في الطفولة كنا ننتظر العيدية، وفي العمر المتقدم نعمل حسابها، ولكن كثيرين لا يعرفون أنها كانت جزءا من سياسة الدولة، كان اللفظ يطلق على ما توزعه الدولة "فاطمية او مملوكية" من نقود في العيدين، الفطر والأضحى على أرباب الوظائف للتوسعة، هكذا كانت تعرف في وثائق الوقف، كان الناس من ارباب الدولة، أي كبار الموظفين وذوي المناصب يتوافدون على رحبة العيد، ويدخلون من باب الذهب، حتى يصلوا الى الخليفة الذي كان يعطيهم كسوة العيد ومعها العيدية، دراهم فضية، او دنانير ذهبية، طبقا للمقام، وبعد الموظفين يجني دور الرعية، يتوافدون على رحبة العيد، ويخرج الخليفة إلى شرفة محجوبة بستار، ومن خلفها ينثر عليهم الدر أي الذهب، وكل واحد وحظه. كانت العيدية في عيد الأضحى تعرف بالرسوم، وفي عيد الفطر بالكسوة، ولم تكن العيدية مقصورة على المسلمين فقط، انما كان الخلفاء يوزعونها في اعياد الأقباط، خاصة، خميس العهد، والحق ان الدولة الفاطمية شهدت تسامحا لم تعرفه مصر في أي حقبة أخرى، ويرجع هذا إلى عدة اسباب، منها التسامح الذي يميز الدعوة، ورحابة أفقها رغم سريتها الشديدة، وايضا اعتماد الفاطميين على الاقباط واليهود في ادارة الدولة، ذلك أن اللغة القبطية اي المصرية القديمة في آخر مراحلها كانت ماتزال مستخدمة في الدواوين، اللغة العربية لم تستقر كلغة دواوين الا في العصر الايوبي، في نهاية الدولة الفاطمية تدهورت الاحوال الاقتصادية والسبب شح النيل، ونقص الفيضان، في عصر المستنصر بالله شهدت مصر أعنف المجاعات في تاريخها، حيث اكل الناس بعضهم بعضا، وكانوا يتحايلون على اختطاف البشر وطهيهم، وبلغ سعر اردب الدقيق مقدار وزنه ذهبا، وبالطبع اختفت العيدية، لأن الخليفة نفسه لم يجد رغيف الخبز الذي يطعمه، هكذا بدأ خراب القصر ورحبة العيد، لكن مصر مثل العنقاء، الطائر الخرافي يحترق ويتحول إلى رماد ثم يعود من جديد، لذلك اقول ان مصر تمرض ولا تموت، في العصر المملوكي عادت العيدية لتصبح جزءاً من نظام الدولة ولكن إلى حين معلوم. نقلا عن جريدة الأخبار