على صفحة الراى بصحيفة الواشنطن بوست الامريكية ، تسائل ديفيد اجناتيوس و هو من كتاب الاعمدة الشهيرين المختصين بالتحليل الاقتصادى بالصحيفة : ما هي السياسة الصحيحة بالنسبة للولايات المتحدة ، فيما تتجه الحكومة المصرية لجماعة الإخوان المسلمين نحو الهاوية المالية؟. ويرى اجناتيوس انه تسائل ملح الان خاصة مع انخفاض الاحتياطيات المالية في مصر والبلاد تقترب من نقطة انكسار جديدة. فيقول : ان الحقائق الاقتصادية صارخة ، احتياطيات مصر رسميا من العملة الصعبة في فبراير وصلت الى 13.5 مليار دولار ، والتي سوف تغطي أقل قليلا من ثلاثة أشهر من الواردات. لكن مسؤولون امريكيون يرون ان نقطة الخطر هى وصول الاحتياطيات السائلة لاقل من 6 مليارات دولار او 7 مليارات دولار. حيث سيصبح من العسير توفير الواردات من المواد الخام اللازمة من قبل الشركات المصنعة المصرية وهو خطر استشعرته مبكرا البورصة المصرية التى هوت 5٪ في وقت مبكر من هذا الأسبوع . كذلك .. ماذا تفعل حكومة الرئيس محمد مرسي لوقف التدهور الاقتصادي؟ الاجابة .. لم تفعل الكثير، فالحكومة مترددة منذ عام في التفاوض على حزمة انقاذ بما يقرب من 5 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي (IMF) ، وهو اجراء مصر بحاجة ماسة له . مرسى و حكومته يؤخران القرار خشية غضب الرأي العام بشان الإصلاحات التى يطالب بها صندوق النقد الدولي، بما في ذلك تخفيض الدعم، والذى يشكل 25٪ من ميزانية مصر. ( بينما خدمة الدين وحساب توظيف القطاع العام يقتطعان ايضا نسبة 50 في المائة). و يتفق اجناتيوس مع راى كبار المسؤولون في الولاياتالمتحدة الذين يعتقدون ان الخطر يقف على بعد شهرين أو ثلاثة أشهر من باب مصر ، ففى الوقت الذى تواجه فيه البلاد اضطرابات سياسية متزايدة، مع استمرار أعمال الشغب و وقوع قتلى و جرحى ، ترسل الحكومة المصرى مشروع اصلاح جديد لصندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي، لكنه لا يرقى إلى أهداف الإصلاح التى يرغبها صندوق النقد الدولي، ويؤخربعض هذه الإجراءات. و يوجه اجناتيوس بسخرية انتباه واشنطن لما اصبح عليه الامر .. قائلا مرحبا بكم في المرحلة الثانية من الربيع العربي، والذي يمكن أن نسميه "اختبارالواقع " مشيرا الى ان الولاياتالمتحدة وحلفاؤها راهنوا قبل عامين بأن الإخوان المسلمين اذا ما تولوا السلطة في مصر، فإنهم سيضطرون للتعامل مع مسؤوليات من يحكم، مثل التفاوض مع صندوق النقد الدولي والقروض واعتماد إصلاحات اقتصادية لجذب المستثمرين. وهذه الحقائق الاقتصادية تخيم الآن على الرئيس مرسي وحكومته و يبدو انه لم يُظهر ما كانت تامله الولاياتالمتحدة . الان : ما هي خيارات السياسة الأمريكية بينما تقترب مصر من الحافة؟ بعض النقاد يزعمون أن الولاياتالمتحدة لن تسمح بفشل الرئيس مرسى ، وهذا بالتأكيد وجهة نظر المعارضة العلمانية في مصر، جنبا إلى جنب مع الأنظمة المحافظة فى الخليج ، لكنهم ياملون ايضا ان يرفض المصريون مرسي وحزبه في الانتخابات البرلمانية التي قد تتأخر بسبب التحديات القانونية. و الحقيقة هى ان سياسة الولاياتالمتحدة تميل لتكون أكثر دعما من سياسة "اغرق أو اسبح" فالبيت الأبيض قد شجع مرسي وصندوق النقد الدولي للتوصل إلى اتفاق قبل فوات الاوان وقبل ان تزيد الأضرار الاقتصادية سوءا. و قد خطت واشنطن خطوة جيدة بتاسيس " صندوق المشاريع الامريكى " للشركات المصرية الصغيرة والمتوسطة الحجم الذى سيبدأ في توزيع أول 60 مليون دولار له هذا الشهر. عندما التقى وزير الخارجية جون كيري بالرئيس مرسي في القاهرة نهاية الأسبوع الماضي، حذر من أن مصر يجب عليها اتخاذ خيارات قريبا وأنه لا ينبغي أن تتوقع أي عملية إنقاذ في اللحظة الأخيرة من واشنطن. لكن من الواضح ان واشنطن تريد لمرسي النجاح، وخوفا من أن البديل سيكون الفوضى أو انقلاب عسكري. واذا كان مرسي قادر حتى الان على تجنب القرارات الصعبة ، فيرجع ذلك جزئيا إلى المساعدة القطرية في حالات الطوارئ ، والتي ضخت حوالي 7 مليار دولار في احتياطيات العملات الأجنبية في مصر. لذا ينبغي أن تكون رسالة الولاياتالمتحدة إلى قطر ما يلي : ايقاف كل ما من شانه منع مرسي من التعامل مع الواقع الاقتصادي لبلاده . و يختتم الكاتب ديفيد اجناتيوس تحليله بالتاكيد على ان رهان إدارة أوباما مستمر على الديمقراطية الاسلامية ، كما هو واضح في تركيا وكذلك في مصر. فقد زار كيري ايضا أنقرة ، كجزء من جولته الدبلوماسية الأولى في الخارج، حيث انتقد صراحة رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان لهجومه على الصهيونية ، بل ويقال ان مناقشاتهم في أنقرة شملت مسار ممكن لتحقيق المصالحة بين تركيا وإسرائيل. ويأمل مسؤولون أمريكيون أن عدم الاستقرار المتزايد على حدود تركيا - إيران والعراق وسوريا – قد يكون جاذبا لإحياء العلاقات مع إسرائيل . ولعل أكبر مفاجأة هى أن حكومة الإخوان في مصر لديها علاقة أفضل مع إسرائيل اليوم من علاقة تركيا - وهي حليف تقليدي لاسرائيل - وهذا قد يكون أفضل بطاقة ضمان لمرسي مع واشنطن ، فمع كل ما له من اخفاقات كزعيم لمصر، فانه لم يثير المتاعب لاسرائيل.