فى المظاهرة الدنيا كانت زحمة، ستات من كل صنف ولون، وبنات وعيال، ورجالة. لكن من بين كل الناس عنيا راحت عندها واتسمرت. وفضلت عنيا تروح بين الأعلام المرفرفة ووشها. مش هى دى اللى اسمها سميرة. الصعيدية اللى خدوها م الميدان وكشفوا عليها عشان يتأكدوا إذا كانت عذراء أم لا، ولما قالت لهم قبل ما تقلع «طيب بس لو سمحتوا تقفلوا الشباك عشان فيه رجالة بتتفرج»، كهربوها. هى سميرة اللى رافعة علامة النصر وماسكة ورقة بتقول «مش هتكسرونى». لا دى ياسمين اللى كلاب السلطان «المؤمن» نهشوا جسمها يا دوب من كام شهر، ياسمين اللى قالت إنها لما بتشوف «محمد محمود» فى التليفزيون بتمسك بنطلونها، لكنها ماخافتش، حكت اللى حصل وهى بتحلف إنها راجعة الميدان تانى. طيب تصدقوا إنها تشبه الست اللى محدش شاف وشها، كل اللى شفناه هو جسمها العريان مسحول على الأرض، وبدلة ميرى بتنزل بعزم ما فيها على الصدر. ماعرفناش اسمها لكنها بقت «ست البنات». سمارها كمان يشبه سمار مارى وميريت، إخوات مينا وزياد اللى كبروا قبل الأوان، ولما تقابلهم فى المظاهرة وتقرب منهم تشوف شريط صور لشهداء كتير بيعدى فى عنيهم. بس دى عنيها فيها من أم خالد، نفس العينين العنيدة المرغرغة بالدموع لما راحت تعزى أم مينا، ونفس الصدر اللى حضن أحمد حرارة واللى كل شوية يستقبل أم شهيد جديد. رجعت عنيا تدور عليها، كان ظهرها لىّ وإيدها مرفوعة بعلم بيغطى كل شوية على شعرها الأسود القصير. أنا شفت الصورة دى قبل كده. دى الخالق الناطق لطيفة الزيات، اللى كتبت سنة 1960 عن ليلى اللى كانت بتحلم تنزل المظاهرة؟ فضلت ليلى تدور على حريتها اللى كانت متعشقة مع حرية الوطن. باب ليلى اتفتح لستات كتير، كتير منهم موجودين النهارده فى المظاهرة. لا استنوا، يا خبر! تتصوروا إنها تشبه الست الإسكندرانية اللى فضلت هى وجوزها يطلقوا الرصاص على بونابرت فى أول أيامه فى إسكندرية سنة 1798. كانت بتقود عملية المقاومة من شباك بيتها فى الحارة، بس ابن اللذينة نجا من الموت بأعجوبة، وأمر بإعدامها هى وجوزها. اكتشفت إنى سرحت كتير. كل دى أسامى إديتها للست اللى شفتها أول مرة فى مظاهرة النساء يوم 8 مارس. سرحت كتير فعلاً، ولما فُقْت من خيالاتى ودورت بعنيا عليها، تهيأ لى إنى شفتها واقفة فوق النخلة العالية فى الميدان. كانت فاردة جناحات كبيرة، وفى عنيها كان بيطقطق شرار الغضب. * نقلا عن صحيفة التحرير