نقلا عن : الاهرام 08/04/07 اهنئكم يا اخوتي وأبنائي بعيد القيامة المجيد وبنعمة القيامة التي وهبها لنا الله, لنحيا حياة أخري في الابدية السعيدة. وأهنيء الرئيس المحبوب حسني مبارك بالنتائج الموفقة لكل رحلاته لخير مصر, ولصالح الوطن العربي الكبير, راجيا له ولكم كل بركة وخير, وليحفظ الله العالم في أمن وسلام. وبعد, أود أن أحدثكم في هذا العام المبارك عن جوهر المتعة في العالم الآخر بالقيامة وهي قول الكتاب المقدس ما لم تره عين, ولم تسمع به اذن ولم يخطر علي بال إنسان ما ما أعده الله للذين يحبونه( اكو2:9) ولهذا نصحنا الكتاب بقوله غير ناظرين إلي الأشياء التي تري, بل إلي التي لا تري, لأن التي تري وقتية, وأما التي لا تري فأبدية(2 كو4:18) فما هي إذن تلك الأشياء التي لا تري؟ وما الذي لم تره عين وقد وعدنا أن نتمتع به في الأبدية؟ * من الأشياء التي لا تري: الأبدية: نحن نسمع عن الأبدية, ونقرأ عنها في وعود الله, ولكننا لم نر الأبدية, فكل شيء أمامنا إلي زوال, وحياتنا علي الأرض لها نهاية. فالذي ينظر باستمرار إلي الابدية, وإلي امتداد حياته بعد الموت, يعمل لهذه الأبدية, ويستعد لها باستمرار, بالتوبة والعمل الصالح ونشر الخير في كل مكان ومع كل أحد, والذي يفكر في الابدية باستمرار, لا ينظر إلي هذا العالم الحاضر, ولا يهتم به, موقنا بأن العالم يبيد وشهوته معه, كذلك لا يركز رغباته في المادة ولا يشتهيها... هو يعيش في العالم, ولكن العالم لا يعيش فيه, كما يمكنه أن يملك المادة, ولكن لا يسمح للمادة أن تملكه, بل يستخدمها للخير إن العالم والمادة من الاشياء التي تري, فهي لذلك وقتية فلا يجعلهما سببا لضياعه روحيا فقد قال السيد المسيح ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه( مت16:26) ولهذا كل ما نفقده من العالم والمادة لا نحزن عليه, لأنه سوف لا يصحبنا في اليوم الأخير, ولا يكون معنا في الأبدية. * أيضا من الأمور التي لا تري: الملائكة وأرواح الأبرار: إن الملائكة أرواح, وهم حولنا يروننا, وينقذوننا من أخطار كثيرة, وعلي الرغم من وجودهم حولنا, فنحن لانراهم بهذه العيون المادية, ولكننا سنراهم بلاشك بعد القيامة في الأبدية السعيدة, وكذلك سنري أرواح الابرار الذين سبقونا إلي السماء. أما الآن, فنحن بالروح نؤمن بوجود الملائكة, ونراهم بالإيمان ونستحي أن نفعل خطية في حضرتهم, علي الرغم من أنها غير مرئية حاليا. * من الأشياء التي لا تري أيضا: الروح: الروح لا تري, أما الجسد فهو من المرئيات, لذلك فالشخص الروحي, يحيا مهتما بروحه, وغذائها الروحي, وإن كان الجسد له غذاؤه المادي, فإن الروح تتغذي بحياة الفضيلة والبر, وتتغذي بمحبة الله وبعمل الخير, وبالصلاة والتسبيح, وبكلام الله في عمقه وروحانيته, والإنسان الذي يهتم بأبديته, يحرص علي نموه الروحي وعلي التدريبات الروحية النافعة له. ذلك لأن اهتمامه بروحه ومصيرها الأبدي يجعله يبذل كل جهده في عمل ما يربطها بالله ووحياه فتكون مقدسة له. في نفس الوقت يجعل روحه هي التي تقود جسده, ولاتخضع أبدا لغرائزه, بل بكل حرص وتدقيق, تتخلص من شهوات الجسد, ومن طياشة الحواس, ومن شهوة العين وتعظم المعيشة. فلا يكون لهذه المرئيات سلطان عليه.. * كل متع الحياة الأرضية من الأشياء التي تري, أما متع الأبدية فهي ما لم تره عين, ولم يخطر علي قلب انسان. * وهكذا فإن الآباء النساك, قد نظروا إلي كل متع هذه الحياة, فإذا هي زائلة وفانية لاتستحق اهتمامهم, فارتفعوا فوق مستواها وفوق كل رغبة فيها, وماتوا عن العالم, وزهدوا كل متعه الأرضية, ناظرين إلي ماسوف يتمتعون به بعد القيامة. * من الأشياء التي لاتري أيضا, المعنويات: وأعني بها المثل, القيم, والمبادئ, والحق, والخير, والبر.. وأيضا الإيمان لأنه هو الثقة بما يرجي, والإيقان بأمور لاتري فالذي يعيش بالإيمان, إنما يعيش ناظرا إلي ما لايري. وهو حينما يتطلع إلي السماء, لاينظر فقط إلي هذا الغلاف الجوي المحيط بنا, الذي تسبح فيه الطائرات. ولا إلي الفلك الذي توجد فيه الشمس والأجرام السماوية البعيدة, وإنما إلي ماهو فوق ذلك بكثير... إلي السماء التي فيها الملائكة وعرش الله, والتي فيها كل شئ يسير حسب مشيئة الله, فلا خطية ولا عصيان. وأيضا السماء التي فيها أرواح الأبرار منتظرين يوم القيامة, وبدء الحياة الأبدية. * والذين ينظرون إلي ما لا يري, يتوجهون بقلوبهم وأفكارهم إلي الله جلت قدرته الله الذي لم يره أحد قط في لاهوته.. إننا لم نر الله, لأن عيوننا هذه قاصرة عن رؤياه.. ولكننا رأينا قوته وعجائبه, وعمل نعمته فينا وفي غيرنا. رأينا يده التي لاتري, وهي تتدخل في مشاكلنا وتحلها. ورأينا كرمه الذي يفتح كوي السماء ويفيض علينا, يشبع كل حي من رضاه.. ورأينا الله كيف يقيم الحق, ويسحق الباطل, وكيف يحكم للمظلومين.. أما المتعة الحقيقية بعشرة الله في الأبدية فهذا ما لم نره بعد, ولكننا ننتظره بالايمان.. الايمان بما لم تره عين ولم يخطر علي بال انسان. أما كيف سنتمتع بعشرة الله في الأبدية, وما كنه تلك العشرة؟ فمن جهة هذا الأمر من الخير لي أن أصمت. إن الأبدية هي التي ستعلن لنا هذا الأمر الذي غالبا ما تعجز اللغة عن شرحه ووصفه..! * ومادامت الأبدية بهذا الجمال الذي لايوصف, إذن يجب علينا أن نستعد لها... نستعد لها بمحبتها قبل أن نصل إليها.. ونستعد لها بعدم التعلق بالمرئيات والانشغال بها حقا إن القلب الذي يرتفع فوق المرئيات, هو حصن منيع لاينهدم. إنه مستوي فوق العالم وفوق المادة والجسد.. فالذي يتعلق قلبه تماما بحب المرئيات وشهوة الأمور التي في العالم, هذا المسكين حينما يترك الجسد ويصعد إلي السماء, أيجدها غريبة عليه؟! أو يصاب بالإحباط الذي لايجد فيها ما يشتهيه من متع الدنيا؟ أم تراه يسأم السماء إن كان قد وصل إليها ويري هذه الدنيا هي الأفضل!! لذلك يا أخوتي وأبنائي علينا أن نتدرب من الآن علي محبة السمائيات ومحبة الأمور التي لاتري. ونكنز لنا كنوزا في السماء, إن ذهبنا إلي هناك نجدها.. نعمل ما نستطيعه, ونطلب من نعمة الله أن تكمل لنا ما لا نقدر عليه. ولنتمسك بذلك الهدف السامي. وعلينا أن نصلي من أجل الحب والسلام في العالم كله, وبخاصة في فلسطين ولبنان والعراق, وفي كل العالم العربي, وفي افريقيا.. وكل عام وجميعكم بخير.