تقاس عظمة الأمم بما تقره من منظومات القيم والأخلاق الإنسانية وما تتركه من أثار إيجابية في مختلف مناحي الحياة يشارك في صنع ذلك مجموعات البشر التي توجد في المكان الواحد علي مر الزمان رغم اختلاف أفكارها وعقائدها وتوجهاتها. وقد كانت الدولة أو السلطة الاسلامية التي حكمت العالم لمئات السنين مثالا لذلك فقد صنعت حضارة أرشدت العالم ونبهت الغافل ومكنت لمنظومة القيم لفترة ليست قصيرة من الزمن شارك فيها المسلمون والمسيحيون واليهود في تناسق وتناغم جعل الحضارة الإسلامية نموذجا فريدا نتاج التعايش والتعاون بين كثير من الأجناس والعقائد المختلفة, لذا أتعجب من قادة عانوا الظلم والفساد والاستبداد لسنوات طويلة وعندما انزاح عنهم ذلك افتقدوا الرؤية وأحيانا الإخلاص, يسارعون للفتنة ويفتعلون الصدام ليثبت كل منهم أنه هو المحق وصاحب النظرة العميقة الصائبة وربما واجههم في ذلك من يظن أنه وحده سيحقق الحلم أو يحمل المسئولية وحده وكلاهما واهم!! لكن الذي يحزنني أن هناك شبابا ضحايا لقيادتهم تطرفوا في السلوك والأخلاق, شبابا محبطا وجد في الفوضي مجالا للتنفيس عن طاقاته وفرصة للانتقام من مجتمع ظلمه كثيرا ولم يمنحه حق الحياة الكريمة وعندما أتيحت له الفرصة كان خصمه هو شريكه في الثورة, وقد صورته مطامع البعض صنما مستبدا ونموذجا لحكم وجبت مخالفته ومعارضته طوال الوقت! وفي الطرف الآخر وجد الشباب نفسه في أتون تجربة للإدارة لم يمارسها بشكل رسمي من قبل, فقد كان ممنوعا محروما منها! وفي ظل أرض غير ممهدة تم تجريفها بشكل عمدي وفي مناخ معاد ودعوات للمطالبة بالحقوق دون أن تسأل نفسها ماهي واجباتها؟ بل تمارس حريتها بشكل فوضوي طالما حقق ذلك لها مصالحها, فتحدث أخطاء وتراجعات تصبح هدفا للطرف الآخر! وهلم جرا. لذا أعتقد أن إعلان أحزاب جبهة الإنقاذ مقاطعتهم للانتخابات البرلمانية القادمة يحمل من الرسائل السلبية أكثر من الإيجابية, والمتضرر الأكبر هم الشباب الذين شاركوا في العمل السياسي من خلال تلك الأحزاب وتاقت أنفسهم للمشاركة في بناء وطنهم من خلال الحوار والدراسة والترشيح والانتخابات فإذا بهم لا يجدون إلا صخبا إعلاميا أتيح لقلة منهم يرددون فيها الاتهامات والتخوين يعتمدون علي ركيزتين في مخاطبة المشاهدين أو المواطنين, وهما المطالبة بالقصاص وحق دم الشهداء والعدالة الاجتماعية وحق الغلابة في عيش كريم, وكلاهما حق اريد بهما باطلا حيث في ظل غلق أبواب الحوار ودراسة الواقع وطرح الحلول والبدائل وإدمان الانسحابات بشكل مزمن! لن يجد أحد فرصة لمعارضة موضوعية, وهاهي الانتخابات البرلمانية التي كانت المتنفس والحلم للشباب لممارسة العمل السياسي, خاصة أن أحزابهم كانت دائما تخاطبهم باعتبارهم هم الأغلبية التي يجب أن تشكل منهم القوائم! فإذا بكل هذه الأماني تتبخر وتنقضي ولم يبق أمام الشباب إلا الشارع يمارسون فيه صخبا وعنفا بديلا عن المنافسة الانتخابية والحوار الشعبي. تلك جريمة يرتكبها كبار الساسة في أحزاب الجبهة في حق شبابهم الذي ضاعت فرصتهم في ممارسة العمل الشعبي لينقذوا أنفسهم من تجربة انتخابية لن ترحم أحد هذه المرة! فسيدفع كل من تقاعس عن أداء واجبه تجاه شعبه, ولم يخلص له الثمن في هذه الانتخابات دون تفرقة. لكن الفارق أن هناك من يتحمل أخطاءه ويواجه شعبه, وهناك من يخشي المواجهة ليتنصل من أوزاره وما ارتكبت يداه من سوء طوال الفترة الماضية! النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل وأرجو مخلصا أن يعيد هؤلاء المسئولين في المعارضة الذين يدفعون الشباب للخروج والتعدي علي الممتلكات العامة ومحاولة فرض العصيان والاعتداء علي المواطنين في اماكن عملهم, ومن ثم التعرض للأذي موتا أو إصابة كي تشتعل الساحة من جديد باعتبار نظرية أن إراقة الدماء هي التي تشعل الثورة وتقود الشارع الي الانفلات تحت شعارات حق القصاص وحق الغلابة. ورغم أننا لن نسمح لأحد أن يعيدنا الي ممارسات النظام السابق ونطالب بشكل دائم بالبدء في إصلاح جدي للقطاع الأمني وإحكام الرقابة عليه لضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات وإجراء تحقيقات مستقلة ومحايدة حول كل إدعاءات التعذيب ومحاكمة مرتكبيها وتعويض ضحاياها ووقف محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية وإلغاء محكمة أمن الدولة طوارئ وضمان الحق في محاكمات عادلة طبقا لنصوص الدستور الجديد, إلا أن من يغلق باب العمل السلمي أمام شبابه ويتيح لهم فقط باب العنف والفوضي تحت أي مسمي فهو ظالم لنفسه ولوطنه! انتبه لقانون الصكوك الذي يضيف الي مصر أصولا ويفتح بابا جديدا للتمويل يشارك فيه أبناء الشعب ويقلل من احتياج مصر للقروض واللجوء اليها والصكوك التي هي مشاركة في الانتاج وليست عائدا علي رأس المال! والتي تصدر علي أسس اقتصادية لمدد قصيرة تحت رقابة شرعية ومالية وفنية من البنك المركزي, هو قانون يحتاج الي قراءة من المهتمين خاصة الذين يتحدثون عنه بغير علم ويسيئون اليه وهو الذي مول المانيا عام2005 في ولاية واحدة ب100 مليون دولار صكوك إجارة ودبي استعملته في مؤسسة المواني لديها بمبلغ تجاوز2.8 مليار دولارا وكذلك ماليزيا وقطر والسعودية وتركيا وانجلترا وأمريكا, كل ما نرجوه الاطلاع والحوار الجاد لمصلحة هذا الوطن المنكوب بكثرة الحاقدين والكارهين لنهضته فقط شيء من الموضوعية! نقلا عن صحيفة الاهرام