تابع المصريون بعد منتصف ليلة امس خطاب الرئيس مرسى الى الامة وهو خطاب طال انتظاره من كل فئات الشعب المصرية سواء المؤيدين له او المعارضين، و حتى من لا يهتم. فالمعارضون انتظروا ان يكون خطاب الوداع الذى يحمل فى طيه اعلان الرئيس انصياعه باى طريقة كانت لرغبة الحشود الهائلة التى ملئت شوارع مصر مطالبة برحيله او على اقل تقدير اعلان اجراء انتخابات مبكرة للرئاسة . و المؤيدون كانوا فى انتظاره بشوق لعدة اسباب على رأسها توارد الاشاعات انه قيد الاقامة الجبرية بدار الحرس الجمهورى وان الجيش يفرض عليه طوقا مشددا ، فكان الخطاب واذاعته بمثابة اعلان عن صموده وانه لايقف وظهره الى الحائط .. و بالفعل اذاعة الخطاب تعنى ان الحرس الجمهورى مازال فى قبضة الرئيس و ينصاع لاوامره وفقا لما اقره الدستور وان مبنى ماسبيرو مازال فى حوطة الرئاسة ... اما من لا يهتم فقد كان فى شوق ليعلم الى اى مدى ستصل الامور هل سيستسلم الرئيس ام سيقاوم ووفقا لسلوك الرئيس سيتحدد الوضع فى البلاد خلال الساعات الاربع والعشرون القادمة خاصة وان الوضع في مصر يتغير من ساعة لاخرى. ووفقا لما جاء فى خطاب الرئيس محمد مرسى، تقلصت السيناريوهات المحتملة للواقع المستقبلى فى مصر، و على رأس هذه السيناريوهات هو امكانية تركه للسلطه طواعية ... وبالطبع كانت استقالة مرسي او قبوله للانتخابات المبكرة هو ما كان سيرضي المعارضة، و هو التحرك الوحيد الذى تراه هذه المعارضة قادر على تهدئة ميدان التحرير وغيره من الميادين فى مصر . ولكن جاء خطاب الرئيس ليرفض هذا التحرك و يبدى المزيد من الاصرار على اتمام مهمته والبقاء بمنصبه وفقا للشرعية، وقادرا على الحفاظ على هذه الشرعية رافضا ان يخرج من منصبه او يستقيل طوعا، واشار الرئيس مرسى فى خطابه انه مسلحا بملايين من مؤيديه الذين نزلوا للشوارع للتعبير عن تمسكهم به رئيسا للبلاد . و على عكس المنتظر لم يكن الخطاب عاطفيا يحاول من خلاله الرئيس استمالة الجماهير او ارضاء الشارع لكنه بدا مصمما على شىء واحد فقط وهو التمسك بالشرعية لدرجة افصاحه انه مستعد للتضحية بنفسه و بدمه دون ان يفرط فى هذا الامر . و فى كلمات واضحة حرص على ان تبدو حاسمة استطاع الرئيس ان يقول لمعارضيه ويبلغهم الرسالة بانه مستمر وماض فى طريقه وفقا لقوة الشرعية الدستورية والانتخابية، وفى كلمات مستترة و لكنها موحية استطاع ان يقول للجميع ان الخروج عن الشرعية انقلاب على الدستور والسلطة له مخاطره يدخل البلاد الى نفق مظلم و يقودها الى دائرة من العنف .. و هنا نتوقف قليلا لنشير الى ان الرئيس حرص على التأكيد مرارا و تكرارا على اهمية نبذ العنف و الامتناع عن احداث قلاقل قد تكون نهايتها بحور الدماء و هو ان صح التعبير قد يكون تحذيرا شديد اللهجة لكل من تسول له نفسه للعب بمقدرات مصر وشعبها سواء بالداخل او الخارج . الان بعد ان اصبح السيناريو الاول غير صالحا على ارض الواقع بعد خطاب الرئيس ، اصبحت الكرة الان فى ملعب الجيش وقادته حيث خيرهم الرئيس ضمن من خاطبهم بين الخروج عن الشرعية والانقلاب عليها بما سيتتبعه هذا من دخول البلاد الى نفق مظلم، وبين لعب دور محايد ووطنى بالوساطة مع المعارضة على بنود المبادرة التى عرضها فى خطابه و تتلخص فى تعديل الدستور وحكومة انتقالية تشرف على انتخابات نيابية نزيهة شفافة ويمكن ان تكون هناك مهلة ستة اشهر لكى يتاح للاحزاب التحضير لها مع تأسيس لجنة موسعة للتحضير لمؤتمر مصالحة وطنية . المهلة التي حددتها القوات المسلحة ليصل كلا من الجانبين مؤسسة الرئاسة و المعارضة لصيغة تفاهمية تخرج البلاد من مأزقها السياسى الحالى على وشك الانتهاء.. و مع مرور الوقت يبدو ان الجيش سيكون صاحب القرار بما يحمله هذا على عاتقه من مسئولية كبرى لانقاذ هذا الوطن من الانهيار والدخول فى دوامة من العنف والعنف المضاد اذا ماقدر الله وساءت الامور .. فماذا يمكن ان يفعل الجيش بعد انتهاء المهلة، لا احد يعلم حتى الان ما يمكن ان تؤول اليه الامور ولكن التسريبات الصحفية التى نشرتها وكالة رويترز للانباء نقلا عن مصادر عسكرية تشير الى ان الجيش لديه خططا لازاحة الرئيس محمد مرسي جانبا وتعليق الدستور اذا فشل في التوصل الى اتفاق لتقاسم السلطة مع خصومه . وقالت تلك المصادر انه بمجرد انتهاء المهلة التي حددها قائد عام القوت المسلحة والتى تنتهي في الساعة 5 مساء (11:00 بتوقيت جرينتش) اليوم الاربعاء، فان الجيش سيعمل على تأسيس مجلس مؤقت يتكون أساسا من المدنيين من مختلف المجموعات السياسية والتكنوقراط من ذوي الخبرة، لادارة البلاد حتى اجراء التعديلات الدستورية واقرارها في غضون أشهر. وأضافت المصادر أن بعد تعديل الدستور سيتم عقد انتخابات رئاسية جديدة، لكن ستتأجل الانتخابات البرلمانية حتى يتم وضع قانون انتخابى تجرى وفقا له الانتخابات . المصادر رفضت الافصاح عن الاجراءات التى ستتبع فى حالة رفض الرئيس مرسى الخروج بهدوء ، خاصة فى الوقت الذى رفضت فيه مؤسسة الرئاسة الانذار العسكرى وأكدت ان الرئيس سيستمر في مواصلة مهامه . ماذا لو صدقت هذه المخططات؟! فان السيناريو القادم سيبدو قاتما خاصة فى ظل تمسك الرئيس بمنصبه ورفضه لاجراء انتخابات مبكرة ، وفى ظل الحماسة المشتعلة فى كل ميادين مصر التى لن ترضى سوى بازاحة الرئيس او على الاقل اجراء انتخابات مبكرة ، فيما سنجد على الجانب الاخر الاسلاميين الذين يؤيدون الرئيس ويتمسكون بالشرعية ويلوحون بالعنف كبديل قائم اذا تم تنحية الرئيس و الغاء الشرعية ..