بداية الحديث عن إمكانيات تحقيق السلام بين العرب وإسرائيل في الأوساط السياسية والثقافية في إسرائيل لم تظهر سوي بعد حرب أكتوبر حيث أدرك الشعب الإسرائيلي أن هناك فرصة حقيقية للتعايش السلمي في المنطقة دون الحاجة إلي الدخول في حروب مستمرة ، فقد كشفت مؤخرا إستطلاعات الرأي التى أجريت في إسرائيل بشأن تأييد السلام أن النسبة الأكبر من مواطني الدولة يؤيدون السلام بإستثناء "الحريديين" (أكثر الطوائف تشددا في المجتمع الإسرائيلي) وكافة الاحزاب اليمينية المتطرفة التي تحاول تطبيق ما جاء في التوراه حسب رؤيتهم ، وعلي الجانب الأخر تتخذ القيادة السياسة في إسرائيل نهجا مختلفا للغاية فالخطوط الرئيسية للسياسة الإسرائيلية لا يحددها أفراد بل هى بمثابة أهداف وضعت منذ قيام دولة إسرائيل وأبرز تلك الأهداف ضمان التفوق الإسرائيلي في كافة الميادين وهو الأمر الذي يضمن بقاء الدولة وإذا لم يتحقق السلام وفق هذه الأهداف فإن إسرائيل ليست في حاجة إليه حتي وإن كان هناك غطاءا شعبيا يسهل مهمة الوصول إلي تسوية عربية إسرائيلية . ويمكننا أن نلاحظ وجود فرق كبير بين الأراء الشعبية وسياسات الدول التي هي بمثابة خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها ويقتصر دور القيادة السياسية علي تطبيق هذه السياسات . وعلي ضوء ماسبق يستخدم الأعلام الإسرائيلي كوسيلة لنشر الأفكار التي تخدم السياسة الإسرائيلية ، فنجد الحديث عن السلام ورغبة إسرائيل في تسوية القضية الفلسطينية التي هي جوهر الخلاف بين العرب وإسرائيل ، وعلي الجانب الأخر كثيرا ما يتحدث الإعلام الإسرائيلي عن حالة العداء العربي تجاه دولة إسرائيل وهو ما يجعل فرص تحقيق السلام ضعيفة فإسرائيل ترغب في تحقيق السلام والعرب لا يرغبون سوي في القضاء علي دولة إسرائيل . في إطار الحديث عن قضية السلام يعتبر الرئيس محمد أنور السادات من أهم الشخصيات التي حظيت بإهتمام شديد في وسائل الإعلام الإسرائيلية وخاصة في مناسبات ذكري حرب أكتوبر ففي أحد التقارير التي نشرت عن السادات هذا العام في موقع التلفزيون الإسرائيلي ظهرت شخصية السادات بصورة إيجابية فقد كان من ألد أعداء إسرائيل ودخل في حرب معها ثم سعي إلي السلام هكذا يوصف دائما في إسرائيل ودائما ما يشار إلي السادات كنموذج يحتذي به في الأوساط الإسرائيلية المختلفة فقد كانت تجربته أنجح من تجربة جولدا مائير التي رفضت السلام وتجاهلت عرض السادات من أجل تسوية الخلاف دون إراقة قطرة واحدة من الدماء . تناولت وسائل الإعلام في إسرائيل هذا العام شخصية السادات بإهتمام شديد من خلال التطرق لوجهة النظر المصرية لحرب أكتوبر التي تعتبر بالنسبة للشعب المصري أهم إنتصار عسكري في العصر الحديث ، وعرض التلفزيون الإسرائيلي أجزاء من خطب السادات ومن بينها خطابه في الكنيست الإسرائيلي وكذلك سيرته الذاتية فمن خلال الأفلام الوثائقية التي عرضت هذا العام نجد الإشارة إلي السادات بكونه يتسم بالذكاء الحاد والقدرة علي التعامل مع الأزمات. وعلي الجانب الأخر نجد الإعلام الإسرائيلي بنهجه المعهود والذى من خلاله يسعي دائما إلي التقليل من قيمة الإنتصار يضع السادات في صورة الشخص الذي دخل حربا لم يكن لها هدف محدد سوي إستخدام الأله الحربية كوسيلة لإجبار إسرائيل علي الدخول في مفاوضات . في فيلم يوميات حرب ظهر السادات علي أنه شخص ماكر فقد قام بخداع حافظ الأسد فيما يتعلق بالهدف المرجو من الحرب التي أراد إستخدامها كوسيلة للضغط علي إسرائيل لكنه لم يفصح عن نواياه الحقيقية لحافظ الأسد شريكه في الحرب وعندما إتخذ قرار وقف إطلاق النار لم يبلغ الجانب السوري فقد كان السادات يخطط لشئ ما لكنه لم يفصح عنه للأطراف العربية التي كانت تدعمه في الحرب . ويطرح الفيلم تساؤلا هاما أمام المجتمع الإسرائيلي : ماذا كان سيحدث لو قبلت "جولد مائير" العرض المصري والذي كان أفضل بكثير بالنسبة لإسرائيل من معاهدة كامب دافيد؟ (تحدثنا عن هذا العرض في تقرير سابق ) . من خلال هذا التساؤل الذي يطرحه دعاة السلام في إسرائيل يمكننا أن نري حالة من الجدل داخل المجتمع الإسرائيلي بين مؤيدي ورافضي السلام فهناك من يري أنه لا بديل عن السلام وهم بذلك ليسوا معارضين لدولة إسرائيل بل يريدون لها الإستقرار ولن يتحقق ذلك إلا بالسلام ، فعندما مد السادات يده بالسلام لجولدا مائير التي تصورت أنه لا حاجه للسلام في ظل سيطرة الجيش الإسرائيلي علي مجريات الأمور كان حقا يرغب في وضع نهاية لهذا الصراع وقد إستطاع بالحرب تحقيق مبتغاه . يمكننا أن نري أيضا تأثير حرب أكتوبر علي الجانب الأدبي في المجتمع الإسرائيلي فكل جيل من الأجيال الأدبية التي ظهرت في إسرائيل تأثر بالحروب التي خاضتها . فقد أطلق علي الجيل الذي تأثر بحرب أكتوبر في الأوساط الأدبية جيل "التفسخ والتحلل" وأول من إستخدم هذا المصطلح هو الناقد الأدبي "أري روبن" وقد عبر هذا الجيل الذي عايش إنكسارات هذه الحرب عن مدي الصدمة التي تعرض لها المجتمع الإسرائيلي ، ومما سبق نلاحظ أن نتائج حرب أكتوبر ليست مجرد نتائج عسكرية فقط بل أيضا أثار ورواسب نفسية مازال المجتمع الإسرائيلي يعاني منها حتي يومنا هذا وأهم الدلائل علي ذلك هو مايقوله الإسرائيليون أنفسهم عن هذه الحرب وهو الأمر الذي تطرقنا اليه في سلسة التقارير السابقة التي تناولت النظرة الإسرائيلية لحرب أكتوبر ، ويمكننا القول بوضوح أن مشكلتنا الحقيقية تنبع من تجاهلنا التام لدولة الكيان الصهيوني كما لو أنها مسخ مثير للإشمئزاز لا يجوز الإقتراب منه وكأن دائرة الصراع توقفت عند حرب أكتوبر وهم على العكس من ذلك يحاولون جاهدين فهم المتغيرات التى تطرأ على الشخصية العربية لمعرفة الكيفية التى يمكن من خلالها التعامل معها في الفترة الحالية والقادمة.