جاءت الانتخابات الرئاسية في مقديشو كتتويج لخارطة الطريق نحو صومال جديد، والتي كانت تسير إجراءاتها على قدم وساق منذ قرابة عام كامل، بدأت بوضع مسودة دستورية، وعقد مؤتمر لشيوخ القبائل لاختيار مجلس تأسيسي لمُناقشة وإجازة المسودة الدستورية، إلى جانب اختيار برلمان مُكون من 275 عضوًا، يُوزع وفقًا للحصص القبلية على "قاعدة 4.5"، واعتبار ذلك خطوة ايجابية تفتح آفاقًا واسعة نحو تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية التي طال انتظارها. ويتوج انتخاب الرئيس الجديد - حسن شيخ محمود - عملية سياسية طويلة وضعها المجتمع الدولي لهذا البلد الإفريقي، الذي شهد حربًا أهلية استمرت أكثر من 21 عامًا، ومرحلة انتقالية امتدت قرابة 11 عامًا، وتهدف إلى إقامة مؤسسات مُستقرة في بلد محروم من حكومة مركزية حقيقية منذ سقوط الرئيس السابق سياد بري في 1991، حيث شهدت الصومال منذ ذلك التاريخ حروبًا بين الجماعات الإسلامية وعصابات إجرامية، واندلاع موجات من الحرب الأهلية الدموية. وكان مسئولون غربيون أشادوا بالانتخابات الرئاسية ووصفوها بأنها الأولى من نوعها في الصومال منذ 45 عامًا، وقالوا إنها أكدت على أن الصوماليين مستعدون لوضع نهاية لإراقة الدماء التي لا تنتهي، والفساد المُستشري الذي أضر بالبلاد لعقود من الزمان. لقد عانى الصومال من الفوضى منذ الإطاحة بالدكتاتور محمد سياد بري عام 1991، ومنذ العام الماضي مارست قوات الاتحاد الإفريقي ضغوطًا على مُتمردي حركة "الشباب الإسلامية"، التي تسيطر على مساحات شاسعة من وسط وجنوبي البلاد، وجرى طرد المتمردين من العاصمة مقديشو. وقد شهد الصومال في الآونة الأخيرة تطورًا سريعًا نحو الديمقراطية، خاصة من حيث تشكيل البرلمان الصومالي والانتخابات الرئاسية، على الرغم من الخلافات القبلية التي واجهت الانتخابات الرئاسية وأدت إلى تأجيلها، وقيام البرلمان الجديد بعقد جلسته الافتتاحية بحماية قوات الاتحاد الإفريقي داخل مطار مقديشو، بعد مُطالبة الأعضاء بتوفير الحماية لهم. وتأتي هذه العملية التي تحظى بدعم الأممالمتحدة، في إطار مسعى جديد لإنهاء حالة عدم الاستقرار التي تشهدها الصومال منذ نحو العقدين، حيث تعتبر هذا الحدث الجديد أفضل فرصة لإحلال السلام منذ أكثر من 20 عامًا، وفي الوقت ذاته حذر مجلس الأمن الدولي من مُمارسات "ترهيب" مؤكدًا استعداده للتحرك ضد أفراد تهدد مُمارساتهم السلام والاستقرار والأمن في الصومال. وتجري العملية السياسية في الصومال في الوقت الذي أحرزت فيه القوة الإفريقية - التي تتدخل دعمًا للقوات الحكومية - سلسلة من النجاحات العسكرية ضد أبرز قوى التمرد في البلاد، وفي مُقدمتها حركة شباب المجاهدين الإسلامية المتطرفة، وتم طرد هذه المجموعة المُتحالفة مع القاعدة، من العاصمة مقديشو في آب/اغسطس 2011 وخسرت في الأشهر الأخيرة العديد من معاقلها أمام هجمات القوة الإفريقية وبعد تدخل قوات إثيوبية في الصومال في نوفمبر/تشرين الثاني. لكن "الشباب" لا يزالون يسيطرون على مناطق واسعة في وسط الصومال وجنوبه ويشكلون، بحسب محللين، تهديداً جديًا لاستعادة السلام في الصومال.