نشرت مؤسسة الصحافة الاستقصائية ومقرها لندن الثلاثاء تقرير سرى للحكومة الباكستانية يكشف لأول مرة تقييم حكومة اسلام اباد لنتائج حملة الطائرات بدون طيار التابعة لوكالة المخابرات المركزية . التقرير المكون من 12 صفحة، بعنوان "تفاصيل الهجمات التي تشنها قوات حلف شمال الاطلسي في المناطق القبلية" و فيه تفاصيل 75 ضربة جوية للطائرات بلا طيار التي وقعت بين عامي 2006 و 2009 ، و يؤكد التقرير ان الغارات ادت الى مقتل 746 شخصا، منهم 147 على الأقل من المدنيين، بما في ذلك 94 طفلا. التقرير يتحدى ادعاءات المسؤولين الامريكيين أن خسائر المدنيين لم تتعدى 50-60 شخصا من "غير المقاتلين" في غارات على مدى تسع سنوات من البرنامج و تتفق بيانات التقرير الحكومى الباكستانى مع بيانات مماثلة جمعتها مؤسسة أمريكا الجديدة، شهدت باكستان 96 غاراة بطائرات بدون طيار خلال السنوات الأربع الاخيرة وقتل خلالها 1004 شخصا، بينهم 191 من المدنيين و 151 لم تعرف هوياتهم. ومع فضح نتائج الغارات الامريكية اصبح من المستبعد أن يستمر البرنامج الأميركي للطائرات بدون طيار فى باكستان على حاله فترة طويلة، رغم النجاح الذي حققه بالنسبة لاهداف واشنطن ، فبعد أقل من أسبوع على انتخاب رئيس الوزراء الباكستاني الجديد نواز شريف في 11 مايو، أفادت بعض التقارير أنه أكد لحكومته "أن سياسة الاحتجاج ضد هجمات الطائرات بدون طيار لإرضاء الرأي العام، مع مواصلة العمل في الكواليس للمضي قدماً بضربات مماثلة ما عادت مقبولة". وفي مطلع عام 2012، ندد البرلمان الباكستاني بوضوح بهجمات الطائرات بدون طيار وطالب بوضع حد لها، لكن هذه الخطوة السيادية بالتأكيد أثارت الشكوك حول ادعاءات الولاياتالمتحدة المتكررة عن أن باكستان "توافق سراً" على حملة الطائرات بدون طيار، وفي الشهر المقبل، ستنتخب المجالس الإقليمية والوطنية رئيساً جديداً للبلاد سيكون على الأرجح موالياً لشريف. كذلك سيختار رئيس الوزراء قائداً جديداً للجيش؛ وعلى الأرجح لن يسير هؤلاء على خطى أسلافهم، ويمنحوا الجهود الأميركية الموسعة لمكافحة الإرهاب موافقتهم السرية. وستُضطر الولاياتالمتحدة إلى عقد صفقة جديدة بشأن الطائرات بدون طيار مع باكستان خلال السنوات المقبلة، صفقة تأخذ في الاعتبار مخاوف باكستان وأهدافها. وستواجه واشنطن بضوابط جديدة في عملياتها المناهضة للإرهاب ، و قد اصبح القادة الباكستانيون الحاليون والمستقبليون، بدءاً من نواز شريف، لا يملكون سبباً ليتورطوا في خطر استمرار ضربات الطائرات بدون طيار الأميركية. و على الرغم من تمتع شريف بأسس سياسية أكثر متانة من سلفه ، لكن كما أشار كبار قادته العسكريين، لا يستطيع أن يتفادى العاصفة السياسية التي ستنجم في حال تبيّن أن الولاياتالمتحدة تتجاهل سلطته. فلا شك أن إخفاق واشنطن في تبديل سياستها سيدفع إسلام أباد إلى تصعيد احتجاجاتها الدبلوماسية كم فعلت مؤخرا بتدويل القضية أمام المجتمع الدولي من خلال الأممالمتحدة. فهل تستطيع واشنطن وإسلام أباد التوصل إلى صفقة تعالج المخاوف الباكستانية من دون أن تحرم الولاياتالمتحدة من هذه الأداة التي تبيّن أنها أكثر فاعلية من أي أداة أخرى استعملتها في حربها ضد الإرهاب؟ يرى الخبراء ان العامل الهام و المؤثر امام عقد هذه الصفقة هو ايجاد طريقة تتيح للقادة الباكستانيين ترسيخ سلطتهم السيادية، مؤكدين بذلك مؤهلاتهم الوطنية لحلفائهم وخصومهم السياسيين على حد سواء، و سيكون هذا عبر منح واشنطن لإسلام أباد درجة تحكم أكبر في برنامج مكافحة الارهاب عبر الطائرات بدون طيار ، خصوصاً عند اختيار الأهداف. و يعني هذا القيام بما طالب به عدد من القادة الباكستانيين قبل سنوات: وهو وضع الطائرات بدون طيار تحت قيادة باكستانية، ولكن نظراً إلى طبيعة تكنولوجيا هذه الطائرات العالية الحساسية، فضلاً عن واقع أن المسؤولين الأميركيين لا يثقون بقدرة نظرائهم الباكستانيين على نشر الطائرات بطريقة فاعلة للتخلص من كبار القادة الإرهابيين، يبقى هذا الحل مستبعداً في المستقبل القريب. هناك أيضاً خيار إنشاء سلطة "مزدوجة" على المستوى العملي، ربما من خلال إبلاغ المسؤولين الباكستانيين في الحال أن الطائرات بدون طيار تشن غارة وبتطبيق آلية يرضى بها الطرفان تتيح لإسلام أباد وقف أي عملية أو على الأقل طرحها على المسؤولين في وقت ملائم. إلا أن المسؤولين الأميركيين سيخشون حصول المسؤولين الباكستانيين على الكثير من المعلومات عن هذا البرنامج وقدراته. ولكن إن تحسنت الثقة السياسية بين البلدين بمرور الوقت، فقد يشكّل نموذج التعاون هذا حلاً جيداً. لكن فى العموم نجد ان المسؤولين في واشنطن أحكم من أن يدعوا العلاقات مع باكستان تتدهور ، فباكستان المسلحة نوويّاً، و رابع أكبر بلد في العالم من حيث عدد السكان ، قوة اساسية فى منطقة وسط اسيا لذا من الضروري أن تتعلم واشنطن التفاوض معها و الوصول الى صيغة تضمن لكلا البلدين ان يظلا حلفاء .