في ظل الزخم الإعلامي في إسرائيل هذا العام فيما يتعلق بحرب أكتوبر المجيدة يعد فيلم "ذكري حرب عيد الغفران" من إنتاج (הטלוויזיה החינוכית) (قناه التلفزيون التعليمية ) أحد أهم الأفلام التي ألقت الضوء علي هذه الحرب وأثرها علي المجتمع الإسرائيلي وفقا للرؤية الإسرائيلية . في بداية الفيلم قال "د. عمنوئيل سيكل" لواء في جيش الإحتياط الإسرائيلي وباحث في مركز بيجن - السادات للأبحاث الإستراتيجية في جامعة بار إيلان والذي كان قائد كتيبة المدرعات 52 في حرب عيد الغفران واصفا تلك الحرب : كانت بمثابة موجة تسونامي كبيرة لازالت أثارها ظاهرة حتي يومنا هذا في كل مجالات حياتنا ومن يرغب في فهم جذور هذه الحرب عليه أن يعود إلي حرب الأيام الستة التي خضناها ولدينا شعور بالإختناق الشديد وخرجنا منها بنشوة وفرحة شديدة . من خلال هذا الوصف يمكن أن نري الفجوة الكبيرة التى أحدثتها حرب 67 داخل المجتمع الإسرائيلي على مختلف مستوياته سواء السياسية أو العسكرية وكذلك الإجتماعية بين ما يحدث علي أرض الواقع وما تتصوره العقلية الإسرائيلية من قدرتها علي السيطرة علي الأوضاع الراهنة وأنها الطرف الأقوي الذي يمكنه فرض ما يريد نتيجة للإنجاز الكبير الذى لم يكن فى الحسبان في 67 وهزيمة الجيوش العربية دون أدني مقاومة ، فالإستهانة بقدرات الخصم كان من أهم أسباب الهزيمة وهو الخطأ الذي إرتكبته قيادات الجيش المصري في 67 . ويقول "إيتان هابر" الذي عمل مراسلا عسكريا في جريد "يديعوت أحرونوت" (1985-1960 ) في هذا الصدد : خلال 6 سنوات حتي حرب عيد الغفران كانت تسود إسرائيل أجواء إحتفالية يمكن أن أصفها اليوم "حفلات سكر" .وقالت "افيرما جولان" من الشهود العيان لهذه الحرب والتي تجندت في الجيش الإسرائيلي عام 1968 وخدمت في قيادة المنطقة الجنوبية : تجندت في عام 68 وتلقيت صدمة النتيجة الأولي لهذا الجنون وهي حرب الإستنزاف ، أما بالنسبة لحرب عيد الغفران فقالت عنها : هي حرب تجاهلناها ومازلنا حتي اليوم نتجاهلها كما لو أنها لم تحدث فهي حرب إنقسمت فيها إسرائيل إلي نصفين إسرائيل الأولي التي كانت تعيش نشوة الإنتصار في 67 وإسرائيل الثانية التي عبر عنها الجنود القلائل الذين تواجدوا في منطقة القناة وكانوا يتعرضون للقصف كل يوم مما جعلهم منقطعين عن الحياة تماما وطوال الوقت كان الناس يسألون من كانوا خارج البلاد : هل ستأتي لزيارة إسرائيل ( وكأن شئ لا يحدث) . وقال "عمنوئيل سيكل" عن السياسة الإسرائيلية في أعقاب حرب 67 : النهج السياسي لدولة إسرائيل تجسد في مقولة "دايان" "نحن ننتظر مكالمة هاتفية من العرب " لكن المكالمة لم تأتي ، وتجلي رد العرب السياسي في إتفاق مؤتمر الخرطوم وهو ما عرف بمرور الأيام بأسم "اللاءات الثلاثة" وهي عدم الإعتراف بدولة إسرائيل وعدم الدخول في مفاوضات معها وكذلك رفض السلام كان هذا في الأول من سبتمبر 67 وفي يوليو بدأ إطلاق النارعلي الحدود وهو ما يعرف الأن بأسم حرب الإستنزاف وعندما إنتهت حرب الإستنزاف دخلت كل المنظومة العسكرية في إسرائيل في حالة هدوء نسبي . ومن الجدير بالذكر في هذا السياق أن إسرائيل بدأت تتخلي بعض الشئ بعد حرب الإستنزاف عن جعل الجيش هو الأولوية الأولي وبدأت تنظر إلي الجوانب الإجتماعية الأخري ، قال "افنير شيلو" ضابط برتبة عميد في جيش الإحتياط وكان مدير مكتب رئيس الأركان الإسرائيلي "دافيد (دادو) اليعيزر" (1972-1974) : كانت هناك توجيهات من القيادة السياسية لم ترق لدادو (رئيس الأركان الإسرائيلي) تتعلق بتقليص فترة الخدمة العسكرية لخلق حيز أكبر من الرفاهية وللتأكيد علي وجود تغيير في الأولويات وأننا نتجه نحو تحقيق إنجازات على المستوى الإجتماعى . تحدث الفيلم كذلك عن مكانة وزير الدفاع الإسرائيلي "موسي دايان" والمكانة التى احتلها في الأوساط العسكرية والشعبية في إسرائيل فقال عنه "إيتان هابر" : لم يكن هناك ما يوازي الصبغة الإلهية التي حظي بها موسي دايان فعندما يقول شيئا ينفذونه علي الفور ، فعندما قال أنه لن تكون هناك حرب قبل عشر سنوات وكأن الرب نفسه هو من قال ذلك. وقال أيضا عن دايان في سياق أخر : رأيت دايان في المؤتمر الصحفي الأول بعد إندلاع الحرب والذي قال في نهايته مقولتة الشهيرة تدمير الهيكل الثالث يقترب ، بدا وكأن المسئولية أكبر من قدراته وفجأة لم يعد ذلك الشخص ذو المكانة الكبيرة فقد ظهرت عليه ملامح الحزن ولم يكن متغطرسا أو متكبرا أو متباهيا كعادته. تناول الفيلم أيضا الأيام التي سبقت الحرب ومدى فشل الأجهزة الأمنية في إسرائيل في التوصل إلي أي معلومات وتجاهل المؤشرات التي قد تدل علي أن هناك ما يحدث في الخفاء فقال "عمنوئيل سيكل" عن هذا الأمر : في ليلة الأربعاء الخامس من أكتوبر 73 تمت إقامة جسر جوي سوفيتي مع مصر وسوريا يقوم بإجلاء الأسر السوفيتية والمستشارين . وقال "إيتان هابر" الذي كان يعمل مراسلا عسكريا في جريدة "يديعوت أحرونوت" في ذلك الوقت في هذا السياق : في الخامس من أكتوبر وصلتني معلومات بشأن حالة التوتر في الشمال وبشأن القوات السورية وكل ما يحدث علي الحدود مع سوريا ، إتصلت بالمتحدث الرسمي للجيش فقال لي حينئذ جملة إستفزتني للغاية ، قال لي : الاف الجنود الذين لن يخرجوا لقضاء أجازة عيد الغفران سيلعنونك ، وفي النهاية لم أنشر شيئا عن هذا الأمر . وقال عمنوئيل أيضا في هذا الصدد : في الساعة العاشرة مساء يوم الجمعة الخامس من أكتوبر ليلة عيد الغفران قابل رئيس الموساد زامير مصدرنا الرئيسي للمعلومات في لندن (المقصود هنا أشرف مروان وهناك الكثير من الشكوك حول هذا اللقاء حيث تدعي مصادر في إسرائيل أنه بالفعل أبلغهم بموعد الحرب وهو الأمر الذي قد شككت مصادر أخري في مصداقيته ، وقد تطرقنا إلي هذا الأمر في التقرير السابق) والذي قال له أن الحرب علي وشك الإندلاع ،ولكن زامير لم ينجح في نقل هذه المعلومة إلي إسرائيل بسبب خلل في الإتصالات . تلقت جولدا مائير هذه المعلومة في صباح عيد الغفران الساعة الرابعة . تناول الفيلم أيضا أجواء ماقبل الحرب في يوم السادس من أكتوبر فوصف طبيب في الجيش الإسرائيلي كان متواجداعلي الضفة في ذلك اليوم الجبهة المصرية بأنها كانت في حالة هدوء تام وكأنهم هم الذين يحتفلون بعيد الغفران . وعرض الفيلم لقاءات مع جنود قد شاركوا في هذه الحرب وهو الأمر الذي يعبر عن مدي الصدمة والإرتباك الذي أحدثه عنصر المفاجئة فكان هناك غياب تام لسيطرة قادة الجيش الإسرائيلي علي مجريات الأحداث في الأيام الأولي من الحرب وكانت القوات الميدانية تتعامل بشكل عشوائي نظرا لغياب التوجيهات من قيادة الجيش وعبر عن ذلك ما قاله أحد الجنود كنا في وضع لم نتخيل أن نكون فيه وروي أحد الجنود أيضا كيف أنه نجا من الموت فقد أنهي خدمته العسكرية قبل الحرب بشهرين وقد ابيدت سرية الدبابات التي خدم فيها والتي كانت متمركزة علي شط القنال عن بكرة أبيها ولم ينجوا منها أحد . كما ألقي الضوء أيضا علي الحرب في الجبهة السورية وكيف كان الأمر متأزما في البداية إلي أن تمكنت القوات الإسرائيلية من السيطرة علي الوضع فكثيرا ما تحدث الإعلام الإسرائيلي عن صمود الجيش أمام الهجوم السوري ودور القوات في التعامل مع الأزمة بينما كان القادة في حالة إرتباك . أعطي الفيلم أيضا مساحة للحديث عن سلاح الطيران ودوره الهام في هذه المعركة فقد انطلقت الطائرات العمودية للبحث عن الجرحي والمصابين والمفقودين في سيناء ، وتم إجراء حوار مع أحد أفراد سلاح الطيران الذي تمكن من إسقاط 11 طائرة من طائرات العدو في 5 معارك جوية . مما سبق يمكننا القول أن الإعلام الإسرئيلي دائما ما يركز على إخفاق القادة والتقصير الذي تسبب في هذه الكارثة فلم تدخل كلمة سلام في قاموس المصطلحات الإسرائيلية إلا بعد هذه الحرب ، وقد أثرت هذه الحرب علي النظرة الإسرائيلية لصورة العربي فقد تخلت إسرائيل عن نظرية فض النزاعات بالقوة وحدها . وقد تغير النهج السياسي الإسرائيلي في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط وخاصة القضية الفلسطينية فدائما ما يكون هناك مجالا للتفاوض حتي وإن كان بلا قيمة ملموسة علي أرض الواقع ، فكثيرا ما طرح الإعلام الإسرائيلي تساؤل هاما ماذا كان سيحدث لو وافقت جولدا مائير علي الدخول في مفاوضات مع الطرف المصري؟