في الثامن عشر من الشهر الجاري قال الرئيس الأميركي جورج بوش خلال مؤتمر صحفي؛ ''إذا كنتم حريصين على تفادي حرب عالمية ثالثة، يبدو أنه من الواجب عليكم منعهم يقصد (القادة الإيرانيين) من اكتساب المعرفة الضرورية لصناعة الأسلحة النووية''. وبالطبع استأثر هذا التصريح باهتمام واسع من قبل وسائل الإعلام التي راحت تقلبه وتخضعه للتحليل بسبب نبرته المتوعدة الواضحة وتصعيده لاحتمالات المواجهة العسكرية مع إيران. ويأتي هذا التصريح أيضاً بعد تركيز إدارة الرئيس بوش على إيران باعتبارها المسؤولة عن وصول الأسلحة والمتفجرات إلى المقاتلين العراقيين ومن ثم تسببها في قتل الجنود الأميركيين، لاسيما الحرس الثوري الإيراني الذي وجه إليه الأميركيون أصابع الاتهام أكثر من غيره. إضف إلى ذلك ما ذكره أحد المعلقين الأميركيين البارزين في مقال له نشره مؤخراً، من أن تركيز الإدارة الأميركية على إيران وتصعيد اللهجة ضدها في هذه الآونة إنما يندرج في إطار تهيئة الرأي العام الأميركي لضربها. ولم تقتصر الأصوات المنتقدة لإيران على إدارة الرئيس بوش وطاقمه فحسب، بل تعدتها إلى الكونجرس، لاسيما مجلس الشيوخ الذي مرر قراراً في 26 سبتمبر الماضي، يصف ''الحرس الثوري'' الإيراني بأنه منظمة إرهابية. ويضاف إلى ذلك ما كتبه ''نورمان رودهورتز''، المنظر البارز في صفوف ''المحافظين الجدد'' وأحد مستشاري الرئيس بوش مشبهاً الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ب''هتلر'' الذي يسعى إلى إقامة ''نظام جديد تسيطر عليه إيران وتحكمه الثقافة الدينية''. وعندما قدم رئيس جامعة كولومبيا الرئيس الإيراني على هامش زيارته لنيويورك للإدلاء بكلمته أمام الجمعية العامة في الأممالمتحدة، وصفه بأنه ''ديكتاتور تافه''. بيد أن الآراء المنتقدة لإيران ولمواقفها على الساحة الدولية ليست هي الوحيدة الرائجة في وسائل الإعلام والنقاش السياسي، بل هناك تضارب أحيانا في تقييم الطريقة الأمثل للتعامل مع إيران. فقد عقدت وحدة الأبحاث بوزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) خلال الأسبوع الجاري منتدى لتبادل الآراء حول إيران، حضره مجموعة من الأكاديميين الأميركيين المختصين في الشأن الإيراني، لطرح تحليلاتهم بشأن النوايا الحقيقية لإيران والسياسة الأميركية حيالها. وقد كان معظم الأكاديميين أميركيين من أصول إيرانية يجيدون اللغة الفارسية ويتابعون الإعلام الإيراني عن كثب، كما يقومون بزيارات منتظمة إلى إيران للقاء المسؤولين ومحاورة نظرائهم الأكاديميين في الجامعات الإيرانية، استكمالاً لبحوثهم في هذا المجال. ومن بين الحضور أيضاً كان مسؤولون غير إيرانيين من الاستخبارات الأميركية لهم تجربة وباع طويلان في وكالة الاستخبارات المركزية ومتخصصون في الشؤون الإيرانية. والأهم من ذلك أن تقييمهم للوضع الإيراني جاء مخالفاً تماماً للاتجاه الذي تسير فيه الإدارة الأميركية، حيث عارضوا وصف الرئيس الإيراني بأدولف هتلر، معللين ذلك بقولهم إنه بالرغم من الطبيعة التسلطية للنظام الإيراني، إلا أنه أكثر تعقيداً ويعتمد على العديد من مراكز القوى التي تمارس دور المراقبة، كما توازن بين باقي اللاعبين في الحياة السياسية. ومع أن الكلمة الفصل في القضايا الأساسية تبقى في يد المرشد الأعلى ''علي خامنئي''، إلا أن العديد من الجهات الأخرى في النظام تساهم هي الأخرى في صناعة القرار، وليس الرئيس محمود أحمدي نجاد سوى واحد منها. كما اتفق المشاركون في المنتدى على النفوذ المتنامي الذي بات يتمتع به الحرس الثوري في السياسة الإيرانية، لكنهم أجمعوا أيضاً على أنه ليس اللاعب الوحيد. إيران تريد أن تكون دولة قائدة في المنطقة... وترى أنها تستحق حجز مقعد لها على طاولة النقاش حول القضايا الإقليمية المهمة! وفي ظل هذا التنوع الشديد في أجنحة النظام الإيراني المتعددة لا يتعين التعامل مع تصريحات الرئيس الإيراني المتشددة باعتبارها السياسة التي يلتف حولها الجميع. وأثناء النقاش تعرض الأكاديميون إلى الاقتصاد الإيراني الذي يساوي في حجمه اقتصاد فنلندا، كما قللوا من حجم الإنفاق العسكري الإيراني الذي يتفوق عليه الإنفاق العسكري الأميركي بأكثر من 110 مرات. ولفت المشاركون الانتباه أيضاً إلى المشاكل الحقيقية التي يعاني منها الاقتصاد الإيراني؛ متمثلة في هروب مبالغ مهمة من رؤوس الأموال إلى الخارج، لكن من دون أن يعني ذلك، في رأي الخبراء، أن إيران تمر بمرحلة ما قبل ثورة جديدة. ولم يختلف الخبراء في إدراكهم لرغبة القيادة الإيرانية في تحويل إيران إلى دولة قائدة في منطقة الخليج والشرق الأوسط وتسعى إلى الانخراط في النقاشات حول القضايا الإقليمية المهمة؛ مثل العراق وأفغانستان والملف النووي، والطاقة، ثم الصراع العربي الإسرائيلي. ويعتقد القادة الإيرانيون بأنهم يستحقون حجز مقعد لهم على طاولة النقاش عندما يتعلق الأمر بقضايا المنطقة. ولم يَخفَ على المشاركين في الندوة المنعقدة حول إيران سعي هذه الأخيرة إلى امتلاك القدرة النووية، بما فيها إمكانية تصنيع السلاح النووي، بصرف النظر عن الادعاءات الإيرانية التي تقول عكس ذلك. وقد أكد أحد الخبراء المشاركين أن حيازة القدرة النووية أصبحت مسألة فخر وطني بالنسبة لإيران، مضيفاً أنها كانت ستبرز إلى السطح حتى لو بقي نظام الشاه على قيد الحياة الذي ما كان ليتوانى هو الآخر عن السعي إلى امتلاك السلاح النووي. ولم يفت المشاركون التنويه أيضاً إلى فترات التعاون الضمني الذي تخلل العلاقات الإيرانية الأميركية، رغم مشاعر العداء المعلنة من قبل الطرفين. هذا التعاون الذي لم يترجم قط إلى اتفاقات رسمية ولم يحتل حيزاً مهماً في وسائل الإعلام. إلى ذلك سبق للرئيسين بيل كلينتون وجورج بوش الأب أن عرضا التحاور مع إيران، لكنها رفضت في ذلك الوقت لتعود مرة ثانية بعد هجمات 11 سبتمبر وتعرض التفاوض مع الولاياتالمتحدة، لكن ليرفض بوش الابن عرضها وتدخل العلاقات بين البلدين مرحلة جديدة من التوتر. وفي الأخير أوصى الخبراء بضرورة إشراك إيران دبلوماسياً والانفتاح عليها في محاولة لتسوية الخلافات الإيرانية الأميركية، وهي السياسة التي مايزال الرئيس بوش مصراً على رفضها. واتفق جميع المشاركين في الندوة على خطورة توجيه ضربة عسكرية لإيران لأن ذلك قد يدفع إيران إلى الرد باستخدام أسلحة غير تقليدية. وكان لافتاً أنه طيلة الندوة التزم كبار مسؤولي وزارة الدفاع الأميركية الصمت، وأحجموا عن التعليق، أو إبداء رأيهم سواء لجهة تأييد التدخل العسكري أو معارضته، مكتفين بتسجيل الملاحظات. ولا شك أن تقييم الخبراء سيكون محط نقاش مستفيض بين المسؤولين وراء الأبواب المغلقة، ومن غير المحتمل أن ترشح معلومات أخرى مادام يحظر على المسؤولين الرسميين مناقشة قضايا حساسة على الملأ.