ترقب المتتبعون لسياسة الخارجية الفرنسية اول خطاب للرئيس نيكولا ساركوزي حول اولويات السياسة الخارجية لبلاده وهم ينتظرون بشكل خاص ما سيقوله حول الشرق الاوسط، خصوصا بعد زيارة وزير خارجيته الى بغداد، وما رافقها وتلاها من تصريحات وتعليقات وردود فعل. والزيارة اعقبت اللقاء الذي اجراه الرئيس الاميركي جورج بوش وضيفه الفرنسي في النصف الاول من الشهر الماضي. وقد رأى البعض ان زيارة كوشنير الى بغداد جاءت على خلفية هذا اللقاء فيما نفت الخارجية الفرنسية ذلك. وشكل المؤتمر الخامس عشر لسفراء فرنسا مناسبة لساركوزي لكي يعرض رؤيته الى العالم، فأكد على استمرارية السياسة الفرنسية المتبعة تجاه منطقة الشرق الاوسط مشيرا الى نظرة جديدة الى العالم المتعدد الاقطاب. وربط الرئيس الفرنسي بين النزاع الاسرائيلي - الفلسطيني والازمة اللبنانية والاوضاع في العراق، والملف النووي الايراني الذي رأى فيه انه الاخطر بين كل هذه الازمات التي تتغذى من بعضها البعض. واكد ان حل النزاع الاسرائيلي - الفلسطيني يكون بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، لكن الاولوية الآن هي لعمل الاسرة الدولية لإعادة بناء السلطة الفلسطينية تحت سلطة رئيسها محمود عباس، رافضا سيطرة حماس على قطاع غزة. وبالنسبة للعراق اكد صحة الموقف الذي اتخذه الرئيس السابق جاك شيراك الرافض للحرب الاحادية ولاحتلال هذا البلد، مشددا على ضرورة ان تلعب الاممالمتحدة دورا اكبر. واكد رفضه المطلق لحيازة ايران للسلاح النووي، مجددا القول إنه 'قبل قصف ايران او تركها تمتلك القنبلة النووية، يفضل ممارسة المفاوضات الضاغطة على ايران لحملها على التخلي عن برنامجها النووي'. ولكن صحيفة 'لوموند' اوردت السبت الماضي ان ساركوزي يستعد للعمل على فرض عقوبات خارج اطار الاممالمتحدة، وبالتنسيق مع الولاياتالمتحدة وبريطانيا، لإجبار طهران على وقف تخصيب اليورانيوم. القطع مع السياسة السابقة واذا ما صحت هذه المعلومات، فإنه يكون قد قطع مع السياسة الفرنسية المتبعة منذ اكثر من ربع قرن بل يكون قد اتخذ موقفا مغايرا للمبادئ التي اعلنها في خطابه في 27 اغسطس بالذات في معرض حديثه عن اهمية دور الاممالمتحدة في العراق، وانتقاده للسياسة الاحادية التي اتبعتها واشنطن هناك. وحتى الحديث الفرنسي عن العراق قد يفقد الكثير من مصداقيته في حالة كهذه، وقد يشير ربما الى ان حديث الوزير كوشنير عن ضرورة رحيل حكومة نوري المالكي يخفي تنسيقا فرنسيا اميركيا يعتبره المنتقدون انه لا ينبع من الحرص على مصلحة الشعب العراقي والتباكي على مأساته وانما يبحث كيفية مساعدة الحليف الجديد لساركوزي، اي جورج بوش، على الخروج من ورطته.. وذلك عبر الحديث عن دور اكبر للامم المتحدة. انتظار مناقشات الكونجرس : وهذا الكلام يصبح مشروعا عندما يعلم المرء ان الخارجية الفرنسية تنتظر النقاشات التي ستجري في واشنطن في ضوء ما يقوله اكبر مسؤولين اميركيين في بغداد هذا الشهر لتحديد موقفها من العراق، وذلك وفقا لما قاله ل 'القبس' احد المسؤولين عن رسم السياسة الفرنسية في الشرق الاوسط.