فيما يستعد جون كيرى لحمل حقيبته ، ليبدا اول رحلة خارجية له منذ توليه منصبه كوزير خارجية الولاياتالمتحدة .. يعلم جيدا ان الصراع في سوريا هى الازمة الأحق بانتباه أميركا. كيري سبق واقترح أن مفتاح انهاء اراقة الدماء في سوريا هو تغيير بشار الأسد و لكن الامر يرتبط "بالحسابات"و يعى كيرى جيدا أن الطريق لذلك يمر عبر موسكو . وهذا ايضا يثير شبح الماضى فبدلا من صياغة توجه جديد بشان سوريا، تستعد إدارة أوباما لتكرار أخطاء الماضي ، وعلى راسها الاستعانة بالروس ، فبعد العامين الماضيين كان ينبغي أن ندرك انه من غير المرجح أن يساعد الكرملين الولاياتالمتحدة فى التنسيق لاخراج الأسد. وهذا ليس بسبب مبيعات الأسلحة الروسية أو مرافقها البحرية في سوريا، ولا لعدم وجود تنسيق و مشاركة للولايات المتحدة مع موسكو. انما لان الكرملين يعتقد أن لديه مصلحة في إفشال محاولة الولاياتالمتحدة تغيير نظام اخر عبر مثل هذه التدخلات العسكرية، والتى تمتد من صربيا إلى ليبيا، وهو ما يشكل تهديدا للاستقرار الدولي، ويشكل سابقة يمكن أن تستخدم يوما ما ضد موسكو. الأهم من ذلك، أن الروس لديهم ثقة اقل من واشنطن في التأثيرعلى دمشق. حتى لو ضغطت موسكو على الأسد، فإنه ليس من المؤكد ان يدفعه هذا الى التفكير في المغادرة خاصة و ان مع تعدد خسائره التى لا تحصى والانتكاسات الدبلوماسية والعسكرية لم تجبره على فعل ذلك، بما في ذلك خسارة حلفاء مثل تركيا و خسسارة الثلث الشمالي من بلاده للمتمردين. وهذا يشير إلى وجود مشكلة أكثر عمقا مع تصور و صياغة كيري للازمة، فطالما راهنت الولاياتالمتحدة ومنذ فترة طويلة على استراتيجيتها الخاصة بإقناع الأسد بالخروج و ترك السلطة ، اعتقادا ان هذا من شأنه أن يمهد الطريق لتسوية عن طريق التفاوض بين المعارضة السورية الموحدة وبقايا النظام لتجنب حدوث انهيار الدولة كما في العراق . ولكن مفهوم"الانتقال السياسي السلمي" أمر مشكوك فيه على نحو متزايد فى سوريا. وبدلا من تغيير النظام دون انهيار الدولة، يحدث العكس الذى بدا يتكشف في سوريا حيث بدات علامات ظهور الدولة الفاشلة ، ويحارب نظام الأسد على اكثر من جبهه مع الارتباط بشكل اوثق مع ايران وحزب الله.. ومثل هذا النظام هو أقل احتمالا أن يكون راغبا أو قادرا على التفاوض حول نهايته الخاصة وأكثر عرضة للمواصلة القتال، حتى لو كان هذا يعني التخلي عن دمشق وإقامة دولة علوية على ساحل البحر المتوسط، وحمايتها بواسطة الأسلحة الكيميائية و الميليشيات التي يرعاها الحرس الثوري الايراني . وفي الوقت نفسه، وعلى الجانب الآخر من الصراع، فان تنظيم القاعدة على صلة بالمتطرفين يواصل كسب نفوذ من خلال توفير المساعدة للثوار و المعارضة و هو امر لا ييده الغرب الذى يتمسك بفرص السلام عن طريق التفاوض. يمكن لواشنطن، بطبيعة الحال، الحفاظ على ألامل بأن روسيا سوف تساعد فى اخراج الأسد وسوف تساهم فى عقد اتفاق يحفظ الدولة السورية ولكن هذا لم يعد مقبولا أساسا للسياسة. فكما الأسد والإيرانيين لديها خطة بديلة خاصة بهم، لذلك يجب ان يكون هناك واحدة خاصة بواشنطن . و يجب ان يكون العنصر الأول من هذه الاستراتيجية هو الاعتراف بأنه اذا وجد احتمال لتغيير حسابات الأسد وعصابته، فان هذا سيكون نتيجه قيادة جريئة من واشنطن، وليس موسكو على وجه التحديد، وان استخدام القوة العسكرية المحدودة، مثل الغارات الجوية، لتحييد القوة الجوية للأسد، ولحماية المدنيين في المناطق المحررة والتأكيد على أن السبب فى استخدام القوة ان الرئيس السوري شخص ميؤوس منه. تماما كما كان من المستحيل حدوث تسوية دبلوماسية في البوسنة ، ودفعت الغارات الجوية لحلف شمال الاطلسي سلوبودان ميلوسيفيتش إلى طاولة المفاوضات، وهو ما سينطبق ايضا على سوريا. ثانيا، نحن بحاجة إلى قبول احتمال أن تسوية تفاوضية لن تكون قابلة للتحقيق على الارض وبدء العمل للتخفيف من الآثار الأكثر شرا من انهيار الدولة. هذا سيؤدي إلى ضرورة دعم الولاياتالمتحدة للمعارضة السورية. وأن ذلك يمكن أن يساعد ترجيح كفة الميزان ضد الأسد، وتمكين المعتدلين وبناء النفوذ مع المعارضة. و هناك سبب آخر، أكثر إلحاحا الآن: هى آخر وأفضل أداة للمساعدة في تحديد ما إذا كان سيتم ملاء الفراغ ما بعد الأسد من قبل قوات موحدة وقادة محترفين يمكنهم الحفاظ على النظام ام سيبقى خليط من الميليشيات العرقية والطائفية دون ان يكون للولايات المتحدة نفوذ لديها . وهذا يعني، إذا كان جون كيري يأمل في إنقاذ سوريا، يجب ان تتغير حساباته .