أطلت علينا بسمرة بشرتها ، وجسدها النحيف ، وصوتها اللامع البراق ، المفعم بالحيوية والدفء . لتغني لنا أغنيات "الفادو" المعاصر، بلغته البرتغالية المتأثرة بالنغمات الشرقية والايقاعات الافريقية. تتمتع بقدر كبير من القبول والبساطة في الأداء ، الذي جعل الجمهور المصري ينجذب لها ويتقرب من الثقافة البرتغالية من خلال أغنياتها ، بالرغم من عائق استيعاب اللغة. انها المطربة البرتغالية " ماريزا " التي استطاعت ان ُترقص جمهور المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية المعروف بمحافظته علي نغمات أغنيات الفادو البرتغالية. هي إحدي الليالي الشتوية وتحديدا في التاسع عشر من يناير لهذا العام ، حيث أطلت علينا المطربة البرتغالية "ماريزا" لتغني للجمهور المصري الفادو. وأغنيات "الفادو" احد أنواع الغناء الفلكلوري بالبرتغال ، ذات طابع شعري قصصي، يرجع تاريخه الي عام 1820 م تقريبا في مدينة (ليسبون) أو لشبونة، وموضوعات أغنيات "الفادو" تتسم بالحزن وكان يغنيها في بداية ظهورها البحارة ، والفقراء، وهي تشبه في ذلك أغنيات الفلامنكو الغجرية في إسبانيا. وعندما تستمع الي أغنيات "الفادو" تدرك مباشرة التأثير العربي الشرقي الواضح في النغمات ، وأحيانا طريقة الغناء، والايقاعات الافريقية الآتية من البربر العرب . وظهور هذا النوع من الغناء كان متأثرا بالثقافة العربية ابان الحكم العربي الاسلامي لهذه المنطقة من أوروبا والتي امتدت لأكثر من ثلاث مائة عام. ومنذ ظهور غناء "الفادو" وهو يقدم بفرقة تتكون من مطرب منفرد ، وعدد من الجيتارات بحيث لا يتجاوز عدد الفرقة الأربعة أفراد. وقد حرصت المطربة "ماريزا" علي تقديم أغنياتها علي نغمات ثلاثة جيتارات هي: الباص جيتار ، الجيتار الاسباني ، والجيتار البرتغالي والذي يشبه العود العربي الي حد ما في الشكل ، ولكن صوته يشبه صوت آلة البزق . وشارك مجموعة الجيتارات بعض الآلات الموسيقية الأخري مثل البيانو، الترومبيت، الدرامز وبعض آلات البركشن الأخري. ماريزا والفادو المعاصر سبق المطربة "ماريزا" العديد ممن تغنوا بالفادو نذكر منهم "أميليا بياف" ،"اللاوجارلاند"،"رينها" ، "كارلوس دو كارمو" ، "كريستينا برانكو" ، وأحدثهم كانت "ماريزا" التي بدأت مشوارها الفني كمحترفة منذ سبعة أعوام فقط استطاعت من خلالها الوصول للعالمية . ولدت ماريزا لأم موزمبيقية وأب برتغالي ، ولذلك كانت محطتها الأولي في الغناء بموزمبيق ثم لشبونة ومنها الي جميع دول العالم. قدمت "ماريزا" خلال رحلتها الغنائية القصيرة خمسة ألبومات هي : "فادو أم ميم" عام 2001، "فادو كورفو" عام 2003، "ترانس بوراينت" عام 2005، "كونشيرتو أم ليزبوا" عام 2006، وأحدث ألبوماتها "تيرا" وتعني الأرض. وقد فازت "ماريزا" بالعديد من الجوائز علي انتاجها الغنائي نذكر منها: جائزة "نقاد الاسطوانات الألمانية" لأفضل ألبوم للفلكلور البرتغالي عن ألبومها الأول عام 2001 اختارتها اذاعة البي بي سي كأفضل فنانة أوروبية. منحها الرئيس البرتغالي "يورج سامبايو" وسام "هنري البحار". فازت بجائزة "الجولدن جلوب" لأفضل أداء منفرد. اختيرت أغنيتها "ياأهل بلدي" لتكون الأغنية الرئيسية لفيلم "ايزابيللا" وفازت بجائزة الدب الذهبي كأفضل موسيقي تصويرية في مهرجان برلين السادس والخمسين. منحتها أكاديمية باريس للفنون والعلوم الوسام الذهبي لانجازاتها القيمة في مجال الفنون والثقافة عام 2008، ومؤخرا تم اختيارها كسفيرة للنوايا الحسنة باليونسكو. وقد ذكرت "ماريزا" أن ماتقدمه من أغنيات "الفادو" ليس بصورته الفلكلورية التقليدية وانما هو ذلك "الفادو" الخاص بها الذي يمزج مابين الفلكلور والمعاصرة . وهذا مايتبعه كبار مغنيي الفلكلور في العالم الآن لجذب أكبر كم ممكن من الجمهور خاصة من ذوي الجنسيات المختلفة ، لأن الغناء فن يعتمد علي الكلمة والموسيقي ، وبما أن الغناء الفلكلوري يغني باللغة الأصلية لأي بلد، لذلك يستوجب هنا الاهتمام بالتحديث الموسيقي الذي يتناسب مع روح العصر، وفي هذه الحالة يتغاضي الجمهور عن الاهتمام بالكلمة ، والتركيز علي مايقدم من موسيقي . وهنا يكمن سر الموسيقي في تقريب الثقافات من بعضها البعض. حفل واحد لا يكفي قدمت "ماريزا" في هذا الحفل ست عشرة أغنية هي كالتالي: اللجوء، الآن قد تركتني، ماريا ليزبوا، المطر، بيت مفتوح، قبلة الحنين، الفادو الخاص بي، المركب الأسود" ثم تركت المسرح لتقديم مؤلفة موسيقية عزفتها الجيتارات، وبعدها استكملت الغناء بأغنيات "الربيع، أصوات من البحر، الوردة البيضاء، روحي، سوق في كاسترو، ياأهل بلدي" وشارك في العزف الي جانب مجموعة الجيتارات الايقاع متمثل في آلة "الدرامز" وبعض الآلات الايقاعية الأخري الصغيرة والتي كان منها "الدهلة " العربية، وكذلك آلة "البيانو"، و"الترومبيت" الذي استخدم بصوته المكتوم عن طريق وضع كتامة - سوردينا- لاعطاء طابع صوتي مختلف في أغنية "قبلة الحنين" ، واستخدم بصوته التقليدي في أغنيات أخري. وفي نهاية الحفل قدمت "ماريزا" أغنية من أغنيات "الفادو" بشكلها التقليدي كما تغني في الجلسات العائلية بالبرتغال، حيث شاركها عازف الجيتار الاسباني، والجيتار البرتغالي فقط وغنت هي وشاركها العازفان بمقاطع غنائية أيضا وكان ذلك دون أية ميكروفونات سواء للعازفين أو للغناء، واستطاع صوت "ماريزا القوي الحساس أن يصل لجميع الحضور في المسرح. والجدير بالذكر أن "ماريزا" لم تعتمد علي قوة صوتها فقط وانما هي تجيد التحكم فيه بالتعبيرات والتظليلات الأدائية التي تناسب مضمون النص الشعري للأغنية . كذلك فقد كان لأدائها الحركي البسيط المصاحب للأغنيات دور في جذب الجمهور وتوصيل معني كلمات الأغنية، وبالفعل فان لهذه المطربة دورا مهما في تقريب الثقافة البرتغالية من الشعوب الأخري لأنها تتعمد شرح حدوتة الأغنية بالانجليزية قبل غنائها. جميع هذه العوامل كان لها بالغ الأثر في تفاعل الجمهور مع "ماريزا" وما تغنيه من الفادو البرتغالي. ومن العناصر التي أضفت جمالا وعمقا لمضمون نص الأغنيات التي تغنت بها "ماريزا" كان عنصر الاضاءة ، والغريب أنه لم ينوه عن مصمم الاضاءة في كتيب برنامج الحفل، لكن بالفعل كان تصميم الاضاءة عبقريا تناسب تماما مع روح كل أغنية مما أكسب الحفل برمته جمالا. وأخيرا يجب أن نشكر كل القائمين علي تنظيم هذا الحفل الجديد ، ونهنئ المركز الثقافي القومي باختياره "ماريزا" لتكون متصدرة برنامج الحفلات للعام 2010 فالجمهور المصري دائما متعطش لمعرفة الثقافات المختلفة الأخري ، وان كنا نتمني أن تقدم "ماريزا" أكثر من حفل لتعريف الجمهور المصري بالغناء والموسيقي والثقافة البرتغالية لأن حفلا واحدا لا يكفي.