نقلا عن جريدة الدستور19/9/07 كعادة الدبلوماسيين عندما يرتكبون أخطاء فادحة اتهم وزير خارجية فرنسا بيرنار كوشنير الاعلام بالتلاعب في تصريحاته التي حرض فيها على شن حرب ضد ايران حيث انه قال للصحفيين في كلام مسجل ان «علينا ان نتوقع الأسوأ» فيما يخص الأزمة الايرانية. وعندما سئل: «وما هو الأسوأ» ، قال: «الحرب». أين التلاعب اذن؟ حسب منطق كوشنير لم يقل الوزير الفرنسي ان الحرب هي الأفضل بل الأسوأ ، ولأننا لا نظن ان أحداً ، حتى لو كان مجنوناً ، سيعتبر الحرب الخيار الافضل ، فان اعتباره الحرب ممكنة كخيار أسوأ ، في حديث معلن ، يمثل دعوة الى هذه الحرب كمخرج من المأزق الايراني. ورغم سعي رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون الى تلطيف التهديدات الحربية التي وجهها وزير خارجيته ، فان موقف فرنسا منذ جلوس نيكولا ساركوزي في قصر الايلزيه يتسم بالمحاباة لواشنطن خصوصاً بالنسبة للملفات المتعلقة بايران. وعندما سافر كوشنير الى الولاياتالمتحدة يوم امس فقد فعل ذلك باعتباره واحداً من رموز التشدد الغربي تجاه ايران ولن يجد بين «المحافظين الجدد» من يعنفه على تصريحاته بل سيتلقى التهاني في الغرف المغلقة. ومن يتابع موقف فرنسا منذ فوز ساركوزي يلاحظ أنها أصبحت تتبع موقفاً اكثر تشدداً تجاه ايران مما يعطي مصداقية لقول طهران ان كوشنير استخدم لغة اكثر اشتعالا وأقل منطقية. والملاحظ ايضا ان اميركا ذاتها لا تتحدث عن الحرب على ايران بهذه الطريقة ، بل توعز الى الصحف بالتلويح بامكانية استخدام القوة ، فيما يدق وزير خارجية فرنسا طبول الحرب كما لو كانت باريس ستحارب بالوكالة عن الولاياتالمتحدة. كنا نتمنى ان يكون صب الزيت على نار الحرب مع ايران هذه الايام جزءاً من ضغوط سياسية تسبق لقاء الخمسة الكبار غداً الجمعة لبحث الخطوة التالية في المسألة النووية الايرانية. غير ان صوت وزير الخارجية الفرنسية كان عالياً جداً عندما لم يتردد في الدعوة الى الاستعداد للحرب مع ايران بشأن برنامجها النووي ، ومطالبة كبريات الشركات الفرنسية مثل توتال ورينو الى بوقف صفقاتها مع ايران. ولا تكتفي فرنسا ساركوزي باستخدام لغة الحرب بل تسعى الى الحض عليها من الناحية العملية فقد سافر كوشنير الى موسكو مؤخراً لاقناعها بتصعيد موقفها ضد ايران . وذهبت بلاده الى حد القول انه اذا فشلت الاممالمتحدة في تبني عقوبات قوية على ايران فانها ستدعو الاتحاد الاوروبي الى فرض عقوبات من جانبه دون انتظار مجلس الامن وهو موقف قالت هولندا العضو في الاتحاد انها ستؤيده. وفيما كان كوشنير يزمجر من باريس كانت صحف لندن تؤكد ان بوش يريد ان يضع بلاده على طريق الحرب مع ايران قبل انتهاء ولايته وقد ذهبت «الصندي تايمز» الى حد القول ان كوندوليزا رايس التي كانت تتبنى الحل الدبلوماسي اصبحت تؤيد الحرب ضد ايران. كوشنير للانصاف ، لم يتجاوز سياسة زعيم الايليزيه ساركوزي الذي وصف الأزمة الايرانية النووية الشهر الماضي بأنها الأعظم في العصور الحديثة قائلا ان العالم أمام خيارين: اما قنبلة ايران النووية او ضرب طهران. لكن مسارعة مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي الى عقد مؤتمر صحفي على خلفية تصريحات كوشنير واطلاقه تحذيرات جديدة من مخاطر استخدام القوة ضد ايران اكبر دليل على قلقه من انجراف غير مسيطر عليه نحو حرب مع ايران وكما يعتقد مسؤولون دوليون يحاول البرادعي تبطئة ما يبدو انه زحف نحو الحرب ، وهو ما عبر عنه بالدعوة الى أخذ الدرس من العراق الذي دفع ثلاثة أرباع مليون عراقي حياتهم ثمناً لمجرد الاشتباه بأن بلادهم تملك اسلحة نووية. يدرك البرادعي خطورة الموقف الفرنسي وتحريضه الفج على ضرب ايران ، كما يدرك مدى استفادة واشنطن او مجانينها الجدد كما سمى محافظيها الجدد ، من ذلك الموقف اللامسؤول الذي عبر عنه يرنار كوشنير. نرجو ان تنحصر الأزمة في قضية تخصيب اليورانيوم ، لا ان تتوسع لتشمل غارات عبر الحدود على قاعدة «فجر» الايرانية التي تتوقع صحف بريطانية ان تبدأ الحرب من خلال مهاجمتها بحجة ان تلك القاعدة تنتج الغاماً وقذائف تستخدم ضد القوات الاميركية في العراق. اما الصحف الاميركية فتقول ان الولاياتالمتحدة ستبني قاعدة عسكرية في العراق على بعد خمسة اميال فقط من الحدود الايرانية ، ستكون مهمتها منع تسلل المقاتلين وتهريب الاسلحة الى العراق من ايران ولا شك ان خطوة كهذه ستسرع في حدوث استباقات حدودية قد تتطور الى حرب شاملة. لهذا كله جاءت تصريحات كوشنير لتلهب الموقف وتكشف عن رغبة حقيقية موجودة لدى دوائر غربية عديدة لشن حرب على ايران ، ستؤدي حسب توهمها ، الى تقليل الضغط على واشنطن بسب فشلها في حربيها على افغانستان والعراق. لكن عواقب الحرب على ايران ستكون بالتأكيد اكثر ضرراً من عواقب الحرب على العراق الذي يكاد يسبب الهزيمة لواشنطن دون ان يمتلك جيشاً ، فما بالك سيحدث مع ايران التي تملك الكثير من الاسلحة الحديثة والقدرة على تعطيل الملاحة في مضيق هرمز ومنع تصدير النفط من منطقة الخليج؟ نتمنى من الاصوات العاقلة في واشنطن وخاصة في مجلسي النواب والشيوخ السعي للجم دعاة الحرب ووقفهم عند حدهم قبل ان تنشب في المنطقة حرب جديدة ليس بطاقة أحد ان يتحمل نتائجها.