بالتأكيد لم يتم حتى الآن الكشف عن تفاصيل مجريات الإفراج عن الجنود السبعة الذين اختطفوا في شمال سيناء على مدى ستة أيام بأيدي إرهابيين وبلطجية, وبالتأكيد لن يتم الكشف عنها الآن, إلا أن ما أتوق إلى معرفته هو تكلفة هذه العملية من حيث تحريك قوات عسكرية بهذا الحجم, وقوات أمن بهذا الانتشار, وتأثر قطاع السياحة في ربوع مصر ككل, وتوقف حركة العمل والإنتاج هناك في سيناء, أضف إلى ذلك الحالة النفسية التي عاشتها الأمة المصرية طوال هذه الفترة, وسمعتها دوليا, وما سوف يترتب على ذلك في ترتيبها بالمؤشرات المختلفة: الأمنية والاقتصادية والسياحية. وبالوقوف على هذه التفاصيل; يمكن أن نعرف حجم الضرر الذي يمكن أن يلحق بمصر وشعبها على أيدى حفنة من البلطجية وتجار المخدرات والسلاح, بل العملاء في بعض الأحيان, وبالوقوف على التفاصيل أيضا, يمكن أن نعي مخاطر ذلك الميراث من الإهمال لبقعة كان يمكن أن تكون سلة غذاء الدولة المصرية, بل رصيدها الاستراتيجي الذي لا ينضب من المواد الخام: التعدينية والنفطية. وأيا كان ثمن صفقة الإفراج عن الجنود, فإن الأزمة برمتها قد وضعتنا أمام مسئولية كبيرة, ليس أمامنا سوى أن نتحملها بكل أمانة ودون تردد, وهي تلك المتعلقة بتنمية سيناء من جهة, ومحاربة الإرهاب والخروج على القانون من جهة أخرى, وذلك لأن أي عاقل لا يمكن أن يقبل بهذا الوضع المتردي في سيناء على كل المستويات, كما أن أي مواطن لن يقبل باغتيال جنود آمنين لم يتم الكشف عن قاتليهم حتى الآن, أو اختطاف آخرين مسالمين لم يتم القبض على خاطفيهم, مما يجعل من سيناء وجماعات الإرهاب هناك لغزا لابد من تفسيره بشفافية ووضوح. وللحق.. فقد كنت أتمنى أن أسمع خبر اعتقال الجناة مختطفي الجنود, أو سحقهم تحت عجلات مجنزرات الجيش, واجتثاث من يدعمهم ويقف خلفهم, وهم أيضا معلومون للأجهزة الأمنية لدينا, إلا أننا لا نريد أن نفسد فرحة الشعب بعد كابوس الأيام الستة التي عاشها مع هذه الأزمة, ولكن من حقنا أن نظل نتعلق بهذا الأمل, خاصة بعد أن أعلن الرئيس محمد مرسي أن عمليات انتشار الجيش لن تنتهي قبل تحقيق الأمن والاستقرار. لقد أدركت القوات المسلحة, منذ اللحظة الأولى, أنها ربما تكون المستهدفة من مثل هذه العمليات, وذلك بجرها إلى أتون مستنقعات المواجهة مع مدنيين, بعد أن تحلت برباط الجأش على مدى أكثر من عامين مضيا, دون أن تنزلق إلى مثل هذه الأعمال, إلا أنها الآن, وبوجودها في بؤرة الحدث وبعيدا عن الضغط الشعبي والنفسي, يمكن أن تحقق الأمن والاستقرار هناك بتكلفة أقل, وخاصة إذا حصلت على تصريح واضح من القيادة السياسية بذلك, وهو ما نأمله. وإذا كان هناك من يراهن على أن الأقاليم المصرية, بصفة عامة, بمنأى عن الإرهاب في سيناء, أو عن تكدس السلاح بأيدي متطرفين هناك; فهو رهان خاطئ, وإذا كان هناك من يعتقد أن أيديولوجية بعض الإرهابيين في سيناء هي أقرب إلى الأيديولوجيات الموجودة بصفة رسمية على الساحة السياسية, وهذا هو سر تماديها; فهو اعتقاد يجب دحضه, وإذا كان هناك من يتصور أن هؤلاء هم بمثابة رصيد استراتيجي لأولئك; فهو أيضا تصور مبالغ فيه, وذلك لأن هذه الجماعات التي تعمل في سيناء تحت أي مسميات قد تم اختراقها مبكرا لحساب أجهزة مخابراتية أجنبية متعددة من المنطقة وخارجها, وليس أدل على ذلك من حجم الأموال بالعملة الصعبة التي يتم إنفاقها على شراء السلاح هناك, وعلى العمليات الإرهابية التي يتم تنفيذها, وعلى تجارة المخدرات التي لا يمكن أن تكون بهذا الحجم إلا من خلال تعاون أجهزة دولية.. ومن هنا فإن مصر الدولة هي المستهدفة وليست سيناء فقط, وجيش مصر هو المستهدف وليس بضعة جنود, وهيبة مصر هي الهدف وليس أفرادا بأعينهم, مما يجعلنا أمام قضية خطيرة ومتشعبة وليست مجرد مجموعة من المجرمين أو البلطجية, أو حتى الإرهابيين. وبالتأكيد.. سوف نقدر حرص رئيس الدولة على عدم إراقة دماء على أرض سيناء, إلا أن أحدا لا يضمن عدم تكرار هذه الأعمال الإرهابية مرة أخرى, وهو ما يستوجب وقفة حاسمة أيا كانت تكلفتها, وبالتأكيد سوف نقدر حرص قواتنا المسلحة على عدم الانجرار إلى مواقف تفرض عليها, إلا أن أحدا لا يقبل استمرار الجناة في عملية اختطاف الجنود مطلقي السراح دون عقاب, وليس سرا أن حوادث اختطاف في صفوف الشرطة حدثت قبل ذلك ولم يتم الإعلان عنها, كما ليس سرا أن قوى الأمن المختلفة يتم استهدافها هناك بصفة شبه يومية ولم تتم مواجهة الموقف كما يجب, كما ليس سرا أن مفاوضات سابقة عديدة حدثت مع إرهابيين في مواقف مشابهة للأزمة التي نحن بصددها وقد تحققت مطالبهم, وهو ما جعلها قابلة للتكرار.. ومن هنا فإننا أمام سلسلة من الانتهاكات لهيبة الدولة آن لها أن تتوقف, مع الأخذ في الاعتبار أن الإرهاب أو عمليات الإرهاب لا تتعلق بساعة أو لحظة تنفيذها وإنما بساعة أو لحظة الدعم اللفظي والمعنوي لها, وهو ما نراه الآن في صور وأشكال عديدة عبر ميكروفونات وأقلام يجب التوقف أمامها ومواجهتها بقوة, وإلا فإننا كمن يحرث في الهواء! ورغم ما قيل وأشيع عن خلافات وأزمات بين سلطات الدولة المختلفة طيلة أيام الأزمة, فإنني أستطيع الجزم بأن هذه الأزمة كانت بمثابة الحدث الأبرز الذي التفت حوله قوى الشعب بمختلف انتماءاتها السياسية, وأجهزة الدولة الرسمية على اختلاف مشاربها, وهو ما جعل الرئيس محمد مرسي خلال استقباله الجنود يؤكد هذا المعنى وعدة معان أخرى, من خلال عدة نقاط أراها تمثل بداية عهد وعقد جديدين في علاقاتنا الداخلية, إذا خلصت النيات, وهي حسبما جاء نصا في خطابه, على النحو التالي: ما حدث فرصة جيدة لنثبت للعالم وحدتنا من أجل أمن وتقدم بلادنا. هذه العملية تمثل توطيدا لوحدة الوطن ووحدة القيادة وتكامل الأدوات. أدعو جميع أبناء الوطن إلى الانطلاق في منظومة واحدة, ونحب بعضنا بعضا وننطلق للأمام. للوطن قيادة منتخبة, ولدينا الآن فرصة كبيرة لتحقيق الاستقرار. أمامنا الكثير من الأشواك, ولكننا قادرون على تخطيها وتحقيق هدفنا. القوات المسلحة ورجالها حموا الثورة, ومازالوا يحمون الوطن. أدعو الجميع, أغلبية ومعارضة, إلى تغليب مصلحة الوطن, فهيا بنا نتحاور ونختلف ونتناقش. نحن اليوم انبعثنا من جديد بهذه القيادة العظيمة لتحقيق نهضة كبرى. من له حق سيأخذه, ولكن ليس بالسلاح والإجرام. نحن مستمرون في أدائنا المتميز, ومعارضتنا في أعيننا, ونحن ذاهبون إلى بر الأمان. هذا الحادث فرصة كبيرة ليرانا الجميع جسرا واحدا. أدعو أبناء سيناء ممن لديهم سلاح إلى تسليمه, فالسلاح لابد أن يكون مع السلطة فقط. نحن قادرون على تحقيق أمن واستقرار أبناء سيناء, والقانون فوق الجميع, والوطن فوقنا جميعا. نسعى إلى إقامة دولة مستقرة, وسيناء في القلب منها. ولذلك فقد أرى في هذه النقاط فرصة تاريخية لالتقاء كل القوى, حيث يمكن الالتفاف حولها وصياغتها من جديد في صورة وثيقة رسمية سوف يصفق لها الشعب, إلا أن ما لا يمكن قبوله هو أن نتحدث بهذا الخطاب الوطني الجاد في مناسبة جعلنا الشكوك تحوم حولها من كل الزوايا, فلن يكون مقبولا أبدا أن تكون هناك اتفاقات غير معلنة أو صفقة سرية في عملية الإفراج عن الجنود, وذلك لأن الطرف الآخر هنا هو البلطجة والإرهاب, وإذا كنا قد رأينا في عودة الجنود سالمين انتصارا لدبلوماسية الحوار فهو في هذه الحالة انتصار بطعم الهزيمة, أما إذا كانت هذه مجرد تكهنات, فيجب أن تكون الردود عليها دامغة وقوية, وذلك بالإعلان عن تفاصيل الأيام الستة بشفافية كاملة, فلم يعد هناك سر في عالم اليوم, بل لم يعد هناك من يمكن أن يقبل ذلك في ظل التطورات الجديدة في مجتمعنا, وقبل كل ذلك لا يمكن القبول بإرساء مبدأ الحصول على حقوق أو مميزات عن طريق الخطف, والتهديد, والوعيد, وابتزاز الدولة, والنيل من هيبتها. بالفعل.. كان الخطاب الرسمي عقب الإفراج عن الجنود حماسيا, إلا أنه لم يكن مقنعا, حيث لم يجب بشفافية عن تساؤلات العامة, فما بالنا بالخاصة منها؟!, وهو الأمر الذي فتح باب الاستنتاجات واسعا لدرجة يصعب التعامل معها الآن, إلا أن ما يمكن أن يقطع دابر كل هذه الشائعات والتكهنات, هو الإصرار على اعتقال خاطفي الجنود وتقديمهم إلي محاكمة سريعة وعادلة, وهو ما لم يكن واضحا أيضا في الخطاب الرسمي في اليوم الأول إلى أن تم تداركه أمس بالتصريحات الجديدة للرئيس, والأهم من ذلك هو ضمان عدم تكرار مثل هذه الممارسات الإرهابية مستقبلا, ولن يتأتى ذلك إلا بمواجهة شاملة مع الإرهابيين وحملة السلاح على كل شبر من أرض مصر, وهو ما ليس مؤكدا أيضا حتى الآن, وبالتالي فإننا يمكن أن ندور في حلقة مفرغة من الأزمات التي لن تنتهي بمجرد التهديد والوعيد, ما لم يقابل ذلك فعل على أرض الواقع يتناسب مع حجم الحدث, مهما تكن التكلفة المادية والبشرية, مع الأخذ في الاعتبار أن أي مشروعات تنمية, أو استقرار, أو جذب رءوس أموال, لن يكتب لها النجاح إذا استمرت هذه الأوضاع, وبالتالي فمن المنطقي أن نحدد أولوياتنا, التي يجب أن تبدأ بفرض الأمن في المقام الأول. وفي هذا الصدد.. تجدر الإشارة إلى أن قواتنا المسلحة ربما كانت أدرى بشعاب ودروب شبه جزيرة سيناء من أهلها القاطنين بها, وربما كانت أدرى بخيراتها وثرواتها من كل أجهزة الدولة المتخصصة في هذا الشأن, وربما كانت أدرى بالأطماع الخارجية فيها من المحللين والمتحذلقين, وهو الأمر الذي يتوجب معه إسناد أمر هذه البقعة من بر مصر إلى هذه القوات أمنيا واقتصاديا واجتماعيا, إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا, بتنميتها بشريا في المقام الأول, وبعد ذلك لكل حادث حديث, وخاصة أننا قد عهدنا في القوات المسلحة المصرية الحزم, والحسم, والقدرة على اتخاذ القرار, والأهم من ذلك سرعة التعامل مع الحدث, وهي الأمور التي تفتقدها الأرض السيناوية الآن, كما عهدنا فيها أيضا نجاحات مشهودة في المجال الاقتصادي, وإدارة الأعمال, والاستثمار, وتنمية المشروعات, وذلك بحكم توافر كوادر في صفوفها في كل هذه المجالات, فلماذا الإصرار إذن على التخبط, والتشتت, وتضارب الاختصاصات, مما جعلها تزداد فقرا, وبطالة, وانفلاتا بلغ درجة الإرهاب والتسلح؟! أمر الدولة المصرية أيها السادة لم يعد يحتمل أنصاف الحلول, فما بالنا إذا تعلق الأمر بسيناء؟!.. وأمر السلاح بأيدي الخارجين على القانون لم يعد يحتمل التخاذل, فما بالنا إذا تعلق بأسلحة ثقيلة في سيناء؟!.. وأمر الاقتصاد المصري المهترئ لم يعد يحتمل العبث, فما بالنا إذا كان الحل في سيناء؟!.. وأمر السياحة المصرية لم يعد يحتمل التراجع, فما بالنا إذا كانت الانطلاقة في سيناء؟!.. وأمر البطالة في مصر أصبح قنبلة موقوتة, فما بالنا إذا كانت سيناء هي الملاذ؟!.. وأمر الصناعة المصرية أصبح في خبر كان, فما بالنا إذا كان الأمل في سيناء؟!.. وعلى الرغم من ذلك, فقد أصبحت سيناء, وعلى مدى ثلاثة عقود من استردادها كاملة من أيدي المحتل, نموذجا لإهمال الدولة, وفشل الإدارة, ومن ثم فقد خسرت مصر كلها حكومة وشعبا, ومن العبث أن نتصور أن الخسارة قد طالت سيناء وأهلها فقط. على أي حال.. إذا كانت العملية الإرهابية الأخيرة, والمتمثلة في اختطاف الجنود العزل, قد نزلت كالصاعقة على قلب كل مواطن داخل وخارج مصر, فقد كانت في الوقت نفسه بمثابة استفتاء على سيناء, تجمعت حوله كل الأفئدة, والدعوات, والصلوات, وقد تكون جرس الإنذار الذي يجب أن تتحرك معه كل أجهزة الدولة, لوضع هذه البقعة المباركة في صدارة الاهتمام, فهي التي ارتوت بدماء زكية على امتداد تاريخها الطويل, وهي التي سطرت فصولا من أمجاد وبطولات هذا الشعب الصابر المثابر, وقد آن الأوان لأن تحصل على الاهتمام الذي يليق بها, والذي يثبت أننا نستحقها, وكفى تدليلا لمن يدعون ملكيتها, فالدماء التي سالت هناك كانت لمن يحملون الجنسية المصرية من أقصى البلاد إلى أقصاها, والزوجات اللاتي ترملن, والأمهات الثكالى, والأطفال الذين يتموا هم أولى الناس بسيناء, وكفي مزايدات, وكفانا طبطبة و دلعا, حتى لا يمتد ميراث الإهمال إلى سنوات أخرى مقبلة, وحين ذلك لن ينفع الندم, حيث لن نستطيع حينذاك التفاخر بأي انتصارات, حتى لو كانت بطعم الهزيمة! ثورة الغضب..! بداية غير مبشرة لصيف لم يبدأ بعد مع الكهرباء, التي بدت وكأنها القشة التي يمكن أن تقصم ظهر البعير, فقد اعتاد الناس ارتفاع الأسعار يوما تلو الآخر, حتى فقدت الرواتب 25% على الأقل من قيمتها خلال العامين الماضيين دون رد فعل منفلت, اللهم إلا التململ والتذمر والاحتقان. ومع ما هو منتظر من كوبونات للخبز, وأخرى للبنزين, وثالثة للسولار, ورابعة للغاز, وارتفاع أسعار الكهرباء والمياه اللتين يمكن أن تطولهما أيضا بطاقات من أي نوع, لن يستطيع المواطن اعتياد هذه الأمور بالتأكيد, وهو يرى العالم من حوله ينطلق إلى حياة معيشية أكثر يسرا, في الوقت الذي أصبحت فيه مثل هذه البطاقات والكوبونات من الماضي حتى في الدول الشيوعية, أو التي كانت. ومن هنا.. فنحن على أبواب اختبارات للدولة مع المواطن أرى أن عواقبها ليست محسوبة بالقدر الكافي, وهو ما يجعلنا ننبه بصدق وأمانة إلى خطورة ذلك في المستقبل القريب, وقد ظهرت أولى بوادره مع الكهرباء التي لم يتحمل الناس أزماتها اليومية, فراحوا يقطعون الطرق هنا, ويؤسسون لموجات من الاحتجاج هناك, وما هي إلا البداية. فالشارع قد لا يبالي بدستور من أي نوع, أو بقانون للسلطة القضائية بأي شكل, أو بلوائح مراكز شبابية على أي وجه, إلا أن تلك المتعلقة بأموره الحياتية اليومية سوف تظل تمثل خطا أحمر, أيا كانت المبررات التي تسوقها الدولة, ولنا في أحداث 18 و19 يناير 1977 العبرة, حيث لم يتحمل المواطن حينذاك المساس بهذه المتطلبات, فراح يحرق, ويدمر, وينهب, وإذا كان ذلك الغضب قد تراجع مع تراجع الدولة عن قراراتها, فإن الوضع الآن يختلف كثيرا عن سابقه, مع وجود نافخي الكير على جميع المستويات. أعتقد أن الدولة مازالت أمامها الفرصة لكي تعيد النظر في أمور كثيرة من المنتظر أن تكون بمثابة الوقود الذي يشعل المجتمع من أقصاه إلى أقصاه, وقد كان في حديث رئيس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد رسالة مهمة إلى حد كبير للتجربة المصرية حينما أكد رفض بلاده في الماضي, وتحديدا في بداية نهضتها الاقتصادية, نصائح وشروط صندوق النقد الدولي, على اعتبار أنها لا تخدم مصالح مواطنيه, وهو ما ينطبق على تجربتنا المصرية التي عانت طويلا مثل هذه الشروط. بالتأكيد.. الشارع لا يعول على نهضة اقتصادية بين ليلة وضحاها, أو حياة معيشية رغدة في زمن قياسي, إلا أنه في الوقت نفسه سوف يضيق ذرعا بأي إجراءات من شأنها التضييق على حياته أكثر من ذلك, فالحياة قاسية بما فيه الكفاية, وإلا لما ارتفعت نسبة الفقر خلال العامين الماضيين مقارنة بالأعوام السابقة, فلم تفلح الديمقراطية في سد رمق الجوعى, كما لم تستطع الحريات ملء البطون الخاوية. ومن هنا.. فنحن مطالبون الآن بالبحث عن بدائل غير تقليدية للخروج من هذا النفق المظلم, وذلك بتكافل حقيقي يحقق العدالة الاجتماعية دون المساس بالشريحة العظمى من الشعب التي تقتات بالكاد, وذلك بتنظيم استخدام زكاة المال والحث عليها من جهة, وسرعة الخروج إلى الصحراء وتعميرها من جهة أخرى, والانفتاح على العالم من جهة ثالثة, وقبل كل ذلك إصلاح ذات البين, حتى يمكن أن ينضوي الجميع تحت مظلة عمل واحدة هدفها الأول والأخير هو الوطن والمواطن. فمن المسلمات أن يشعر أصحاب رءوس الأموال بأنهم شركاء في إدارة شئون المجتمع, وفي صناعة القرار فيه, وفي تقرير مصيرهم, أما إذا استمرت حالة التوجس والخوف مع انقسام المجتمع إلى فصائل متنافرة, فأعتقد أن حالة الغضب سوف تستمر, ومع ما هو منتظر من قرارات لم يألفها الشعب من قبل, فإن حالة الغضب هذه قد تتحول إلى ثورة غضب!. اللهم قد بلغت.. اللهم فاشهد. نقلا عن جريدة الأهرام