رغم أن الزعيم الفلسطينى الراحل "ياسر عرفات" تعرض فى حياته لأكثر من ثلاثين محاولة إغتيال, إلا أن كلها فشلت بسبب الحس الأمنى الذى كان يتمتع به, أو لبراعة الأمن الفلسطينى المكلف بحمايته, حيث كان عرفات يختارهم وحده وتربطه بهم علاقات شديدة الخصوصية, وهو ما جعل من قضية إغتياله لغزا متصاعد الغموض. ورغم مرور ثمانية أعوام على وفاة عرفات فى الحادى عشر من نوفمبر عام 2004, وظهور دلائل مؤكدة على اغتياله بواسطة "السم", إلا أن إجراءات التحقق من طبيعة السم ومحاولات التوصل للفاعل المنفذ تسير ببطء شديد, بإعتبار أن هذا الملف الشائك يعتبر قنبلة موقوتة لا يجب التعامل معها إلا بحذر شديد, لأنها سوف تتطيح بعدد كبير من الرؤوس فى حال إنفجارها خارج السيطرة. وقد كتب الصحفي الإسرائيلي المعروف "أوري دان" , وهو الإعلامي الذى كان الأكثر قربا من شارون, في كتابه "أسرار شارون" الذي صدر عام 2007 ( إن شارون قد تحلل في 14 أبريل 2004 من وعده لبوش بعدم التعرض لعرفات, وفي اللقاء الذي عقد بينهما في البيت الأبيض, قال شارون لبوش إنه لا يعد نفسه ملزما بالوعد الذي منحه له أثناء لقائهما الأول بعد فوزه في الانتخابات, وهنا رد بوش قائلا "ربما من الأفضل إبقاء مصير عرفات بأيدي قوة عليا, بأيدي الله" , فأجاب شارون "ربما يجب أحيانا عدم إنتظار الأقدار " . ويقول " دان" أنه عندما سكت بوش اعتبر شارون أنه "تحرر من عبء ثقيل" ,ويبدو أن هذا التحرر كان يعنى الخلاص نهائيا من عرفات بعد أن تم اعتباره (أمريكيا وإسرائيليا) عقبة في وجه السلام , وهو ما عجل بإتخاذ قرارالتخلص من الرجل وتعجيل تنفيذه بالفعل. وفيما يبقى القاتل والمحرض الأصلى معروفا وهو إسرائيل , تطفو فى كل مناسبة الاتهامات بالتواطؤ مع المجرمين لتعود إلى الواجهة من جديد, وغالبا في سياق التراشق بين قيادات حركة فتح, التى بدأت بقنبلة فاروق القدومي رئيس الدائرة السياسية بمنظمة التحرير التي اتهم خلالها الرئيس الحالى محمود عباس " أبو مازن" والقيادى الأمنى المثير للجدل محمد دحلان بالمشاركة في الجريمة, مرورا باتهام قيادة فتح لمحمد دحلان بذات التهمة, وليس انتهاء باتهامات مستشار عرفات الإقتصادى محمد رشيد (خالد سلام) للرئيس الفلسطيني محمود عباس. وإذا كانت آلية تنفيذ الجريمة مازالت غامضة بالإضافة إلى عدم معرفة إسم منفذها, إلا أن آداة الجريمة الواضحة (السم) طبقا لطبيعة الحالة المرضية التي أصابت عرفات وعجز الأطباء عن تحديدها, يمكن أن تؤشر إلى مسئولية إسرائيل, استنادا إلى سابقتين شهيرتين هما محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسى لحركة حماس خالد مشعل في عمان , وعملية اغتيال القيادى فى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وديع حداد من خلال علبة "شوكولاته" أهديت إليه. ورغم غموض اسم القاتل وربما إستحالة التوصل إليه فى وقت قريب رغم الإعلان عن تكثيف التحقيقات فى تلك الجريمة, إلا أن الأكثر غموضا هو السبب الحقيقى لتغييب عرفات بتلك الطريقة الفاجعة بعد سنوات من حصاره داخل مقره "المقاطعة" فى رام الله.