مازلنا نواصل حوارنا مع الفنان الدكتور نزيه رزق، وكنا قد تحدثنا في الجزء الأول عن قصة تعرضه لفقد البصر وهو في المرحلة الثانوية ثم بداية مشواره مع التصوير الفوتوغرافي وسفره للولايات المتحدة واستقراره بها، وتوقفنا عند قصة زواجه، وكان السؤال: س- عندما اخترت زوجتك في 1992 كنت كفيفا، فهل استخدمت نظرية تكنولوجيا الحواس هذه في رسم صورة للمرأة التي تريد أن تتزوجها..كيف حدثت قصة زواجك؟ * إختياري لزوجتي جاء بالصدفة، والقصة بدأت عندما كنت معزوما على العشاء عند إحدى الأسر الصديقة، والتي اعرفها من مصر، في منزلهم بأمريكا، وكانت زوجتي وقتها صديقة ايضا لهذه الأسرة التي يقع بيت أسرتها مجاورا لبيتهم، وكنا نتحدث وكنت أنا أسخر من بعض المواقف والمشاكل التي تواجه الإنسان الكفيف ويتعرض لها، فاندهشت من هذا الكفيف الذي يضحك ويسرد الدعابات على من لا يرون مثله، فأخذت زوجة صديقي جانبا وسألتها بدهشة، ألا تخجلون وأنتم تضحكون على المكفوفين أم رجل لا يرى!، فقالت لها زوجة صديقي:" أنت ما تعرفيش نزيه، هو لا يعتبر نفسه كفيف، ونحن نعرفه من عمر طويل، وهو يسخر من المواقف الفكاهية المضحكة التي تواجه المكفوفين أثناء احتكاكهم بالحياة اليومية"، ويستكمل نزيه حديثه، فمثلا عندما يسأل كفيف شخصا عن مكان أو عنوان ما، وتجد هذا الشخص يقوم بالإشارة بيده في وصف هذا المكان، ألا يرى هذا المبصر أن الشخص الذي أمامه كفيفا، إذا هذا الشخص هو الكفيف، وهكذا، فأنا أحول الفكاهة على الشخص الآخر وليس على كف البصر، فأنا أعتبر الإعاقة شئ عادي، كما لا أعتبر نفسي أني لا أرى. س- نعود لقصة الزواج؟ * نعم، استطاعت زوجتي أن تدرك أنني لا أعترف بأني أعمى، كما أنني لست عاجزا أحتاج لمن يقودني، بل على العكس أنا قادر على مساعدة المبصرين بل وقيادتهم، وفعلا خلال الفترة التي اقتربنا فيها من بعض استطعت أن أصفها وأن أكتشف طبيعة شخصيتها، فلم تشعر يوما أني لا أرى، وكنت أحيانا عندما نريد الذهاب لمكان ما هي لا تعرفه، كنت أنا الذي أصف لها طريق الذهاب واقودها إليه، واقول لها من عند الشارع الفلاني ادخلي يمينا، وسيقابلك على اليسار مبنى كذا ادخلي بجواره وهكذا حتى نصل للمكان، وأذكر قصة حدثت، عندما كنا ذات مرة متوجهين إلى لوس أنجلوس، وكنا نقيم في مدينة تبعد عنها حوالي مائة كيلو تسمى لوما ليندا، فبعد ما وصلنا لوس أنجلوس قلت لها: اعملي حسابك بعد شارعين سندخل يمينا، وكانت هي قد تجاوزت الشارعين،فقلت لها أننا تجاوزنا الشارعين، فقالت لي لا، فطلبت منها أن تقرأ لي اسم الشارع التالي، فلما قرأته أدركت أننا فعلا تجاوزنا الشارعين، وصدقتني وهي شبه مندهشة، ولكن هذا يرجع إلى أنني دائما اشغل حواسي وأجعلها نشطة ومتيقظة دائما. س- ولكن الا يسبب لك ذلك، بأن تجعل حواسك دائما مستعدة ونتبهة، مشقة أو تعب ..ألا يصيبك ذلك بالإرهاق؟ * إذا قمت بتدريب حواسك باستمرار على أن تظل يقظة ومنتبهة، فإنه مع مرور الوقت وطول المدة ومواصلة التدريب يصبح الأمر عاديا ولا يسبب أي إجهاد. س- كيف ترى ابنتك سوزان ذات ال تسعة عشر عاما أباها؟ * إبنتي سوزان ترى والدها إنساناً طبيعيا إستطاع أن يحطم عجز الظلام، واستطاع أن يثبت للمحيطين به، أنه لا يوجد عجز جسدي يمكن أن يعوق صاحبه، لأن العجز يتمثل في طريقة التفكير بأن يشعرك المجتمع الذي تعيش فيه أنك إنسان ذو إعاقة، والعجز أيضا في الحياة الروحية للشخص، فإذا اقتنع الإنسان ورضي بما أعطاه له ربه، فقد تخطى حاجز إعاقته، ولأن العجز الجسدي يمكن التغلب عليه والتعامل معه سواء طبيا أو بصفاء الإنسان مع نفسه وذاته.