كان الوضع أمام كاميرات التلفزيون في برنامج حواري بين «المتسابقين» الديمقراطيين للفوز بترشيح الحزب لهما، لخوض انتخابات الرئاسة الأميركية. كل واحد جاء بأمل ان يبرز أفضل ما لديه من «لغة الجسد»، تلك التي تؤثر على المشاهد وتضيف لحديثه وآرائه ما يزيدها زخما وعاطفة وقدرة على التأثير والإقناع. وجرت تفاصيل الحوار وكل مرشح يريد كسب أرض جديدة. المذيع تيم روسرت يضغط على هيلاري رودام كلينتون للإجابة على سؤال تحاول التخلص منه وكان ثلاثة من مدربي الاحاديث العامة يشاهدون التلفزيون. فماذا جرى؟ المذيع التلفزيوني روسرت يقول خلال النقاش الديمقراطي الذي جرى أخيرا في ولاية هامبشير «لا اتركيني اكمل». فترد عليه هيلاري بحسم «أعرف السؤال» واستمرت في مقاطعته حتى اضطر للاستسلام وسمح لها بالإجابة، على النحو الذي تريد. والحال فإنه بعد ساعات لم يكن الخبراء قد تمكنوا بعد من نسيان الطريقة التي انتصرت بها هيلاري على روسرت: نظرة ثابتة لا تتحول، صوت هادئ النبرات، ويدها اليسري ترسم خطا يجب عدم عبوره. وعلق الخبير بالأحاديث العامة سيث بندلتون بقوله «اذا ما ارتفع صوتها او اذا ما قاطعته بسرعة لكان الامر استفزازيا». وعلى ذلك علق أيضا زميله جون نفينغر بقوله «نعم. كانت صبورة في مواجهة ما بدر منه وأوحى بافتقاره للتفاهم» وأيده مات كوهوت قائلا «كانت رائعة». ولكن... ما هي اجابتها؟ أكان الأمر متعلقا بإسرائيل وسورية؟ لم يتمكن احد من التذكر. وقال بندلتون ضاحكا «انها اللغة غير اللفظية. ذلك هو الامر المثير هنا». انها اللغة غير اللفظية «المعبرة» هي التي يعتقد الشركاء الثلاثة في «كي.ان.بي» للاتصالات، شركة استشارية صغيرة مقرها في واشنطن، هي التي تلعب دورا في كيفية دفع الناخب لاختيار المرشح. وأشاروا الى الابحاث الاكاديمية التي تتوقع، بل تتنبأ بالموضوعات العامة في دقة تثير الدهشة، وتوضح من المرشحين فاز بالانتخابات بعد مشاهدة «كليب» قصير بلا صوت. إنه «علم الانطباع الاول» – المتعلق ليس فقط بما يقوله المرشحون ولكن «كيف» يقولونه وايهم ينقل الاحساس بالدفء والقوة مع اشارات صريحة او نظرة حادة وأي منهم اضعف وجهة نظره بوقفة تنم عن الضعف. وبكلمة اخرى، لماذا هزم ريجان كارتر؟ ولماذا هزم بيل كلينتون دول؟ ويكسب الخبراء الثلاثة من «كي.ان.بي» (الذين يؤيدون الحزب الديمقراطي ولكنهم غير مرتبطين بأي من المرشحين للرئاسة الأميركية التي ستجري في عام 2008) عن طريق تدريب رؤساء مجالس الادارة على الاسترخاء. وقد وافقوا على مشاهدة وتمحيص النقاش «الديمقراطي»، الذي جرى أخيرا، لكي نتحدث عمن يمتلك تلك القدرات عندما يتعلق الأمر باللغة غير اللفظية. * هيلاري كلينتون وأبدى الخبير نفينغر اعجابه بلغة هيلاري غير المنطوقة قائلا: «نظرات عينيها تنم عن القوة.. تحركاتها متعمدة ولكنها ليست متخشبة». وزاد «كما أن صوتها اكثر هدوءا من اعضاء مجلس الشيوخ الذين يصرخون». وكان الموضوع حول الشرطة المحلية التي ترفض تطبيق قوانين الهجرة. وقالت هيلاري وهي تهز رأسها «لا اعتقد بوجود اختيارات». وابدى الخبير سيث بندلتون أيضا اعجابه بحركة رأسها، مؤكدا انها «تساعد على تأكيد ما تقول»، ومضيفا «اذا ما اومأت يومئ الناس معك». الا ان هيلاري تعطي الاحساس دائما بالقوة وبالدفء؟ أمر جديد بالنسبة لها. ولذا يأتي الاختبار في اللحظة التي تعلن فيها كلينتون انها تعارض التعذيب «حتى للحصول على معلومات تتعلق بهجوم ارهابي قريب أو متوقع». وهنا وكأن مدير الجلسة روسرت قد وجد ما يفتك به، أو كأنه غنم منها ممسكا، يذكرها بأن زوجها (الرئيس السابق كلينتون) كانت «لديه وجهة نظر مختلفة». فردت عليه هيلاري وهي تنظر اليه نظرة فوقية «هو (كلينتون) ليس هنا الآن»، ثم اعقبتها ببسمة «سأتحدث اليه في ما بعد». ويقول بندلتون «نجحت في أن تشير بنبرات صوتها إلى أنها هي المسؤولة الآن. ولكنها تنهي الموقف ببسمة حقيقية. هذه موهبة، نقل الدفء والمرح». * جون إدواردز «يطرف بعينيه كثيرا، هل هو الضوء؟ وتبدو ابتسامته مفتعلة». وقال الخبير كوهوت «يميل جون ادواردز الى فقدان الابتسامة بسرعة. ليست ابتسامة حقيقية». وعندما يتحدث عن الارهاب تبقى حواجبه مرتفعة لفترة قليلة. وقال نفينغر «يبدو حين يتحدث وكأنه يكتب بحروف كبيرة capital التي تتلاشى قيمة الأمر كلما زاد استخدامك لها». وأضاف أن لغة جسده (إدواردز) تعبر عن حماس حقيقي عندما ينتقل الموضوع الى مجال الاقتصاد. وقال ادواردز «يجب أن نكون في منتهى الحذر» عندما نتحدث عن الضمان الاجتماعي، ثم كور يديه «وكأنه يحمل بيضا». وينتقده روسرت بسؤال عن «قَصّة» شعره التي تكلف 400 دولار، وعن نصف مليون دولار كسبها من صندوق تغطية Hedge Fund، وهنا بدا ادواردز متوترا، حسب رأي الخبير نفينغر. ويقول بندلتون موافقا «فعلا اصبح متوترا». وذكر الخبير نفينغر «يمكن ان يكون اكثر توترا، خاصة إذا ما غابت البسمة من على وجهه». ولكن بندلتون قال ان ادواردز اظهر قدرا من الضيق فهو «يتحدث بسرعة، وكأنه يقول أتريد بعضا من ذلك؟ وتضيق عيناه. جزء من شخصية كلينت ايستوود». * باراك أوباما حكموا عليه بأنه «يتنقل من جانب إلى آخر لكن بطريقة «ديناميكية» غير متسرعة. وهو يقوم بتجعيد جبينه حينما يتحدث عن العراق، وذلك أمر مناسب». لكنه (أوباما) مرشح تمكن من أسر القلوب ب«سيماء» خطابه المتفائل الذي ألقاه عام 2004 في مؤتمر الحزب الديمقراطي. يقول بندلتون: «كان تماس عينيه في كل الاتجاهات. وإيقاع كلماته طبيعي وحيوي». والسؤال الآن هو: هل سيتمكن أوباما من استرجاع ذلك الآن؟ إنه، والحقيقة تقال، قادر حينما يبدأ بالتكلم حول أطفاله يميل رأسه إلى أعلى ويشع وجهه. أنت لا تستطيع أن تفرض هذا النوع من الدفء. وهو مثل ادواردز يتألق مرة أخرى، حينما يتحرك الموضوع إلى قضايا لها علاقة بالاقتصاد وجيوب الناس، ثم هناك تلك الإطلالة، التي يحاول نفينغر أن يقلدها: رأس زعيم، وابتسامة خالية من التكلف، وومضة جانبية في العينين». هذا هو السبب الذي جعله مرشحا على صغر سنه. إنه شخص هادئ. ويعرف كيف يهز رأسه. وهذا ما كان ريغان قادرا عليه. * جو بيدن صوت قوي. أكثر استرخاء من أي وقت آخر، وهو يعطي إجابات واثقة بكلمة واحدة ويقاوم الميل القديم للتحدث بطريقة خطابية. وهو تقريبا خطيب عظيم. عدا عن أنه، كما أضاف نفينغر: «نحن نتكلم عن العراق. حسنا؟. لنر إن كان قادرا على الحفاظ على ابتسامته». لكن مع بيدن أنت لا تعرف متى تعود الابتسامة إلى وجهه. فحول المدن التي تتكيف مع قوانين الهجرة الفيدرالية تتجلى ابتسامته العريضة، وهو يصف مدينة غارقة بالمشاكل بأنها «ذهبت إلى النفاية». ولاحظ الخبير بندلتون أن بيدن يبتسم ببساطة على ما هو «عبثي» في الوضع. وقال نفينغر: «لكن المقاربة ما بعد الحداثة ذات الطابع التهكمي مأخوذة من العنصر العاطفي الموجود في القضية نفسها». * بيل ريتشاردسون يتحدث عن العراق بحماسة، بإيقاع بطيء، كلمة تعقب أخرى. قال نفينغر«إنها ليست الطريقة التي يتحدث فيها الناس بعضهم إلى بعض» وهناك العادة السيئة فهو كلما قال «المشكلة هي» أو «هنا المشكلة» يشير من دون أن يقصد إلى نفسه. لكن ريتشاردسون يسترجع حيويته حينما يتحدث عن موضوع الهجرة. فهو يحرك قبضتي يديه مثل مقاتل، ويرفع رأسه عاليا مع كل نقطة يثيرها ويمكن تلمس المشاعر معها وكأنها حقيقية. وقال كوهوت: «ذلك هو بيل ريتشاردسون الذي يشعل حقا عواطف الناس. إنها قضية قريبة إلى نفسه». * كريس دود إنه طويل، وهذا ما يحبه الناس. فبشكل غير شعوري يمنح ذلك شعورا بالقوة. وإيماءاته قوية وذات تصميم قوي. لكن تلك النظرة المحدقة الشبيهة بنظرة النسر والمرفقة بحاجبين سميكين أسودين تجعلان قسمات الوجه نادرا ما تلين. وقال نفينغر: «لا يمكنك أن تشعر غالبا بالدفء مع كريس دود. أما بندلتون فقال إنه لو كان (دود) زبونه «سنطلب منه أن يحكي قصة مرحة، شيئا ما يمنحه الدفء، ويفتح إيماءاته». ومثلما فعل دود لفترات قصيرة فبعد لحظات راح يتحدث عن بناته. قال بندلتون: «النقاط التي يثيرها جيدة. لكن الأشياء تتحرك معا. اطرح ثلاث نقاط بدلا من أربعة. أنت تريد الجمهور أن يقيمها. إنه، مثلما يقولون في الجاز، الفراغ ما بين الجمل الموسيقية». * مايك جرافيل حينما وبخ المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون بسبب تصويت على قرار زعم أنه سيؤول إلى حرب مع إيران، أشار بذراعه بقوة باتجاهها، كما زعم غريفل. وقال نفينغر معلقا في تساؤل: «أنت تظن أن إيماءة قوية من هذا النوع ستعبر عن القوة؟ لكننا لا نبحث عن يد هادئة، وهو يصرخ». * دينيس كوتشيني ذلك جدير بالشفقة. فبالنسبة للمرشحين من الدرجة الثانية، نجدهم تواقين جدا كي تُسمع أصواتهم. ولهذا فهو يقلد سرعة دود في الإيقاع حيث أنه يتخم خطاباته بمواضيع الأسلحة النووية والحرب وتبني سياسة خضراء في إجابة واحدة. ثم تأتي فرصته «يمكنكم أن تحصلوا على رئيس» يعارض الحرب ويعارض قانون الإخلاص للوطن ويدعم العناية الصحية بدفع أجر واحد. ثم بوجه عبوس أضاف: «يمكنكم أن تحصلوا على رئيس طويل». قال نفينغر: «انظر إلى ذلك. هذا الرجل هادئ هذه الليلة! إنه غير متوتر والحاجبان مستقيمان... وإذا حصل على قدر أكبر من الشعر الأبيض وبقي كل الوقت هكذا فإنه قد يحقق قدرا من النجاح».