نقلا عن الاهرام9/10/07 لا يعرف كثير من شبان مصر وشاباتها عن حرب أكتوبر1973 الكثير بعضهم لا يعرف أكثر من أن قواتنا المسلحة حققت فيها النصر علي إسرائيل. ولكن بعضهم تربكه البلبلة التي تنتج عن محاولات التقليل من أهمية تلك الحرب وآثارها الاستراتيجية. وهذه محاولات لم تتوقف علي مدي34 عاما, بدءا بالجدل المصنوع حول ما إذا كانت حرب تحرير أم تحريك, ووصولا إلي الادعاء بأن حرب صيف2006 هي الأولي التي هزمت فيها إسرائيل بالرغم من أن من يقولون أنهم حققوا فيها' النصر الإلهي' لم يقدموا للبنانيين أي حماية في مواجهة اعتداء إجرامي لمدة33 يوما. وأننا إذ نعبر مجددا, عن تقديرنا لصمود مقاتلي حزب الله في تلك الحرب ولا نبخسهم حقهم في الإشادة ببطولاتهم لا نجد في ذلك تعارضا مع إعادة تأكيد حقيقة أن حرب1973 كانت هي الأولي التي حطمت فيها أسطورة جيش كان يقال عنه إنه لا يقهر. ومازالت هي الأهم من هذه الزاوية في مسار الصراع العربي- الإسرائيلي, الذي يبدو الآن أنه في طريقه لأن يتحول إلي تاريخ ضمن التحولات الواسعة التي تشهدها المنطقة في مرحلتنا الراهنة. وهذا هو ما يصح أن ننتبه إليه في الذكري الرابعة والثلاثين لحرب أكتوبر, ونثير بمناسبته سؤالا افتراضيا بسيطا ربما لم نشعر بأهمية طرحه من قبل, وهو: بافتراض أن حرب أكتوبر لم تقع, أو لم تحقق قواتنا المسلحة ملتحمة بشعبنا النصر فيها, ولم تدرك إسرائيل بالتالي استحالة احتفاظها بأرضنا التي كانت تحتلها, فلم تضطر للتفاوض معنا لإعادتها وبقيت تحت سيطرتها مثل الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة حتي الآن. فأي مصير كان يمكن أن يلقاه هذا الجزء من ترابنا الوطني في الوقت الذي يتحول الصراع العربي- الإسرائيلي في مجمله من الصراع المركزي في المنطقة إلي عنصر من عناصر صراع أوسع وأشمل يتصاعد الآن علي هوية هذه المنطقة ومستقبلها وموقعها في العالم؟. صراع بين من يريدون للمنطقة أن تكون جزءا من النظام العالمي مندمجة فيه ومتكيفة مع الهيمنة الأمريكية, ومن يريدونها ساحة ممانعة لهذه الهيمنة وجبهة مواجهة ضد النظام العالمي الأحادي القطبية. وفي ظل هذا التحول, لم تعد للصراع العربي- الإسرائيلي مكانته المحورية السابقة التي كان جائزا, في ظلها, تسميته' أزمة الشرق الأوسط', أي اختزال أزمات المنطقة برمتها فيه. وفي ظل هذا التحول التاريخي الجاري الآن, تزداد الشكوك في إمكانية استعادة الأراضي الفلسطينية والسورية التي احتلتها إسرائيل في حرب1967 عندما استولت علي سيناء المصرية أيضا. وإذا صح هذا التقدير, فهو يؤكد مرة أخري الأهمية القصوي لحرب أكتوبر, التي كانت بالفعل آخر حرب عربية- إسرائيلية كبري, ولكن ليس لأن مصر استردت أرضها عبر تسوية سلمية, ولكن لأن معادلات الصراع في المنطقة تتغير.. وبصورة جوهرية. وإذا كانت ذكري حرب أكتوبر حلت هذا العام بعد أسابيع من تصاعد جديد للتوتر بين إسرائيل وسوريا, فما أبعد الأجواء التي يحدث فيها ذلك عما كانت عليه قبل أن يتراجع وزن الصراع العربي- الصهيوني. فالتوتر الذي اقترن بانتهاك إسرائيلي جديد للأجواء السورية ليلة7 سبتمبر الماضي يرتبط بالصراع الأوسع علي المنطقة أكثر مما يتعلق بالنزاع بين تل أبيب ودمشق. ولا يرجع ذلك إلي تغير في دوافع سوريا لاستعادة مرتفعات الجولان أو في محاولات إسرائيل الاحتفاظ بها أو بجزء منها, وإنما إلي التحول الذي يحدث في معادلات الصراع في المنطقة. فقد خلق المشروع الأمريكي لشرق أوسط كبيرا بدءا بغزو العراق, تفاعلات جديدة في المنطقة, حيث استنفر طاقات القوي الراديكالية المستهدفة منه لمواجهته. وأدي تراجع هذا المشروع, نتيجة الفشل في العراق, إلي تشجيع هذه القوي علي تحدي المشروع الأمريكي. وأصبح البرنامج النووي الإيراني هو رمز هذا التحدي الذي اكتسب أصحابه ثقة أكبر بعد صمود حزب الله في الحرب التي شنتها إسرائيل علي لبنان العام الماضي. وهكذا أصبح الصراع علي الشرق الأوسط هوية وسياسة واتجاها ومستقبلا هو المحدد الأول للتفاعلات الرئيسية في المنطقة. وأخذ الصراع العربي- الإسرائيلي يفقد بعضا من مكانته التي احتفظ بها لعقود كان فيها هو الصراع المركزي في هذه المنطقة. ولا يعني ذلك أنه بات صراعا هامشيا أو محدود الأهمية. فهو مازال المصدر الرئيسي للتوتر الإقليمي. ولذلك تعتمد عليه القوي الراديكالية في التعبئة التي تسعي إليها ضد الولاياتالمتحدة التي يؤدي انحيازها الكامل لإسرائيل إلي تعاطف شعبي مع من يتحدي سياستها. فهناك تداخل وثيق إذن بين هذا الصراع التاريخي في المنطقة والصراع المتصاعد علي الشرق الأوسط وكانت الحرب الإسرائيلية علي لبنان العام الماضي أول مؤشر قوي علي ذلك. فلم تكن هذه الحرب مجرد غزوة جديدة تضاف إلي الغزوات الإسرائيلية التي بدأت عام1978, وإنما كانت- فضلا عن ذلك- حربا بالوكالة بين الولاياتالمتحدة وإيران. ولا يعني ذلك أن حزب الله هو مجرد أداة إيرانية, مثلما لا يمكن القول إن إسرائيل هي مجرد' رأس حربة' للمشروع الأمريكي أو' الإمبريالية' علي نحو ما كان الخطاب القومي التقليدي يردده في مرحلة سابقة. فلكل من حزب الله وإسرائيل' أجندة' خاصة ترتبط حينا وتتقاطع حينا آخر وتتداخل في حين ثالث مع المشروع الإيراني والمشروع الأمريكي علي الترتيب.