عدد الباحثين عن عمل بين الشباب آخذ في الارتفاع في جميع أنحاء العالم، وخاصة في دول الاسواق الناشئة ، و هى قضية ليست مثيرة للقلق فقط بالنسبة للعالم العربي بسبب الثورات والاضطرابات المتصاعدة يوم بعد يوم ، ولكنها أصبحت معضلة عالمية على الرغم من جهود الدول في السنوات القليلة الماضية وخططها التى وضعتها لتوظيف الآلاف من مواطنيها كوسيلة للتعامل مع الموقف. الأزمة الحالية فى منطقة اليورو ، على سبيل المثال، تركت أثرا سلبيا على بلدان كثيرة أخرى خارج القارة الأوروبية، بما في ذلك شرق آسيا، مثل الصين وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وأفريقيا، وهى الجهات التي تعمل في مجال التجارة الخارجية مع أوروبا. فالازمة الاوربية ادت إلى انخفاض في الاستثمار الأجنبي والتجارة بالنسبة لبعض البلدان، ناهيك عن الخسائر الفادحة في الفرص التي من المفترض أن تقدم لشباب الباحثين عن عمل. البيانات الصادرة عن منظمة العمل الدولية (ILO) تشير إلى زيادة في معدلات البطالة بين الشباب في جميع أنحاء العالم، وخاصة في البلدان النامية، مع استمرار الأزمة في منطقة اليورو من المتوقع أن تصل البطالة إلى 12.9 في المائة بحلول عام 2017، أي بزيادة قدرها 0.2 في المائة مقارنة بالعام الحالي 2012. و توقعات منظمة العمل الدولية ، تدعو جميع الحكومات إلى تخصيص المزيد من الأموال للبرامج التدريبية التي تستهدف الشباب لتأهيلهم للاستفادة من فرص العمل المتاحة. بالنسبة للوضع في العالم العربي ، فانه يزداد سوءا على الرغم من التوقعات المتفائلة ازاء حل ازمة منطقة اليورو على مدى العامين المقبلين. فقد اظهر أحدث تقرير صدر عن منظمة العمل العربية (ALO) عن العمالة والبطالة في الدول العربية ، أن عدد العاطلين عن العمل ارتفع إلى 17 مليون نسمة. و هو رقم يزيد عن 16 في المائة مقارنة مع تقديرات عام 2010 متضمنا اعداد البطالة الهيكلية، والدورية و الموسمية. ويمكن أن يعزى زيادة عدد الباحثين عن عمل في العالم العربي إلى عدة أسباب، بما في ذلك احداث الربيع العربي التى أثرت على معدلات البحث عن عمل، والتي ارتفعت إلى أكثر من 18 في المائة، أي بزيادة قدرها 4 في المائة، بالمقارنة مع التقديرات لعام 2010 والتي بلغت 14.5 في المائة . وعلاوة على ذلك، فإن عدم وجود المناخ الاستثماري ادى إلى انخفاض أو عدم كفاية الاستثمارات الملائمة للحد من البطالة في المنطقة العربية. وفى هذا السياق نلفت النظر الى ان حجم التجارة الثنائية بين الدول العربية لا يتجاوز 100 مليار دولار في حين يبلغ حجم الإنتاج العربي نحو 2.5 تريليون دولار. و حجم الاستثمارات في العالم العربي لا يتجاوز 34 مليار دولار. وعلى الرغم من هذه الأزمة، فان بعض الخبراء العرب متفائلون، لا سيما من قدرة حكومات بلدان الربيع العربي على خفض مستويات البطالة اعتبارا من العام المقبل 2013. ومع ذلك، يرتبط هذا الامر بضرورة الإسراع في تحقيق الاستقرار السياسي والأمن الاجتماعي والعوامل الحاسمة في انعاش الاقتصاد من جهة، وجذب الاستثمارات الأجنبية من جهة أخرى. في الاجتماع الأخير لمنظمة العمل العربية فى العاصمة القطرية الدوحة ، شدد الأمين العام للمنظمة أحمد لقمان، بأن هذا سيكون عاما صعبا على سوق العمل، وذلك لأن بلدان الربيع العربي تحتاج الى بعض الوقت من أجل استكمال إعادة بناء الهياكل السياسية والاقتصادية والتشريعية وإقامة الأمن والاستقرار قبل محاولة تحفيز العمليات الإنتاجية لدفع الاقتصاد. ويعتقد لقمان أن الدول العربية تحتاج إلى خطة مماثلة لخطة مارشال، معتبرا أن التحولات السياسية في المنطقة سيكون لها تأثير إيجابي على سوق العمل، كما رفعت قضايا العمالة والبطالة امام انظار قادة المجتمع العربي و بطريقة مختلفة عما كانت عليه في الماضي. ارقام الصادرة عن منظمة العمل العربية تفيد أن عدد العاطلين العرب عن العمل كان بين 17-18 مليون قبل فترة وجيزة من الربيع العربي. وارتفع هذا العدد إلى ما بين 19 و 20 مليون في الوقت الحاضر بسبب الإغلاق وعمليات تقليل انتاجية الكثير من المصانع وتناقص اعداد وحدات إلانتاج الجديدة في الوقت الذى تواصل فيه مؤسسات التعليم و التدريب العربية ضخ الخريجين الجدد إلى سوق العمل. وعلى الرغم من أزمة العمالة، الا انه هناك أمل واسع بأن استقرار الوضع السياسي في العالم العربي سيكون قادر على مواجهة والقضاء على هذه الأزمة. و يعرب الأمين العام لمنظمة العمل العربية عن تفائلة بأن هناك بالفعل بعض المؤشرات الايجابية لخفض عدد العاطلين عن العمل بحلول العام القادم و على نطاق أوسع في عام 2014.. لكنه يؤكد ان ذلك يعتمد على سرعة توفير بيئة مستقرة اقتصادية وسياسية لجني الفوائد من الأهداف النبيلة التي أوجدتها الثورات العربية. . ويحذر الشباب العربي بأن الاحتجاجات الجارية في الدول العربية ستؤدي حتما إلى سحب رؤوس الأموال الأجنبية من جهة ودخول رؤوس الأموال العربية في حالة جمود من جهة أخرى. لذلك، يطلب من كل المؤسسات العربية ووسائل الإعلام ترشيد ثقافة الاحتجاج، وذلك لخلق توازن بين مستويات أعلى من الإنتاج و قيم حقوق المطالبات. بصفة عامة، ان القضاء على أزمة الباحثين عن عمل في الدول العربية يتطلب اعتماد استراتيجيات استباقية، وسياسات التنمية على المدى الطويل بدلا من تلك السياسات الظرفية كما تفعل بعض الأنظمة العربية لاستيعاب غضب المحتجين . . وتحتاج المرحلة المقبلة إلى إعطاء الأولوية لإعادة تأهيل العمال العرب وتسليحهم بالقدرات اللازمة، وزيادة معدلات النمو الاقتصادي، و خفض معدلات الفقر وتعزيز مختلف جوانب الرعاية الاجتماعية و الصحية وتوفيرعقود العمل المضمونة.