تعودت الأواسط التجارية لسوق الفن في أوربا وأمريكا، كسياسة لترويج مختلف السلع المتعلقة بالإنتاج الفني من الغناء والموسيقي إلي السينما والمسرح، تعودت علي تمرير قائمة السلع الأكثر مبيعا في هذا السوق، بما يعكس علي نحو ما استجابة الأغنية أو المسرحية أو الفيلم السينمائي لحاجة الشارع، أو ما تنتظره الجماهير، وهي القوائم التي تعرف بالتوب ، والتي تختلف من بلد إلي بلد من حيث اعتمادها لعدد الأغنيات المدرجة من خمسة إلي عشرة أو حتي الخمسين؛ كما هو فرنسا وحيث تسمي القائمة بالتوب 50 . غير أن الموضة الجديدة، وكما سبق إليها في فرنسا برنامج الهيت 50 المشهور علي القناة السادسة الموجه للشباب، هي الإعلان عن قائمة المطربين الذين تحصلوا علي أعلي أجر مقابل الغناء في حفلة خاصة. ولشرح هذا المعني يمكن أن يتصور القاريء بأنه يرغب في عيد ميلاد زوجته أو أبنه الوحيد في أحياء حفلة كبيرة، ويريد أن يدعو إليها خيرة أهل البلد ولأنه لإكرامهم يريد أن يدعو لهم للغناء في الحفل أشهر أو أهم مطرب أو مطربة يعرفه القوم فإذا كان ابنك من المعجبين بنناسي عجرم علي سبيل المثال، وربما لأنك معجب بها، فكم يمكن لك أن تدفع لكي تحضر وتغني في عيد ميلاد ابنك، أمام كل مدعوي الشرف الذين حرصت علي أن يشاركوك هذه المناسبة؟ مثل هذا السؤال كان يوجهه مقدمو البرنامج طيلة فترة تقديمهم للقائمة والتي كانت لا تخلو في واقع الأمر من أكثر من مفاجأة، ولعلها كانت بحق علامة فارقة في سوق البذخ . فإذا أخذنا بآخر القائمة، وهنا يؤسس الأمر لمفاجأة بذاته سنجد أن السمراء اللاتينية الدلوعة جنيفير لوبيز، والتي كانت قد غنت في لندن في حفل الملياردير والمصرفي الروسي أندريه ميلنيتشنكو (35 عاما) لمدة ساعة، بمناسبة عيد ميلاد زوجته الثلاثين، وذلك بمبلغ مليون ونصف يورو؛ إي أكثر من مليوني دولار في الساعة ولم تكن هذه هي المرة الأولي التي يدلل بها أندريه زوجته ألكساندرا بإحضار الموسيقيين المفضلين لزوجته. فعندما تزوجا قبل عامين قام الزوج بإحضار المغنية الأمريكية الشهيرة كرستينا اجيليرا لتغني في الزفاف، وذلك علي ضفاف الكوت دا زير الفرنسي لكنه كان قد دفع لها مبلغ مليونين ونصف المليون يورو، إي ما يقارب الأربعة ملايين دولار، وبما يجعلها تتفوق علي الدلوعة لوبيز فيما يتعلق وقائمة المطربين الأعلي أجراً. وتشرح هذه الأخيرة أنها قبلت عرض الملياردير الروسي بمبلغ أقل، لأنها تحب الزوجين من جهة، ولأنها بحاجة للمال لمساعدة الأطفال المحتاجين في برتوركيا بلدها الأصلي... الملياردير كان قد صرف أيضا علي نقل جينيفر ومرافقيها الستين جواً من مدينة لوس أنجلوس إلي منزله في لندن لتحيي المطربة حفل عيد ميلاد زوجته. آلتن جون من طرفه كان قد غني في حفل زواج الملياردير البريطاني بيتر شلسن بنحو خمسة ملايين دولار! الكندية سيلين ديون غنت من طرفها في حفل خاص بمبلغ 5 ملايين يورو، وكان هذا لمدة ساعة لا غير!. يتساوي معها في المركز فرقة الأيجليز أو الصقور؛ الذين وأن اختفوا من الساحة الفنية إلا أن أغنيتهم الخالدة هوتيل كاليفورنيا ما زالت تضعهم في مقدمة الصفوف، حيث أنهم قد تسلموا شيكا بمبلغ 5 ملايين يورو لمجرد غناء هذه الأغنية في حفل عيد ميلاد أحد الأغنياء الأمريكان. علي أن التوب ورأس القائمة بدون منازع فهو مايكل جاكسون الذي استلم شيكا وقدره 7 ملايين يورو لمجرد حضوره لحفل عيد ميلاد الخامس والعشرين لابن سلطان بروناي في لندن. ويذكر مصدر أن الاتفاق كان أن يحضر مايكل جاكسون الأيام السبعة التي أعدها الأمير الملياردير بمناسبة عيد ميلاده، وتكون مكافأة مايكل بمعدل مليون يورو في اليوم، إلا أن مايكل جاكسون قد أفرط في الشراب منذ الليلة الأولي ووقع مغشيا عليه مع منتصف الحفل ونام طوال اليوم الثاني، ثم هو فضل مغادرة لندن في نهاية اليوم بسبب توعكه الصحي، مع ذلك لم يتردد في أخذ شيكه معه. ونحن هنا لن نحسد الأغنياء علي ثرواتهم، لكن التوقف أمام هذا التبذير المسرف باتجاه من لا يستحق، بينما يموت الكثيرون جوعا في مناطق مجاورة لبلاده يؤسس في واقع الأمر لواجب أخلاقي. وفي شهر رمضان الفائت كانت العائلات الفقيرة في بعض القري المسلمة في كمبوديا تلقي بأبنائها أمام منازل المتيسر حالهم من مسلمي العاصمة لأنهم لم يتمكنوا حتي من توفير لقمة العيش، ولا ننسي متضرري التسونامي أو المساجد المتهدمة في شرق آسيا نتيجة للفقر أو عصف السياسة. وهل يجب أن نترك أموال المسلمين تذهب ببساطة إلي جيب رجل مثل مايكل جاكسون وهو المعروف بانحرافه وتحرشه بالأبرياء من الأطفال؟ فإذا أراد الأغنياء أن يتمتعوا بأموالهم عليهم علي الأقل ألا يعطونها لمن لا أخلاق لهم.