دراسات متنوعة عن المخربشات والرموز الأولى للكتابة في الملتقى الدولي للخطوط والنقوش بمكتبة الإسكندرية ناقش المنتدى الدولي الثالث للنقوش والخطوط والكتابات في العالم عبر العصور الذي عقد الأسبوع الماضي بمكتبة الإسكندرية بمشاركة أكثر من 80 باحثا من مختلف أنحاء العالم العربي والغربي العديد من القضايا التراثية المهمة الخاصة بالملامح الأولى لبدايات الكتابة في الحضارات الإنسانية، وذلك من خلال الرموز والمخربشات والطقوس الاجتماعية، والعديد من القطع الأثرية المختلفة التي يتم الكشف عنها لأول مرة. وفي بحثه حول كسوة الكعبة المشرفة تناول د. محمد بن حسين الموجان الأستاذ بكلية الشريعة بجامعة الإمام بن سعود الإسلامية بمدينة الرياض، تأريخ ظهور الكتابات على كسوة الكعبة المشرفة منذ أول ظهور لها معروف في المصادر التاريخية وحتى أواخر العصر المملوكي، مشيرا إلى أنه تم الكشف عن قطع مهمة ترجع للعصر المملوكي من كسوة الكعبة الداخلية ومن الحزام وكيس المفتاح، لعل أهمها قطعة من الحزام مؤرخة بسنة 905 للهجرة، تكتشف لأول مرة على أنها من العصر المملوكي، وقطعة من الكسوة الداخلية من عصر السلطان الناصر حسن بن محمد بن قلاوون وتؤرخ بسنة 761 للهجرة، وهي أقدم قطعة معروفة حتى الآن من قطع الكسوة بصفة عامة، وكسوة الكعبة الداخلية بصفة خاصة. ويوضح الموجان: أنه من خلال دراسة الكتابات على تلك الكساوى ومقارنتها مع كتابات العمائر والتحف المعاصرة لنفس الفترة نجد جمال الخط وروعة التصميم ودقة التنفيذ. كما يمكن من خلال دراسة هذه القطع النادرة وتلك التي ترجع لبداية العصر العثماني، ومقارنتها مع نصوص المؤرخين والرحالة في العصر المملوكي، أن نتصور ما كانت عليه كتابات الكسوة في هذا العصر، كما يمكن القول إن خطوط كسوة الكعبة المشرفة في العصر المملوكي قد أثرت تأثيرا كبيرا في تصميم وطراز الكتابات والزخارف التي ظهرت على كسوة الكعبة في بداية العصر العثماني، واستمرت فترة ليست بالقصيرة. كما عرض د.ناصر بن علي الحارثي الأستاذ بجامعة أم القرى بالمملكة العربية السعودية، لدراسة عن النقوش الكتابية الصخرية الإسلامية المبكرة على الصخور في مكةالمكرمة والطائف، تضم مجموعة من النقوش التي نقشت على الصخور في مكةالمكرمة والطائف خلال القرون الهجرية الأربعة الأولى، مجموعة منها مؤرخة وأقدمها يعود تاريخه لعام 40 ه. ويقول الحارثي: تنطوي هذه النقوش الصخرية على أهمية قصوى بالنظر إلى أنها نقشت على أيدي خطاطين محليين، مما يؤكد على انتشار الخط العربي في تلك الفترة التاريخية المبكرة من التاريخ الإسلامي بين عامة الناس، فضلا عن التعرف على التطورات التي حدثت على الخط العربي في مراحله الأولى في المنطقة التي ظهر فيها الإسلام، وتتبع تسلسل النقوش المؤرخة في المنطقة وترتيبها وفقا لما تم اكتشافه من نقوش مؤرخة مماثلة في الأقاليم الإسلامية الأخرى، بالإضافة إلى التعرف على الصيغ والمضامين التي كانت سائدة في تلك الفترة. ومن بين الأبحاث التي لفتت الأنظار، البحث الذي قدمته داليا فوزي عبده الانصاري من كلية الآداب بجامعة بغداد، بعنوان «الزواج المبكر في المجتمع العراقي القديم في ضوء النصوص المسمارية». أشارت فيه الى أن الأسرة في المجتمع العراقي القديم بنيت على أسس وروابط قوية، ومن تلك الأسس الزواج الذي أقرته الأعراف والتقاليد والقوانين ووثقته عقود الزواج الكثيرة على ألواح الطين. وأشارت الأنصاري إلى أن الأوضاع الاقتصادية والأحوال الاجتماعية والجوانب الفكرية للمجتمع العراقي القديم، قد أسهمت بشكل كبير في تحديد نظام الزواج، على الرغم من عدم توافر معلومات كافية عن الأشكال الأولى للزواج في العراق القديم، فمن المحتمل أنه مر بالمراحل المختلفة نفسها التي مرت بها المجتمعات البدائية قبل نضجها الحضاري. وأكدت أن الزواج المبكر كان شائعا في المجتمع العراقي القديم، حيث يعتمد الشاب على أهله في معيشته فلا نجد من خلال النصوص والقوانين القديمة بأن فتاة قد طلبت الزواج من شاب، ونادرا ما نجد أن الفتى والفتاة يتفقان على الزواج من دون موافقة أهلهم على الزواج. وقالت: كان الآباء أحيانا يزوجون أبناءهم قبل بلوغهم السن القانوني للزواج كما أشارت المادة (130) من قانون حمورابي، حيث إن الأب يزوج ابنته التي لم تبلغ السن القانوني من شاب بالغ. لكن لا يتم الزواج إلا بعد موافقة كلا الطرفين من أولياء الأمور، حيث تصبح الفتاة زوجة شرعية بموجب العقد، ولكنها تستمر بالعيش في بيت أبيها حتى بلوغها السن القانوني للزواج، وبعد ذلك يتم دخول الشاب بالفتاة، وأشارت المادة (156) من قانون حمورابي أيضا إلى أنه يمكن للشاب غير البالغ السن القانوني أن يتزوج بفتاة بالغة وتعيش فيبيت حميها حتى بلوغ الفتى سن الزواج، ويتم الدخول بها. وقد نصت القوانين الآشورية الوسيطة على أن سن الزواج المبكر للفتى هو عشر سنوات كحد أدنى، وورد أن الأب يزوج خطيبة ابنه المتوفى لأحد أولاده من الذين بلغوا سن العاشرة من عمرهم، في حين استنكر أحد النصوص المسمارية الزواج بالبنت دون سن لعاشرة فقال: «أنا لن اتخذ لي زوجة عمرها ثلاث سنوات كالحمار» وكان من وراء تزويج الآباء لأبنائهم في سن مبكر غايات منها تسديد الديون التي يقعون فيها نتيجة لصعوبة الظروف الاقتصادية والأزمات المالية التي يتعرضون لها. فالأب يزوج ابنته إلى أحد أبناء دائنه دون أن يقبض مهرها، فيقوم دائنه بإسقاط قيمة المهر من ديون والد الفتاة. وتلفت الباحثة إلى أن هذه العملية ربما تكون نوعا من صفقات البيع والشراء، حيث يفضل الآباء تزويج بناتهم بهذه الطريقة على بيعهن كإماء. كما كشف الباحث فهمي علي الأغبري، بجامعة صنعاء، عن نقش سبئي جديد من نقوش العبادات، والمعروفة بنقوش الإهداءات التي كانت تقدم للآلهة في معابدهم، وكانت هذه النصوص تكتب على القربان نفسه أو على القاعدة التي تحمله، وفي أحيان كثيرة كان القربان هو النقش المكتوب كما في موضوع نقشنا هذا الذي يمثل لوح البرونز المكتوب، الذي قدم للإله «المقه» المعبود القومي للمملكة السبئية كي يمنح مقدمي النقش السلامة والعافية والحماية لهم ولمملكتهم، وما سيتملكون مستقبلا.