيم من هور الجبايش في محافظة الناصرية “الآن بدأنا نشعر أننا نعيش حياتنا الطبيعية التي تخلينا عنها مرغمين قبل سنين عديدة نتيجة التجفيف الذي ادى الى هلاك ثرواتنا الحيوانية وتهجيرنا”.