لو بحثنا عن جملة تعبر عن الأزمة التي تعيشها مصر اليوم، لن نجد اقوى من الآية 247 من سورة البقرة التي ذكر فيها الحق جل في علاه: {قَالُوَاْ أَنَّي يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْه}، فالمشكلة ليست الديمقراطية أو الحريات أو العدالة الاجتماعية أو مكافحة الديكتاتورية أو حتى تداول السلطة التي يتشدق بها جميع الاطراف، ولكن المشكلة كلها في"الكرسي" أو"الملك" أو مقعد رئاسي في ملك زائل. الأمر ليست له علاقة حتى بالدكتور محمد مرسي، قد يكون انتماء الرئيس إلى جماعة الإخوان المسلمين قد جعلهم يتميزون غيظا من الرئيس، لكن حتى لو كان الفائز بالرئاسة مثلا السيد سامح عاشور نقيب المحامين ورئيس الحزب الناصري، فسوف يكون السيد احمد حسن الامين العام السابق لنفس الحزب وغريم السيد عاشور داخل الحزب الناصري، هو أول من يطعن في شرعية الرئيس الناصري رغم الانتماء الايديولوجي الواحد للاثنين. ولو كان الفائز بالرئاسة الزميل حمدين صباحي، لوقف حزب الوفد عن بكرة ابيه يتقدمهم السيد البدوي (نصير حمدين في جبهة الانقاذ) ضد رئيس ناصري سيعيد الحراسات والتأميم ومصادرة الأراضي والمعتقلات وزوار الفجر ومحاكم الثورة وأحكام الاعدام على سجناء الرأي. وعلى الجانب الآخر لو حدث وفاز السيد عمرو موسى، فسيقف كل من في جبهة الانقاذ ضده، وأولهم حمدين صباحي وعبدالمنعم أبوالفتوح، لايمانهم بأن وصول موسى إلى حكم مصر معناه إعادة انتاج نظام مبارك في ثوب جديد، غير الثوب القبيح والمهلهل لإعادة انتاج نفس النظام فيما لو فاز الشفيق أحمد الفريق. وسيفند جميع انصار جبهة الانقاذ دعاوي موسى بأنه خرج من الحكم مضطهدا خلال عهد مبارك، لأنه لو كان قد خرج مطرودا أو مضطهدا بالفعل، ما كان قد اصبح مرشح مبارك لمنصب الأمين العام للجامعة العربية حيث الراتب بالدولار والمخصصات بالكوم، لأن الدكتور كمال الجنزوري حين خرج من رحمة مبارك، عاد الى منزله دون أن يكلف بمنصب إقليمي أو دولي، أو يحصل على وسام أو قلادة أو حتى ميدالية، بل صدرت الأوامر بعزله وإطفاء الأنوار من حوله فيما يشبه تحديد الإقامة. الأمر اذن لا علاقة له بأي مبادئ أو ايديولوجيات أو حتى أخلاق. الأمر كله.. أوله كرسي.. واوسطه قصر.. وآخره عتق من فئة المحكومين، أي اجتمع الناصري على اليساري على البدوي على هدف واحد هو اقصاء واستئصال الإسلاميين. ولا يهم في سبيل هذا الكرسي أن يخرب البلد ويدمر الاقتصاد وتنخفض قيمة الجنيه إلى أدنى مستوياته امام الدولار، وتهرب الاستثمارات ويفزع السياح ويعزفون عن زيارة مصر ويغلق عدد كبير من المصانع ابوابه، وتنهار قيمة الاسهم في البورصة، وتحاصر الميادين والمحاكم وقصر الرئاسة، وتطلق المليونيات كل يوم حتى اصبحت مصر بلد المليون مليونية!!... نزرع مليونيات وننتج مليونيات.. ونصنع مليونيات.. ونصدر مليونيات.. وكفى الله المصريين شر الانتاج.. ولا ألوم هنا طرفا دون آخر، فالكل مسئول عن وصول حال البلد الى شبه الشلل التام. وحتى يتحقق الاستقرار والامن والامان هناك طريقان للسلامة وثلاث طرق للندامة.. الموافقة على الدستور وبدء طريق تعديل المواد المختلف عليها عبر الحوار، هما طريق السلامة، والحرب الاهلية وثورة الجياع ونزول الجيش للسيطرة على الحكم هي طرق الخراب والندامة والديكتاتورية، والغريب ان كثيرين مازالوا يراهنون - نكاية في الدستور- على طرق الندامة وهم لا يدركون خطورتها، فلو وقعت احدى القارعات الثلاثة، لن يستطيع مصري واحد الخروج من بيته، ولا نتمنى لبلدنا ان تقع به- لا قدر الله- حرب أهلية يكون فيها القتل على الهوية (بطاقة الرقم القومي) كما حدث في لبنان، وندعو الله ألا تقع ثورة جياع لانها لن تبقي ولن تذر، وقد يحرق فيها سيارات لموظفين غلابة دفعوا فيها دم قلوبهم ظنا من الجائعين الثائرين انها لعلية القوم، واخيرا لو نزل الجيش لتولي الحكم لن يعود إلى ثكناته بعد أن حذر أكثر من مرة بضرورة العودة للحوار والاصطفاف حول نداء السلم الأهلي. وأؤمن تماما انه خيار لايتمنى الجيش ان يضطر إليه يوما ما. لا أريد أن اخيف أحدا لأن ذكاء ووعي الشعب المصري أثبت ان اختياراته أكثر حكمة وتعقلا من كثير من القوى السياسية سواء الليبرالية أو حتى الإسلامية.. أنا منحاز لاختيار الشعب، وهو نعم الاختيار. تحية لشعب الكنانة، معلم ومربي النخبة والمثقفين. نقلا عن جريدة أخبار اليوم