قبل وقت قصير من ترك الدكتور نبيل العربي, منصبه كوزير للخارجية, ليتولي مهامه أمينا عاما للجامعة العربية, قدم للمجلس العسكري الحاكم وقتها مذكرة رسمية مكتوبة، تتضمن إنشاء مجلس أمن قومي للسياسة الخارجية, تدفعه إلي ذلك خبرة طويلة في العلاقات الدولية, ومعرفة بمدي احتياج مصر لهذا المجلس. فمجلس الأمن القومي في أيامنا هذه لم يعد اختيارا لنظام الحكم, بل هو ضرورة لاغني عنها, لاكتمال كفاءة الحكم, وكانت المؤشرات الأولي من بعد ثورة25 يناير, قد كشفت عن أن مصر مهيأة لتقلد دور إقليمي ودولي, ينهي انكفاءها علي نفسها داخل حدودها, وهو مادعا دولا إقليمية ودولية, لمراجعة ثوابت سياساتها الخارجية مع مصر لكن عشوائية إدارة المرحلة الانتقالية, وغياب أي ملامح لاستراتيجية أمن قومي, جعل هذه الدول تلتزم بحالة من الترقب والانتظار, إلي أن يتبلور شكل الأمور في مصر. والذي يبلور ملامح السياسة الخارجية هو ما يعرف بمبدأ أو مفهوم السياسة الخارجية, وهو معمار فكري, عبارة عن نوع من الهندسة السياسية, التي تقوم بتأسيس قائمة من المبادئ الأولية لسياسة خارجية, تحتوي علي تصور واضح للوضع الراهن في العالم, وشكله, وعلاقاته, ومكان الدولة فيه, مع تحديد واضح للمهام التي تتولاها السياسة الخارجية, وذلك بناء علي توجيهات ثابتة, للأجل الطويل, وتوجهات متغيرة للأجل القصير, بما يستجيب لما قد يستجد في العالم من أحداث. ويعد مجلس الأمن القومي, في الدول التي أخذت بهذا النظام, ركنا أساسيا في إدارة السياسة الخارجية, كفريق معاون للرئيس, وملحق بمؤسسة الرئاسة, بشكل وظيفي يومي, وهو فريق لاتختص بنظام عمله القوي الكبري وحدها, بل راحت الدول الصاعدة في آسيا وأمريكا اللاتينية, تأخذ به, وهو ما ارتقي بأداء سياساتها الخارجية, بنفس قوة نهضتها الاقتصادية والاجتماعية في الداخل. هذه الدول استفادت من النموذج الأقدم, وهو مجلس الأمن القومي الأمريكي الذي أنشئ عام1947, بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية, والذي تطور آداؤه في السبعينات. ومجلس الأمن القومي يضم عادة الرئيس ونائبه ومستشاره للأمن القومي, ووزراء الخارجية, والدفاع, والمالية, والاقتصاد, وعددا محدودا من الوزراء حين يكون موضوع المناقشة, متصلا باختصاصهم لكن القوة الرئيسية المحركة للمجلس تتكون من مجموعة محدودة من أصحاب الخبرة العريضة, في السياسة الخارجية, من ذوي الرؤية الاستراتيجية والإحاطة بالتحولات والتغييرات المتلاحقة في العالم خاصة في العشرين سنة الأخيرة, والذين لاينحصر تفكيرهم في تشخيص المشكلة الراهنة محل البحث, بل يمتد تفكيرهم إلي المستقبل, اعتمادا علي قدرة فائقة علي قراءة ورصد مؤشرات مبكرة, لما يحتمل أن تأتي به الأيام ويعاون هذه المجموعة الرئيسية المحيطة بالرئيس, مائتان(200) من الخبراء توكل إليهم مهمة تحليل المعلومات وتقديم المقترحات. والملاحظ أن أوباما أضاف في وثيقته الاستراتيجية الصادرة عام2010, أن الأمن القومي, له ثلاثة أعمدة رئيسية هي: الاقتصاد, والأمن الداخلي, وتحسين صورة أمريكا في نظر العالم. والتركيز هنا علي الأولوية التي يحتلها الاقتصاد, كأهم مكون لقوة الدولة, يتفق مع ما كان قد استقر في الفكر السياسي العالمي, في السنوات العشر الأخيرة من القرن العشرين, من أن القدرة الاقتصادية التنافسية, قد صعدت إلي قمة مكونات الأمن القومي للدولة. لكل هذه الاعتبارات, وما استجد في العالم في السنوات الأخيرة, وفي جو عصر ثورة المعلومات, من تغير جذري في مفاهيم الأمن القومي للدول, وتنوع التحديات لأمنها القومي, ليس فقط مايتربص بها من خارج حدودها, بل ايضا ما تتكاثر مكوناته الخطيرة في الداخل, فضلا عن احتياج مصر المتزايد بعد ثورة25 يناير, من تحصين للثورة من أعدائها, ومن ضرورات تسلحها بسياسة خارجية بالمعني العلمي والسياسي المتعارف عليه لمفهوم السياسة الخارجية, فإن مصر ليس لديها حالة من رفاهية التأخر في ايجاد مجلس أمن قومي للسياسة الخارجية. ومن المعروف والمستقر لدي مختلف الدول الناجحة, ان تكوين مجلس الأمن القومي, يتم باختيار أعضائه بمعايير الكفاءة والمعرفة والتخصص ممن يتصفون بالرؤية الاستراتيجية للأمور وبهذا يكون المجلس المعاون للرئيس قوة حيوية تسهم في نهضة الدولة وازدهارها في الداخل وتعظيم قدراتها ومكانتها في الخارج. نقلا عن صحيفة الاهرام