وزير النقل: توقيع عقد البنية الفوقية لمحطة حاويات تحيا مصر 1 بميناء دمياط    أسعار الذهب في بداية التعاملات اليوم الخميس 25 أبريل| إنفوجراف    قدم ساعتك وغير معاد نومك..اعرف مواقيت الصلاة والمترو بعد تطبيق التوقيت الصيفي    انقطاع المياه عن بعض المناطق بالقاهرة 6 ساعات.. غدًا    عيد تحرير سيناء.. تعرف على جهود إقامة التنمية العمرانية لأهالي أرض الفيروز ومدن القناة    عز عامل مفاجأة.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الخميس 25-4-2024    الرئيس الموريتاني يعلن ترشحه لولاية ثانية    في اليوم ال202 لحرب غزة: شهداء وجرحى في قصف الاحتلال الإسرائيلي المتواصل على القطاع    خبير في الشؤون الأمريكية: واشنطن غاضبة من تأييد طلاب الجامعات للقضية الفلسطينية    جريح في قصف مسيرة إسرائيلية لشاحنة نقل محروقات شرق لبنان    تشكيل مانشستر سيتي المتوقع أمام برايتون    تفاصيل اجتماع أمين صندوق الزمالك مع جوميز قبل السفر إلى غانا    غطاء سحابي وسقوط أمطار.. تفاصيل حالة الطقس اليوم الخميس    بسبب ماس كهربائي.. السيطرة على حريق بحوش في سوهاج    بينهم 3 أشقاء.. إصابة 9 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص مع ربع نقل في أسيوط    شاب يُنهي حياته شنقًا على جذع نخلة بسوهاج    وزير الصحة: سيناء شهدت إنجاز 35 مشروعًا بتكلفة 3.5 مليار جنيه    اليوم، الأهلي يختتم استعداداته لمواجهة مازيمبي    القاهرة الإخبارية: بعض المدارس انضمت لاحتجاجات الجامعات بأمريكا ضد عدوان إسرائيل على غزة    مستشار سابق بالخارجية الأمريكية: هناك موافقة أمريكية على دخول القوات الإسرائيلية لرفح    «الجمهورية»: الرئيس السيسي عبر بسيناء عبورا جديدا    «الأهرام»: سيناء تستعد لتصبح واحدة من أكبر قلاع التنمية في مصر    هل ترك جنش مودرن فيوتشر غضبًا من قرار استبعاده؟.. هيثم عرابي يوضح    أحمد جمال سعيد حديث السوشيال ميديا بعد انفصاله عن سارة قمر    الأكثر مشاهدة على WATCH IT    الشرطة الأمريكية تعتقل عددًا من الطلاب المؤيدين لفلسطين بجامعة كاليفورنيا.. فيديو    "شياطين الغبار".. فيديو متداول يُثير الفزع في المدينة المنورة    بسبب روسيا والصين.. الأمم المتحدة تفشل في منع سباق التسلح النووي    بالصور.. نجوم الفن يشاركون في تكريم «القومي للمسرح» للراحل أشرف عبد الغفور    عن تشابه «العتاولة» و«بدون سابق إنذار».. منة تيسير: التناول والأحداث تختلف (فيديو)    تطور مثير في جريمة الطفلة جانيت بمدينة نصر والطب الشرعي كلمة السر    أبو رجيلة: فوجئت بتكريم الأهلي.. ومتفائل بقدرة الزمالك على تخطي عقبة دريمز    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    لتفانيه في العمل.. تكريم مأمور مركز سمالوط بالمنيا    بعد الصعود للمحترفين.. شمس المنصورة تشرق من جديد    تدريب 27 ممرضة على الاحتياطات القياسية لمكافحة العدوى بصحة بني سويف    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    حصول 5 وحدات طب أسرة جديدة على اعتماد «GAHAR» (تفاصيل)    رئيس «الطب النفسي» بجامعة الإسكندرية: المريض يضع شروطا قبل بدء العلاج    بعد نوى البلح.. توجهات أمريكية لإنتاج القهوة من بذور الجوافة    اسكواش - ثلاثي مصري جديد إلى نصف نهائي الجونة الدولية    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    يسرا اللوزي تكشف كواليس تصوير مسلسل "صلة رحم"|فيديو    مدحت العدل يكشف نصيحة جماهير ريال المدريد بإسبانيا للإعلامي إبراهيم عيسى ونجله    كيف أعرف من يحسدني؟.. الحاسد له 3 علامات وعليه 5 عقوبات دنيوية    دعاء في جوف الليل: اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور واهدنا سواء السبيل    توجيهات الرئيس.. محافظ شمال سيناء: أولوية الإقامة في رفح الجديدة لأهالي المدينة    تيك توك تتعهد بالطعن في قانون أمريكي يُهدد بحظرها    عالقين ومصابين.. محافظ شمال سيناء: إعادة 3 آلاف إلى غزة قريبا    تجربة بكين .. تعبئة السوق بالسيارات الكهربائية الرخيصة وإنهاء الاستيراد    منسق مبادرة مقاطعة الأسماك في بورسعيد: الحملة امتدت لمحافظات أخرى بعد نجاحها..فيديو    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    فريد زهران: نسعى لوضع الكتاب المصري في مكانة أفضل بكثير |فيديو    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    «زى النهارده».. عيد تحرير سيناء 25 إبريل 1982    غادة البدوي: تحرير سيناء يمثل نموذجًا حقيقيًا للشجاعة والتضحية والتفاني في سبيل الوطن    من أرض الفيروز.. رسالة وزير العمل بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سناء البيسى: أم المؤمنين حفصة وحدها كان المصحف عندها
نشر في أخبار مصر يوم 07 - 04 - 2013

في العلياء.. ذلك والله قدر المرأة التي بها الآن يكفرون ويمكرون ويقزمون.. تلك منزلتها الحقيقية لدي الخالق سبحانه وتعالي, وهذا وضعها المتسامي في كنف حبيبه المصطفي, بينما غدت علي أرض الكنانة في الدرك الأسفل ومهبط المنبوذين لدي الإخوة المنغلقين المتعنتين المتأسلمين باللحية والتكفير وفي القلوب مرض, وفي العقول غيمة, وفي الرأي تصلب, وفي التحضر انغلاق, وفي الإيمان الحق هشاشة, وفي القرن الواحد والعشرين همجية عصور الحجر وغلظة زبانية الجحيم..
في أعلي مرتبة سكنت المرأة سويداء الإسلام في فجر الإسلام.. ارتفعت مكانتها بين الخلائق جمعاء لتكون الحافظة الراعية الحارسة للدين الحنيف.. لتراث النبوة وسجل الرسالات الإلهية.. لأعظم ثروة إنسانية فكرية في هذا الوجود.. لوديعة الله تعالي إلي الوجود الإنساني إلي أن تزول السماوات والأرض.. لأثقل موازين الهداية علي وجه الكون.. للقرآن الكريم.. للمصحف الشريف.. لآيات الله البينات.. ليس فقط في صدرها ووجدانها وعلي لسانها وإنما أن يعهد إليها بحفظ صحف الله المنزلة بالوحي علي رسول الله صلي الله عليه وسلم.
ألا يخرج كتاب الله من بيتها إلي الوجود كله إلا بعد استئذانها للاستشهاد به مقابل مصحف عثمان الجديد ثم ليعاد إليها كنزها المقدس كما وعدت المحفور علي الأدم الجلد المدبوغ, وكسر الأكتاف العظام العريضة في أكتاف الحيوان, والعسب جريد النخل, واللخاف صفائح الحجارة الرقاق, والأقتاب جمع قتب وهو رحل البعير.. حفصة ابنة عمر بن الخطاب حافظة المصحف الشريف التي قال عنها جبريل للرسول إنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة.. التي ولدت في نفس العام الذي ولدت فيه فاطمة الزهراء ابنة الرسول في السنة الخامسة قبل البعثة, وهاجرت منفردة من مكة للمدينة.. القارئة الكاتبة.. مقياس صحة الآيات البينات..
أم المؤمنين زوج رسول الله صلي الله عليه وسلم التي أصدقها بأربعمائة درهم وعاشت في بيت النبوة تتعلم وتعلم بأمر رسول الله حيث علمتها الشفاء بنت عبدالله القراءة والكتابة وروت عن الرسول الحديث, ولها في الصحيحين ستون حديثا, وروي عنها أخوها عبدالله وابنه حمزة.. وكانت حفصة قد ترملت من بعد وفاة زوجها الصحابي خنيس بن حذاقة بن قيس بن عدي السهمي القريشي متأثرا بجراحه في غزوة بدر وهي لم تزل في الثامنة عشرة فأراد والدها عمر بن الخطاب تزويجها لأبي بكر الصديق, ولما عرضها عليه موقنا بترحيبه بالشابة التقية فوجئ بالصديق يمسك ولا يجيب, فانصرف غير مصدق لتسير به قدماه لدار عثمان بن عفان من رحلت زوجته السيدة رقية بنت محمد عليه الصلاة والسلام بعد مرضها بالحصبة إثر عودتها من الحبشة..
وأثناء الحديث عرض عمر علي عثمان ابنته حفصة وهو لم يزل شاعرا بمهانة رفض من أبي بكر, فجاء جواب عثمان بمثابة اللطمة الثانية إذ طلب أن يستمهله أياما عاد بعدها ليقول له: ما أريد أن أتزوج اليوم.. فانطلق عمر الغاضب إلي الرسول يشكو صاحبيه فتبسم له المصطفي قائلا: يتزوج حفصة من هو خير من عثمان, ويتزوج عثمان من هي خير من حفصة.. ويدرك ابن الخطاب ما وراء قول الرسول فيقوم ليصافحه مهللا وقد زالت عنه كل مهانة الرفض المزدوج, ويلقاه أبي بكر الذي يمد إليه يدا مهنئة معتذرة: لا تحمل علي يا عمر فقد كان رسول الله قد ذكر حفصة فلم أكن لأفشي سره.
وبعدها كان زواج عثمان من أم كلثوم ابنة محمد صلي الله عليه وسلم, وبعد وفاة أبوبكر أول الخلفاء الراشدين تولي الخلافة عمر بن الخطاب لتشهد حفصة أمجاد أبيها ومآثره وفتوح الشام والعراق ومصر في عهده, إلي أن روعت بمصرعه بطعنات خنجر أبي لؤلؤة المجوسي ليتولي الخلافة عثمان الذي يستأذن حفصة في كنزها الذي عهد به إليها أبوبكر وكان قد جمعه زيد بن ثابت القائل: والله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرت به من جمع القرآن, حيث تتبعته أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتي وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري ولم أجدها مع أحد غيره( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم), وكان عثمان يبغي مقارنة مصحفه بمصحف حفصة الذي يمثل أضعاف حجمه, وتنوء بحمله الجبال لأنه جمع بالأحرف السبعة كلها, بينما مصحف عثمان قد جمع علي حرف واحد فقط وقد نسخ منه سبع نسخ وزعت علي الأمصار بعد كتابتها علي الجلود بالخط الكوفي بغير نقط ولا علامات للأجزاء والأحزاب, ذهب منها مصحف للمدينة, وآخر للشام, وثالث للكوفة, ورابع للبصرة, وخامس إلي مكة, وسادس لليمن, أما المصحف السابع فاحتفظ به عثمان لنفسه ليقرأ فيه, وقتل وهو بين يديه..
وكان عثمان تخوفا من الفتنة وقد دخل الإسلام من يريدون الانتقام منه لدولهم التي غزاها نوره فاندسوا بين المسلمين يبثون روح الشك في الثوابت فانبري لهم ذو النورين وقام بحرق المصاحف التي كتبت بغير حرف قريش ولم يبق إلا علي المصحف الإمام مصحف عثمان وما نسخ منه, فلا يرجع إلي سواه, ولا يعتمد علي غيره.. حرق عثمان المكتوب كله ورد إلي أم المؤمنين حفصة مصحفها الذي كان إماما وهاديا لمصحف عثمان, وكان قد وعدها برده فوفي بوعده, ولما توفيت أمر والي المدينة مروان بن الحكم بحرق مصحفها تنفيذا لوصية عثمان الذي أراد ألا يحرمها منه في حياتها لكنه خشي بعد وفاتها وقوعه في يد أحد يمحو منه أو يضيف إليه, وبعد مقتل عثمان قام علي رضي الله عنه يخطب في مثيري الفتنة يا معشر الناس اتقوا الله, وإياكم والغلو في عثمان, وقولكم حرق المصاحف, فوالله ما حرقها إلا علي ملأ منا أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم وروي عن عمر بن سعيد قوله: قال علي بن أبي طالب لو كنت الوالي وقت عثمان لفعلت مثل الذي فعل عثمان.. وفي زمان الفتنة الكبري خرجت عائشة مع الذين كرهوا البيعة لعلي, وعزمت حفصة علي الخروج معها امتدادا لرابطتهما في البيت النبوي لولا أن ردها شقيقها عبدالله بن عمر فأقامت بالمدينة عاكفة علي العبادة إلي أن توفيت في عهد معاوية.
ويثبت التاريخ أن الصحابة كانوا يعرفون القراءة والكتابة, فقد كانوا يراسلون الملوك والأمراء, ويكتبون فيما بينهم عقود البيع والشراء, وأكبر دليل علي نباهة العرب قبل اختراع التشكيل تفريقهم في الكتابة بين عمر وعمرو كي لا يحدث لبس أو اشتباه, وكان أول من أدخل الكتابة إلي مكة حرب بن أمية قائد قريش يوم الفجار, وهو الذي علم الخط لكل من ابن الخطاب وعثمان وعلي, وطلحة بن عبيدالله.. وقد شرع المسلمون فدية الكاتب من أسري بدر الكبري, بتعليم عشرة من الشباب, ويعد ابن الخطاب أول من جمع الصغار في فصل دراسي لتعليمهم علي فترتين في اليوم, علي أن تكون الإجازة يومي الخميس والجمعة, وأمر أن يكتب للتلميذ البليد في لوحه نوعية عقابه.
أنزل الله القرآن الكريم جملة واحدة في اللوح المحفوظ, ثم نزل مفصلا بحسب الوقائع علي مدي ثلاثة وعشرين سنة علي سيد الخلق هو قرآن مجيد في لوح محفوظ, وفي الحديث الشريف جاء إن الله تعالي خلق لوحا محفوظا من درة بيضاء صفحاتها من ياقوتة حمراء قلمه نور وكتابه نور, لله في كل يوم ستون وثلاثمائة لحظة يخلق ويرزق ويميت ويحيي ويعز ويذل ويفعل ما يشاء وقد حمل شهر رمضان الكريم شرف نزول الكتب السماوية جمعاء, فنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة منه, وأنزلت التوراة لست مضين منه, والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان, وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان وفي ذلك قوله تعالي شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن, وقوله إنا أنزلناه في ليلة مباركة, وقوله إنا أنزلناه في ليلة القدر.. وكان الوحي ينزل علي النبي في مكة والمدينة وغيرهما في أوقات مختلفة من ليل أو نهار, راكبا وجالسا, وفي بيته وخارجه, وعلي فراش زوجته أم المؤمنين عائشة, وكان إذا نزل عليه الوحي يجد مشقة فيما يلقي عليه, وقال تعالي إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا وفي حديث الإفك قالت عائشة: فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء شدة الحمي عند الوحي, حتي إنه لينحدر منه مثل الجمان فصوص الفضة من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه.. وكان سيد الوري إذا أوحي إليه وهو علي ناقته وضعت صدرها علي الأرض فما تستطيع أن تتحرك حتي يسري عنه..
وعن عائشة رضي الله عنها قولها: كان إذا اشتكي رسول الله صلي الله عليه وسلم رقاه جبريل عليه السلام بقوله: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك, ومن شر حاسد إذا حسد يشفيك, باسم الله أرقيك.. وعن عائشة قول الرسول: أتاني جبريل فقال: إن الله عز وجل أمرك أن تدعو بهذه الكلمات فإنه يعطيك إحداهن: اللهم إني أسألك تعجيل عافيتك, وصبرا علي بليتك, وخروجا من الدنيا إلي رحمتك.. وحول كنوز القرآن يقول المصطفي داعيا إلي الاستزادة منها: إن هذا القرآن مأدبة الله فأقبلوا علي مأدبته ما استطعتم, إن هذا القرآن حبل الله والنور المبين والشفاء الناجع.. عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن تبعه.. اتلوه فإن الله يأجركم علي تلاوته كل حرف عشر حسنات, وإني لا أقول( آلم) حرف ولكن( ألف ولام وميم)..
ويقسم الإمام السيوطي في كتابه الإتقان الذين يتناولون القرآن إلي أنواع.. منهم قوم يعتنون بضبط مخارج حروفه وعدد كلماته وآياته وسوره وأحزابه دون التعرض لمعانيه ولا التفكير لما أودع فيه وهؤلاء سموا( القراء).. واعتني النحاة بالتعريب والمبني من الأسماء والأفعال والحروف واللازم والمتعدي.. واعتني المفسرون بألفاظه فوجدوا منه لفظا يدل علي معني واحد وآخر علي معنين ولفظا علي أكثر من معني, فخاضوا في المعني الخفي وفي ترجيح أحد المحتملات أو المعاني.. واعتني الأصوليون بما في القرآن من الأدلة العقلية والشواهد الأصلية والنظرية فاستنبطوا منه وسموا هذا العلم بأصول الدين.. وتأملت طائفة منهم معاني خطابه فرأت منها ما يقتضي العموم وما يقتضي الخصوص, وتكلموا في النص والظاهر والمجمل والمحكم والمتشابه والأمر والنهي والنسخ واستصحاب الحال والاستقرار وسموا هذا الفن أصول الفقه..
وأحكمت طائفة صادق الفكر فيما فيه من الحلال والحرام وسائر الأحكام وسموه بعلم الفروع.. وتخصصت طائفة فيما به من قصص القرون السالفة فدونوا آثارها ووقائعها حتي ذكروا بدء الدنيا وأول الأشياء وسموا ذلك التاريخ والقصص.. وتنبه آخروه لما فيه من الحكم والأمثال فاستنبطوا مما فيه من الوعد والوعيد, والحشر والحساب, والعقاب والثواب, والجنة والنار فصولا من المواعظ وأصولا من الزواجر, فسموا الخطباء والوعاظ... وأخذ قوم بما فيه من آية المواريث واستنبطوا منها من ذكر النصف والربع والسدس والثمن حساب الفرائض.. وتأمل قوم في الآيات الدالة علي الحكم الباهرة في الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم والبروج فاستخرجوا منه علم المواقيت.. ونظر الأدباء والشعراء إلي ما فيه من بديع النظم وجزالة اللفظ والتلوين في الخطاب وحسن السياق والإيجاز وغيره, فاستنبطوا منه المعاني والبيان والبديع..
ولما اختلف زيد بن ثابت ومن معه في كلمة التابوت أيكتبونها بالتاء أم الهاء, ورفعوا الأمر إلي عثمان فأمرهم بكتابتها بالتاء, ولو كانت الكتابة توفيقية بإملاء النبي لقال لهم زيد كاتب الوحي إن النبي أمرني بكتابتها بالتاء, ولقال له عثمان, اكتبها بالكيفية التي أملاك بها النبي. أما ترتيب الآيات وكذلك تسمية السور بأسماء خاصة, فهو توقيفي باتفاق العلماء, ولا يخفي أن الرسول صلي الله عليه وسلم قد عرض القرآن علي جبريل مرتين في السنة التي توفي فيها, وكان القرآن وقتها قد أنزل عليه كله.. الرسول الذي قال: إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه, وعن عائشة رضي الله عنها البيت الذي يقرأ فيه القرآن يتراءي لأهل السماء, كما تتراءي النجوم لأهل الأرض, ويقول تعالي: إن قرآن الفجر كان مشهودا أي تشهده الملائكة.
وحول حسن الخط في كتابة البسملة قول المصطفي لكاتبه ألق الدواة, وحرف القلم, وانصب الباء, وفرق السين, ولا تعور الميم, وحسن الله, ومد الرحمن, وجود الرحيم.. القرآن.. الكتاب الذي وفد علي الدنيا منذ ألف وأربعمائة عام وألقاه الوحي علي قلب الرسول محمد ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين, ويتساءلون لماذا لم يرتب القرآن نفسه ترتيبا موضوعيا ليجمع علي سبيل المثال في سورة النساء كل آياته التي تعرض قضية المرأة وحقوقها.. ويجمع في سورة الشوري كل ما قاله عنها.. وفي سورة الأنبياء كل ما يريد أن يقوله عنهم, وهكذا؟.. والإجابة علي ضوء القرآن نفسه بأن السبب يسير, وذلك في أنه ليس كتابا مؤلفا, لكنه هتاف بآيات الحق والهدي يعطي المناسبة حقها في كل حين, ولو كان الرسول مؤلفا للقرآن لعمد ولو في آخر عهده بالدنيا إلي ترتيبه وفق المادة والموضوع.. إنه لم يؤلفه وإنما تلقاه, وفي أسمي حالات التلقي والتفتح الروحي كانت الآيات البينات تهطل كالغيث بالدين الحق نافضة عن الضمير الإنساني غبار الجهل وعبء الخرافة ووطأة الرضوخ.. إنه المصحف.. كتاب لا ريب فيه هدي للمتقين..
لم يأت لينتقص ما سبقه, بل جاء يكمل ويتمم مصداقا لقوله تعالي: نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدي للناس وأنزل الفرقان, ثم هو يدعو المؤمنين به إلي الإيمان بكل ما سبق من نبي ورسول وكتاب قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلي إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسي وعيسي وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون.. وإذا ما كانت الأمم لا تخلد أمجادها بشيء مثلما يخلدها انتشار لغتها ولسانها, فهذا الكتاب سبيل الخلود إنا أنزلناه قرآنا عربيا.. بلسان عربي مبين.. قرآنا عربيا غير ذي عوج.. أما لماذا أنزل القرآن؟ فتجيب الآية في إيجاز مبدع شامل وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أنزلنا عليك القرآن لتشقي إلا تذكرة لمن يخشي ولماذا لم يتنزل جملة واحدة كما نزلت الألواح العشر علي موسي, وكما نزل الزابور علي داوود؟
والإجابة أنه ما كان تعليم الترتيل ورتل القرآن ترتيلا ليتوفر إذا نزل القرآن جملة واحدة, ولقد كان العرب أمة أمية, والكتابة فيهم ليست رائجة, بل يندر من يعرفها أو يتقنها, فما كان في استطاعتهم أن يكتبوا القرآن كله إذا نزل جملة واحدة, وإن كتبوه لا يعدموا الخطأ والتحريف, ولقد كان من فائدة إنزال القرآن منجما مفصلا أنه كان ينزل لمناسبات ولأحداث فيكون فيها بيان لأحكامه والمبين هنا هو النبي صلي الله عليه وسلم كما قال تعالي وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم.. وأما السؤال لمن جاء هذا القرآن؟ فالإجابة إن هو إلا ذكر للعالمين.. وحين كان كيد الكفار يتزاحم حول القرآن ليفزع محمد صلي الله عليه وسلم تخوفا علي النور في أن يتمكن أعداء الله من إطفائه, كان القرآن يهدئ من روعه ويقول في ثقة عزيزة: والسماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع إنه لقول فصل وما هو بالهزل.. ويعطي الله لنبيه وعدا وتأتيه البشري حين ينزل عليه الوحي بقوله: وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد وقوله جل جلاله إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون.. كتاب.. أحكمت آياته وفصلت كلماته وبهرت بلاغته العقول, وتضافر إيجازه وإعجازه, ولمن افتروا عليه قيل لهم إن كنتم في ريبة منه فأتوا بسورة مثله فأتي مسيلمة الكذاب بقوله: ضفدع بنت ضفدعين, نقي ما تنقين, أعلاك في الماء وأسفلك في الطين, لا الشارب تمنعين, ولا الماء تكدرين, لنا نصف الأرض, ولقريش نصفها.. كتاب..
فيه من الإعجاز ما انطوي عليه من الإخبار بالمغيبات وما لم يكن ولم يقع فوقع كقوله تعالي لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين وقوله عن الروم وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين وقوله ليظهره علي الدين كله فكان جميع ذلك كما أخبر, فغلبت الروم فارس, ودخل الناس في الدين أفواجا واتسع ملك المسلمين من أقصي بلاد الأندلس غربا إلي أقاصي الهند شرقا, ومن بلاد الأناضول شمالا إلي أقاصي السودان جنوبا, وقوله سيهزم الجمع ويولون الدبر فكان كذلك في بدر, ولم تذكر قصة مريم البتول في التوراة ولا الإنجيل ولا رسائل الرسل قط, وكان القرآن الكريم وحده هو الذي بين اصطفاءها, وفضلها علي نساء العالمين.. ويقول تعالي بعد قصة نوح عليه السلام تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين.. كتاب.. فيه إعجاز الإيجاز كقوله في سورة الرحمن: الرحمن. علم القرآن. خلق الإنسان. علمه البيان. الشمس والقمر بحسبان. والنجم والشجر يسجدان. والسماء رفعها ووضع الميزان. ألا تطغوا في الميزان.., وفي سورة طه قوله الموجز لموسي عليه السلام وألقيت عليك محبة مني, وقوله تعالي في سورة البقرة ولكم في القصاص حياة, وقوله تعالي في سورة الطور بأن كلا مجزي بعمله إن خيرا بخير, وإن شرا بشر كل امرئ بما كسب رهين..
واليوم.. بعدما رطبت لظي القلب بين جنبات المصحف الشريف أتلو آياته البينات التي جمعت في صدور مائة أو يزيد من الصحابة لأختمها بالفاتحة لأم المؤمنين حفصة شاكرة لها داعية لها مبجلة دورها الخالد للإسلام ولرفعة النساء في الإسلام بعدما حفظت القرآن في بيتها سنوات فوق الجلود والعظام, ولم يكن يسمي مصحفا حتي طلب أبو بكر تسميته فقال البعض سموه أنجيلا فاستبعدوه, وقال البعض سموه السفر فرفضوه, فقال ابن مسعود رأيت بالحبشة كتابا يدعونه المصحف فسموه به. حفصة المؤثرة في مجريات أمور المسلمين حتي آخر حياتها لتدفن بالبقيع في شعبان من السنة الخامسة والأربعين ولها من السن الثلاثة والستون.. حفصة التي جاءت إلي بيت النبوة زوجة جديدة وفي البيت سودة وعائشة, أما سودة فرحبت بها راضية, وأما عائشة فغاظها أن يأتيها الزوج بضرة, وما فعل ذلك قط مع خديجة, وسكتت علي مضض إلي أن وفدت علي البيت زوجات جديدات فحاولت أن تقف معها في وجه الخطر المشترك, وحين توالت الضرائر وقفت حفصة بلا تردد إلي جانب بنت أبي بكر.. حفصة كان والدها عمر بن الخطاب يعتز برأيها السديد مثلما أن خرج يوما فسمع بكاء امرأة تقول من بين دموعها:
تطاول هذا الليل واسود جانبه وأرقني أن لا حبيب ألاعبه فدخل علي ابنته قائلا: إني أسألك عن أمر قد أهمني فافرجيه عني: في كم تشتاق المرأة إلي زوجها؟ فخفضت رأسها واستحيت.. قال: فإن الله لا يستحي من الحق.. فأشارت بيدها ثلاثة أشهر وإلا فأربعة.. فكتب عمر: لا تحبس الجيوش فوق أربعة أشهر.. وعندما أرادوا توسعة المسجد النبوي بضم بيوت نساء النبي صلي الله عليه وسلم لم يأخذ عبدالله بن عمر الشقيق الوارث لبيت حفصة ثمنا وجعله هبة ليدخل في المسجد النبوي لتغدو كل صلاة فيه, قد تكون سجدتها في موضع سجدتفيه حفصة من قبل, بمثابة ألف صلاة.. وأين مني الآن ذلك الموضع الشريف؟
نقلا عن صحيفة الاهرام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.